اكتسب «فرح الحياة»

نشر في 10-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 10-02-2016 | 00:01
No Image Caption
تنتشر في الفترة الأخيرة أفلام وكتب وموسيقى ومواد استهلاكية متنوعة تروّج ظاهرة {فرح الحياة}. ينظم بعض الجهات اليوم معارض مخصصة لهذا الموضوع حيث تُعرَض أفلام معروفة تبث الحنين والسعادة في نفوس الناس، وتصدح أغانٍ حيوية تحثهم على الرقص والاستمتاع بوقتهم. هكذا تحولت أفلام الكوميديا الرومانسية إلى أدوات للشعور بالتحسن واسترجاع التفاؤل لأنها تقدم أجواءً إيجابية وساحرة تضمن جرعات من السعادة. ومن المنتظر أن يصدر فيلم وثائقي يركز على مختلف المبادرات السخية والواعدة حول العالم.
يشجع الخبراء على التفاؤل بدلاً من الحزن. تقضي هذه المقاربة التفاؤلية بإعادة اكتشاف اللحظات اليومية الممتعة التي تشعرنا بالراحة لدرجة أن تصبح هذه اللحظات ضرورية في حياتنا. يكفي أن نتأملها كي نفرح ونستمتع بوقتنا. رغم الاعتداءات الإرهابية التي تهز أماكن مختلفة من العالم، يصر الناس على التمسك بالحياة والمضي قدماً، ويتضح ذلك في تفاعلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يعبّرون عن استعدادهم للمواجهة وعدم خوفهم من الإرهاب ويرفعون شعارات معادية للعنف.

وفق علماء الاجتماع، تُعتبر الهاشتاغات التي تطلق هذه المواقف وسيلة للتعبير عن التضامن بين الناس وتحريكهم والتأكيد على انتمائهم المشترك. يمكن أن يستعمل مستخدمو الإنترنت الهاشتاغات والصور للتعبير عن آرائهم والاحتفال بحريتهم ومواجهة الإرهاب بطريقتهم. منذ سنوات، كان الحزن يعم الأجواء بعد الحوادث المأساوية. أما اليوم، فيردّ الناس بمظاهر الفرح والتفاؤل والتحدي وتتكثف الدعوات إلى حضور الحفلات الموسيقية والمضي قدماً.

كتب مؤثرة

انتشرت ظاهرة {فرح الحياة} في بعض البلدان عبر كتب مضادة للاكتئاب تضمن تحسين المزاج. بيعت 10 ملايين نسخة مثلاً من كتاب Eat, Pray, Love (طعام، صلاة، حب) الذي صدر في عام 2006 للكاتبة إليزابيث غيلبرت! ويبدو أن هذه الظاهرة بدأت تتخذ بعداً عالمياً وترتكز حملات التسويق المعاصرة على شعارات تفاؤلية لدرجة تجعلنا نتساءل: هل أصبحنا تعساء لهذه الدرجة كي تدعونا هذه الجهات كلها إلى الاستمتاع بالحياة؟

يظن علماء الاجتماع أن غياب الموارد الداخلية القوية تجعلنا نبحث عن مصادر السعادة في الخارج، أي في المسلسلات التلفزيونية أو الروايات السعيدة والمنتجات الممتعة. لكن يجب أن نميز في هذا المجال بين المتعة التي تعكس لحظة إيجابية ومبرمجة والسعادة التي تكون غير منطقية ويصعب التحكم بها. تكون اللحظات الممتعة أشبه بجرعات مريحة وضرورية لكنها لا تقودنا بالضرورة إلى السعادة.  أضاع هذا العصر وجهته وما عاد يجيد بلوغ السعادة. يمكن نسب هذا الوضع إلى المبالغة في إبداء النزعة الفردية. كلما زاد تركيزنا على أنفسنا وتراجع تواصلنا مع الآخرين، يتراجع احتمال أن نجد السعادة لأنها تشتق في المقام الأول من حب العطاء والتواصل مع الغير. باختصار، يكفي أن نحب الناس كي نعيش السعادة!

