نابليون... وشعوره بالنقص!

نشر في 10-02-2016
آخر تحديث 10-02-2016 | 00:01
 د.نجم عبدالكريم الشعور بالضعة هو الذي يؤرق دائماً صغار الضباط حين يقفزون فجأةً إلى قمة السلطة!

نابليون بونابرت أكثر هؤلاء الضباط الصغار شعوراً بتلك الضعة، وهذا الذي كان يؤرقه ويفسد عليه أيامه ولياليه، ويدفعه إلى مزيد من المغامرات العسكرية التي يدفن فيها انتصارات إحساسه بأن كل ملوك أوروبا وملكاتها أيضاً يسخرون منه ويحتقرونه، رغم ما يُقابل به المنتصر عادة من احترام كاذب وحفاوة كلها رياء وزيف.

• كان نابليون يكره القيصر الروسي سليل آل رومانوف الجالس على عرش لم يهتز على مدى ستة قرون! يكرهه لأنه يقول عنه في جلساته الخاصة والرسمية:

"ما هي أخبار ضابط المدفعية القزم؟".

ضابط المدفعية القزم هذا هو نابليون بونابرت الذي أرعب أوروبا كلها.

• وكان يحمل لإمبراطور النمسا كراهية، لأنه هو الذي أطلق عليه اللقب الذي يشعره بحقارة أصله وضعته، إذ كان يسميه: "المغامر الكورسكي"!

والمغامر الكورسكي قد أوقع بالنمسا هزيمة مذلة في استرليتز!

ولم يكن إمبراطور النمسا، لشدة كراهيته لنابليون، يشهد جلسات مفاوضات الصلح التي يملي فيها نابليون عادةً إرادته وشروطه، فكان مترنيخ الوزير الأول هو الذي يرأس الوفد النمساوي.

• وحلل مترنيخ عقدة نقص نابليون، فكتب في مذكراته عنه: "أثناء الاجتماعات كان نابليون يزداد اضطراباً وعصبيةً وتشدداً أمام نظرات خصومه من الأباطرة والملوك رغم انتصاراته عليهم! ولم يكن لانفعال نابليون حد حين خاطبته بكلمة (يا جنرال بونابرت)، فصاح غاضباً، ودق المائدة بيده، وانسحب من جلسة المفاوضات وهو يقول: لا أقبل أن يخاطبني وزير دولة مهزومة بغير (صاحب الجلالة إمبراطور فرنسا)"!

ويواصل مترنيخ واصفاً بونابرت: "كنت أعرف مشكلته! إحساسه بالضعة، وحين خاطبته في الجلسة الثانية بلقبه المحبوب (صاحب الجلالة) نظر إلي بعينيه الخبيثتين الضيقتين، نظرة الذي يبحث عن رائحة السخرية في هذا اللقب الذي ناديته به حسب رغبته!

***

• ولكي يتغلب نابليون على شعوره بالنقص، قرر أن ينضم إلى نادي الأباطرة والقياصرة فيتزوج واحدة من الأسر العريقة، كأسرة ألكسندر الأول قيصر روسيا، فتقدم لخطبة ابنته، فصاح قيصر روسيا في غضب: "أَأُزوج ابنتي زهرة آل رومانوف للمغامر الكورسكي الفلاح؟! هذا الذي يريد أن يرفع من خسته وضعته بالزواج منها. قولوا له: إنني أفضل أن أعود إلى ميدان القتال على أن أزوج ابنتي الأميرة سونيا لهذا التافه".

ولم ينسَ بونابرت هذه الإهانة قط. جرحته جرحاً عميقاً ومسّت موضع الضعة الذي يستشعره، فكانت وراء غزوته الفاشلة فيما بعد لروسيا.

• فاتجه إلى آل هابسبورج خاطباً إحدى بناتهم، فهذه الأسرة لا تقل عراقة عن أسرة آل رومانوف، فغضب إمبراطور النمسا:

- يا له من جسور وقح. هل توافق على جريمة كهذه يا مترنيخ؟

- يا صاحب الجلالة، لا خلاف على وقاحته، غير أن في قدرتنا الإفادة من هذه الوقاحة اذا أحسنّا استخدام هذه الورقة في المفاوضات!

- لكن الفلاح الكورسكي لا يريد الزواج منا بقدر ما يريد إذلالنا.

- إذاً لنفسد عليه هدفه يا مولانا، ولنبدأ نحن في إذلاله.

-وألقي بابنتي في فراش "العسكري الكورسكي"!، وأي بناتي؟! ماري لويز؟ هل تريد أن تتكرر مأساة أسرتنا في فرنسا مرة أخرى؟ أليست فرنسا هي التي أعدمت ماري أنطوانيت على المقصلة؟ أتريد أن تُلحق ابنتي بخالتها فور سقوط بونابرت؟! وإني لعلى ثقة أنه سيسقط، فشعوره بالحقارة والضعة والضعف سيسقطه حتماً.

• هذا ما سطره التاريخ عن واحد من ألمع العسكر عندما يجد نفسه حاكماً لبلد إثر انقلاب قام به!

back to top