لا أجيد رفض المطالب!

نشر في 10-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 10-02-2016 | 00:01
No Image Caption
هل تجد صعوبة في رفض مطالب رب العمل أو الشريك أو الأولاد؟ لا داعي للقلق لأن هذه المهارة يمكن اكتسابها وسرعان ما يتحول هذا السلوك إلى متعة حقيقية لأنه يشكل أيضاً طريقة للاعتناء بالذات.
إذا كانت هذه المشكلة مزمنة في بيئتك المهنية أو الشخصية، ربما حان الوقت كي تتساءل عن الأسباب التي تجعلك تشعر بالذنب وتبحث عن الحلول لأن الرفض في الوقت المناسب يثبت مستوى من الاحتراف ويقوي الالتزامات ويعزز احترام الذات.
السلوكيّات:

• جمود: تكون انشغالات هذا الفرد مفرطة في العمل أو في المنزل ويعجز عن رفض مطالب الآخرين. فيشعر بالتعب والإحباط والقلق ولا يثبت نفسه مطلقاً أو في مناسبات نادرة. كذلك لا يصغي إلى حاجاته الخاصة ويكون مستعداً دوماً لشكر الآخرين.

• عدائية: يبدو هذا الفرد لامبالياً بحاجات الآخرين ظاهرياً. يجب أن يثبت دوماً أنه على حق لكنه قد يذهب إلى حد السخرية من الأشخاص المحيطين به وإهانتهم والاستخفاف بهم. يرفض مطالب الجميع تقريباً لكنه لا يشعر بالسعادة ويفتقر إلى الثقة بالنفس. يهرب منه الناس مع أنه يريد أن يكون محبوباً.

• توازن: يحترم هذا الفرد نفسه ويتمسك بقناعاته الخاصة ويثبت انفتاحه على الآخرين. يثق بنفسه وبقدراته ويحترم الناس لأنه تعلم أن يحترم نفسه.

الاضطرار إلى القبول

غالباً ما يعني القبول اختيار الطريق السهل وتجنب المواجهة، فيتنازل الفرد لتفادي المشاكل والحفاظ على جو هادئ. لكن قد يشعر البعض بأنهم مجبرون على الرضوخ لرغبات الآخرين لدرجة أن يضعوا حاجاتهم في أدنى مرتبة، ما يجعلهم يقبلون مطالب الغير ويرفضون رغباتهم الخاصة. على المدى الطويل، قد يعطي هذا السلوك تداعيات خطيرة لأننا قد ندخل في علاقات تفتقر إلى الاحترام أو تسمح للآخرين باستغلالنا. ولا يساعدنا هذا السلوك على بناء ثقتنا بنفسنا لأننا لا نثبت قدراتنا.

كيف يمكن تغيير هذا السلوك؟ يجب أن نعترف أولاً بالمشكلة ونشكك بتصرفاتنا: ما الذي نتجنبه فعلياً؟ هل نخشى رد فعل الآخرين أو فقدان حبهم إذا لم نحقق رغباتهم؟ هل نخشى أن يتركونا أو يرفضونا إذا رسمنا الحدود في تعاملنا معهم؟

التدرب على الرفض

تقضي الخطوة اللاحقة بالتدرب على الرفض واكتساب القدرة على إثبات الذات. يمكن البدء بالذهاب إلى مركز التسوق ورفض عروض البائعين اللجوجين. أو يمكن التدرب على الرفض بصوت مرتفع حين نكون وحدنا عبر تخيل سيناريوهات مختلفة نجرؤ فيها على رفض مطالب رب العمل أو الزملاء أو الأبناء...

أخيراً، يجب أن نتمسك بقرارنا مهما كانت العواقب لأننا قد نميل في البداية إلى التراجع عن كلامنا. يترافق أي خيار مع عواقب معينة وقد يدفعنا الخوف من فقدان حب الآخرين إلى إخفاء مشاعرنا الحقيقية وهذا ما يجعلنا نقيم علاقات خانقة.

رفض نزوات الأولاد

تتعلق القدرة على رفض نزوات الأولاد بشخصية الأم أو الأب لأن بعض الأهالي يخشون فرض سيطرتهم. لكن لا يعلم الكثيرون أن الرفض يعني اكتساب النضج أيضاً.

• بناء الشخصية عبر الرفض: يبني الطفل شخصيته عبر مواقف الرفض والمعارضة. تسمح هذه المرحلة الشهيرة التي تبدأ في عمر الثالثة للطفل بأن يثبت شخصيته أمام والديه، ولو بطريقة عشوائية، لكن تبقى هذه المرحلة مهمة من الناحية النفسية. لذا يشكل الرفض جزءاً من بناء الشخصية منذ سن مبكرة. لكن قد نقابل أشخاصاً يجدون صعوبة في التفوه بكلمة {لا} البسيطة خوفاً من إثارة استياء الآخرين أو جرحهم أو التشاجر معهم، أو بسبب ضعف شخصيتهم أو خوفاً من الشخص الذي يواجهونه بكل بساطة. سرعان ما يندم هؤلاء الأشخاص لأنهم لم يعبّروا عن أفكارهم أو يتحركوا في الوقت المناسب وقد يتكرر سوء التفاهم نتيجةً لذلك.