تنظيم بيئة العمل

قد تصبح السعادة على المحك في مكان العمل، ويعزز بعض الدراسات هذا الأثر السلبي حين يركز على المعاناة السائدة في بيئة العمل حيث يشعر كثيرون بالضيق بسبب المساحات المفتوحة والهواتف الذكية ومختلف الأجهزة المعاصرة. لكن ظهرت لحسن الحظ نزعة جديدة بدأت تنتشر في العالم الغربي، تحديداً في مجال الاقتصاد، وتركز على راحة الموظفين وتبتعد عن خصائص الوظائف العادية (راتب، مسيرة مهنية، تقييم مهني...) وتسعى إلى إعادة التناغم لحياة الفرد في الشركات. تقضي هذه المقاربة بتنظيم مكان العمل بطريقة ذكية عبر اقتراح فطور مشترك وندوات مفيدة وورش عمل مبنية على علم النفس الإيجابي وإنشاء أقسام مخصصة للأهالي الشباب... بهذه الطريقة، يتخذ العيش المشترك في مكان العمل معناه الحقيقي!

ما العمل عند الشعور بالسوء؟

هل يمكن أن تنقلب هذه المساعي الهوسية إلى بلوغ السعادة ضدنا؟ تشبه السعادة المال لأننا لا نكتفي مهما زاد مستواها. وتترسخ في مجتمعاتنا هذه الحاجة الملحة إلى عيش السعادة بسبب ما تروّج له وسائل الإعلام. يجب أن تكون السعادة واضحة ومتكاملة ويمكن أن تتخذ بعداً أخلاقياً أيضاً. لذا يشعر كل من لا يبلغها بالفشل ويتم تقييمه بناءً على أدائه. لكن حين نبالغ في تقدير السعادة، يجب ألا نستخف بأهمية العواطف الأخرى لأن مشاعر الحزن والأسى تؤدي دوراً مهماً في هذا المجال وقد تشكل مصدر إلهام لنا وتدفعنا إلى الإبداع (شعر، موسيقى...)، والأهم من ذلك أنها تعطي قيمة للسعادة. لكن على سلّم العواطف، لا شيء يضاهي قوة السعادة كونها العاطفة المثالية التي يبحث عنها الجميع لأنها تجعلنا نشعر بأننا أحياء!

النصف الممتلئ من الكوب

بينما يمضي البعض أيامه بالتذمر والشعور بالخوف من الغد، من ثم حرمان نفسه من السعادة، يتمتع البعض الآخر بعينين إيجابيتين تنظران دائماً إلى النصف الممتلئ من الكوب. الخبر السعيد في هذا المجال أن خبراء علم النفس يؤكدون أن “الإيجابية” طريقة تفكير بإمكاننا اكتسابها. كيف؟ إليك بعض النصائح.

1- الابتعاد عن الغضب والتنفس بعمق

نواجه ظروفاً قد تعزز لدينا العواطف السلبية فنميل إلى الغضب والصراخ والبكاء. ينصح طب النفس، باستيعاب الموقف نفسياً من خلال اللجوء إلى تقنيات الاسترخاء، وأبرزها: التنفس بعمق، اللجوء إلى نشاطات تطرد المشاعر السلبية، كالرقص أو اليوغا... اللافت أيضاً أن ممارسة مثل هذه التمارين بصورة شبه دائمة تحصننا ضد مشاعر الغضب والقلق، أو تجعل من وقعها أخف علينا عند الوقوع في أي مأزق.

2- التحلي بالصبر

تكثر المشاكل في العائلة والعمل والمجتمع عموماً... وهي أمور علينا التعامل معها يومياً. لمواجهة الصعوبات، لا بد اولا من وضع المشكلة أو الأزمة في إطارها الزمني، فهي لن تستمر مدى الحياة. ربما تترك أثراً لدينا ولكنها لن تبقى طاغية في حياتنا. ينصح الخبراء بالاستفادة من الأخطاء السابقة لعدم الوقوع في أخطاء تشبهها، ومن ثم تجنّب مشاكل كثيرة.