• تجاوز الخوف من الرفض: إذا كنت تتمتع بهذه الشخصية، يجب أن تغير هذا السلوك مع الأولاد على الأقل لتربيتهم بشكل سليم ومساعدتهم على الاندماج في مجتمعهم وبناء هويتهم الفردية. لا نفع من اعتبار الذات استثناءً على القاعدة وإنكار المشكلة والاقتناع بأن العائلة ستبقى بمنأى عن الخلافات لأنها جزء أساسي من الحياة ويجب السيطرة عليها. حتى أن الطفل قد يذهب إلى حد افتعال الخلاف لإثبات شخصيته ولا يكون هذا السلوك مقلقاً بأي شكل.

لكن يجب تجنب ردود الفعل المتطرفة طبعاً: ساد في فترة معينة نمط تربوي متساهل يمنع تعريض غرور الطفل للصدمة لكن لم تقدم هذه المقاربة أي نتائج مقنعة. تبين أن هؤلاء الأولاد يستوعبون الممنوعات في عمر أبكر من الراشدين ويجددون أسلوب تربيتهم. في المقابل، يجب تجنب النماذج التربوية القاسية التي ترفض جميع مطالب الأولاد وتجبرهم على الاكتفاء بالدرس واكتساب المعارف واللقاحات والنشاطات العائلية. كانت هذه الأساليب تستهدف الفتيات أكثر من الصبيان.

• كلمة يصعب قولها: يجب أن نسترجع مقاربة تربوية طبيعية لتعليم الأولاد كل ما يصبّ في مصلحتهم. لكن يصعب علينا اليوم أن نقول {لا} أكثر من أي وقت مضى. مع ذلك، يصر علماء النفس على أهمية رسم الحدود لأن الطفل يستكشف محيطه من دون أن يرسم الحدود بنفسه كونه يظن أن العالم ملك له. يسهل تطبيق هذه القاعدة حين نطلب من الطفل مثلاً ألا يلمس الأسلاك الكهربائية لأن هذا السلوك يهدد حياته. حين يكبر الطفل، يجب أن نتخذ مواقف صارمة في مسائل عدة، بدءاً من الطعام والألعاب والفروض المنزلية وصولاً إلى النوم.

يحصل بناء الذات استناداً إلى ميول نختار اتباعها من دون طرح أي أسئلة بشأنها. يتعلم الراشدون أن بعض الميول لا يمكن ترجمتها ولا يطرح هذا الوضع أي مشاكل مع الطفل لأنه يتعلم منذ مرحلة مبكرة أن هذه المواقف جزء من واقع الحياة. لكنّ الطفل الذي لا يتعلم هذا المبدأ ويجد من يلبي رغباته دوماً سيكون تعيساً جداً حين يواجه مواقف الرفض من الآخرين. من الأسهل أن يكتسب الفرد هذه المعارف في سن مبكرة. بهذه الطريقة لن يجد الطفل صعوبة في الانصياع للأوامر كي يثبت أنه لطيف وأنه فهم نظام التربية.

إذا واجه الأهالي محنة صعبة مع أولادهم، يمكنهم اللجوء إلى أهل الاختصاص. لن يقوم هؤلاء بالواجبات التربوية بدلاً منهم بل سيحللون أصل المشكلة بطريقة موضوعية ويساعدونهم على حلها.

سلطة ضرورية

سلطة ضرورية: لا تزال سلطة الأهل ضرورية مع أن الكثيرين يعتبرونها جزءاً من أساليب التربية التقليدية. عند ممارستها بالطريقة الصحيحة، قد تتحول إلى فعل حب واحترام تجاه أفراد العائلة الآخرين والبيئة المحيطة عموماً. تكون هذه البيئة الواقية مهمة بالنسبة إلى الطفل الذي يضع كامل ثقته في هؤلاء الراشدين الذين يعرفون مصلحته لأنهم مروا بهذه التجارب سابقاً.

لكن قد تتخذ السلطة منحىً سلبياً أحياناً إذا أساء الأبوان استعمالها أو حاولا إشعار الطفل بالذنب عن غير قصد. يجب تجنب عبارات مثل {افعل ذلك لإرضائي} لأنها توحي بأنه مضطر إلى تنفيذ الأوامر لمجرد إرضاء أهله. ولا يجب تهديده لأي سبب لأن التهديد لا ينفع إلا على المدى القصير ولا يعلّم الطفل الالتزام كونه يطيع الأوامر بداعي الخوف. ولا نفع من حرمانه من النشاطات التي يحبها لأن أثر هذا العقاب آني.

هذا ما يفسر أهمية رفض المطالب لأسباب مبررة. لكنّ مهمة الأهل ليست سهلة ويحاول الجميع بذل أفضل ما لديهم. يصعب اتباع مسيرة تربوية مثالية والتأكد من تطبيق مقاربة سليمة. تكون الأزمات التربوية طبيعية لذا يجب أن نتعلم التحكم بها بأفضل طريقة ممكنة ونتذكر التجارب التي مررنا بها في العمر نفسه. يجب أن نحرص أيضاً على ألا تتأثر صورة العائلة سلباً بنظر الطفل. تسمح البيئة العائلية للطفل باكتساب المبادئ الأساسية والتحكم بعلاقاته مع العالم الخارجي. تساعده هذه القواعد على التصرف بشكل سليم.

باختصار، يضمن الرفض في المواقف المناسبة أربع منافع أساسية: كسب الوقت، التصالح مع الذات، إعطاء قيمة للموافقة، إثبات الشخصية.

back to top