3- الثقة بالنفس

نواجه في حياتنا غالباً أشخاصاً يحاولون إحباطنا، عن عمد أو عن غير عمد، فتجتاحنا عواطف سلبية. في هذه الحالة لا بد من أن نتسلّح بقيمنا الشخصية، وبثقتنا بأنفسنا. هكذا ننجح في تخفيف وطأة الانتقادات علينا، ونعزز قوتنا الداخلية ونطرد أي شعور باليأس.

4- الاستعانة بالحبيب أو الصديق

إزاء كل مشكلة تواجهك، تذكر أن ثمة في الحياة من يحبك ويتمنى لك الخير دائماً، حبيباً كان او صديقاً أو شريكاً، ويحاول قدر الإمكان البقاء إلى جانبك ومساندتك، معنوياً أو مادياً. لا بد من أن تشكّل هذه الحقيقة لدينا نوعاً من راحة البال.

5- أهمية الذكريات الإيجابية

تخيّل نفسك على شاطئ البحر وعد إلى الوراء بذكرياتك. إلى أيام الدراسة مثلاً، أو يوم الزفاف، أو ولادة ابنك او ابنتك، أو رحلات إلى بلاد جميلة. تشكّل الذكريات السعيدة أداة دفاع يستعملها الدماغ دفاعاً عن أي جديد حزين أو مقلق. لا تتوان في الرجوع إلى أيام سعيدة عشتها وحاول أن تعيش الإحساس نفسه. وهكذا ستحارب الظروف الراهنة الحزينة بطروف مقابلة سعيدة سابقاً.

6- وداعاً للماضي

نعم، قل وداعاً للماضي الحزين بكل ما يحمله. عند الوصول إلى نهاية علاقة حب أو زواج أو صداقة، لا تحاول أن تؤدي دورا تراجيدياً باحتفاظك بأغراض من الحبيب السابق مثلاً، أو بصورة له ورسائل حب. بل على العكس، ودّع الماضي بكل ما يحمله، فأنت الآن إزاء أيام مقبلة جديدة ربما تكون أفضل من سابقتها.

7- الاستعانة بأشخاص إيجابيين

 ابتعد قدر المستطاع عن الأشخاص السلبيين، وكن أكثر قرباً من أشخاص يمدونك بطاقة إيجابية، يقفون إلى جانبك وقت المحن، يساندونك عند الشدة، ينظرون إلى إيجابياتك ويرشدونك إلى سلبياتك من دون تجريح.

8- الطموح جميل ولكن

لا بد من أن تكون طموحاً، وتسعى إلى تحقيق أحلامك من خلال الاجتهاد والمثابرة وتخطي العقبات وعدم الاستسلام. ولكن ماذا لو كان طموحك يتخطى إمكاناتك بأشواط وأخفقت في الوصول إليه. ينصح خبراء علم النفس الأشخاص الذين يبالغون في طموحاتهم، بالتروي وعدم التسرّع في “الأحلام”، لا سيما أن “الفشل” في أي مشروع قد يؤدي بهم إلى أزمات نفسية.

9- نشاطات بسيطة

عند الوقوع في أزمة أو الوصول بعلاقة ما إلى نهاية حزينة، لا تسجن نفسك بين أربعة جدران. أنت بذلك تزيد الطين بلة، وتؤسس لأزمة قد تطول لسنوات. على العكس، بعد الاعتراف بالمشكلة طبعاً، عليك العمل على الخروج منها من خلال الاستمتاع بالوقت، لا بهدف قتله، بل لأجل الخروج من الحزن وعيش لحظات سعيدة مع أشخاص يحبونك ويتمنون لك الخير. باستطاعتك مثلاً، الذهاب للتسوق أو مشاهدة فيلم سينمائي. أو الاهتمام بمظهرك، ولا ضير طبعاً في تجديد الإطلالة بتسريحة جديدة.

back to top