أرونداتي روي... الهندوس القوميون يسكتون الكتّاب!

نشر في 09-02-2016
آخر تحديث 09-02-2016 | 00:01
تقود الحكومتان في مصر وتركيا هجوماً صريحاً ومتعدد الجوانب ضد الكتّاب والفنانين والمفكرين. في الشهر الماضي، وصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان منتقديه في أوساط الأكاديميين الأتراك بالطابور الخامس واعتبرهم عملاء للقوى الأجنبية، ثم أُقيل عدد كبير منهم أو أُوقفوا عن العمل. عمدت تركيا ومصر معاً إلى سجن الصحافيين، وأدى ذلك إلى اندلاع احتجاجات دولية.
ويتخذ قمع الحريات الفكرية والإبداعية أشكالاً حذرة في الهند، ذلك البلد الذي يتمتع رسمياً بمؤسسات ديمقراطية حرة ظاهرياً.
يسيطر الهندوس القوميون  المنتمون إلى الطبقة العليا على الجامعات الهندية التي بدأت تطهّر مناهجها وفروعها من مظاهر «معاداة القومية» منذ أشهر. وفي تحولٍ صادم للحوادث في الشهر الماضي، انتحر روهيث فيمولا، طالب دكتوراه في حيدر آباد. اتُهم ذلك الطالب الفقير الذي كان يتخصص في مجال الأبحاث بحمل آراء سياسية «معادية للقومية»، علماً أنه كان ينتمي إلى واحدة من الطبقات الهندية التي تعيش أقسى درجات الحرمان وقد صدر قرار بتعليق دراسته. وبعد إلغاء منحته، طُرد من مساكن الطلاب. كشفت رسائل موجّهة من حكومة مودي في دلهي إلى سلطات الجامعة أن الطالب كان يخضع لضغوط متواصلة كي يتحرك ضد «السياسة المتطرفة والمعادية للقومية» في حرم الجامعة. تشير الملاحظة المؤثرة التي تركها فيمولا قبل الانتحار إلى أن ذلك الكاتب والمفكر الموهوب كان يائساً وشبه معزول.

فرض السيطرة

تسعى العائلة الموسعة للقوميين المنتمين إلى الطبقة العليا بكل وضوح نحو فرض سيطرتها الكاملة على الأوساط العامة. لكن لا تكتفي هذه الجهات باستعمال أساليب المضايقة والطغيان (يمكن أن يرصدها النقاد المحليون والأجانب سريعاً) لسحق أعدائها المعروفين، بل إنها تطاردهم أيضاً عبر الإبلاغ عنهم في مراكز الشرطة وعبر عرائض قانونية يقدمها أفراد من القطاع الخاص: رُفعت دعاوى جنائية ضد كتّاب وفنانين في الهند. تعكس هذه الأساليب غياب المحاسبة، فتتجرأ بذلك العصابات على سرقة مكاتب الصحف والمعارض الفنية ودور السينما.

على صعيد آخر، يستعمل القوميون مختلف الوسائل لتسويق رسالتهم بطرق متنوعة. يوشك أهم العملاء التابعين لحزب {بهاراتيا جاناتا} الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ناريندرا مودي على فرض هيمنتهم على التلفزيون الهندي بأسلوب برلسكوني. تعلّم القوميون الهندوس أيضاً أن يتلاعبوا بوسائل الإعلام الجديدة لتوجيه الرأي العام سريعاً: يستعينون بـ}لوبي آلي}، كما يقول أردوغان، على مواقع التواصل الاجتماعي لتضليل جمهورهم، إلى أن يصدقوا كل ما يقال لهم.

يمكن تحديد المؤسسات والأفراد الذين يؤدون دوراً هجومياً ويحرسون الحزب الحاكم في مجالات الأعمال والتعليم ووسائل الإعلام. تعمل هذه الشبكات من النفوذ السياسي والاجتماعي والثقافي (من رؤساء التحرير اللبقين إلى الهمجيين القذرين) بطريقة متناغمة لتوجيه النزعات وفرض الأفكار. يمكنهم أن يتعاونوا معاً لفرض الضغوط في مجالات متعددة على الأفراد الذين يكونون أقوى من روهيث فيمولا.

«الازدراء بالمحكمة»

في الأسابيع الماضية، حين واجهت الروائية أرونداتي روي فجأةً محاكمة جنائية بتهمة «الازدراء بالمحكمة» التي يمكن أن تقودها إلى السجن، ادعت رسائل نصية متداولة أن الكاتبة كانت جزءاً من مؤامرة يحيكها مبشّرون مسيحيون لقتل فيمولا وتقسيم الهند. لم يكن تبديد هذه الاتهامات السخيفة سهلاً بأي شكل. بل كان يسهل أن يقتنع الناس بأن روي مضطرة إلى الدفاع عن نفسها نتيجة التقارير الباردة، والعدائية أحياناً، التي عرضتها أهم وسائل الإعلام الهندية.

لكن تتعلق «جريمة» روي الحقيقية بمقالة نشرتها في شهر مايو من السنة الماضية لتسليط الضوء على سَجْن أكاديمية مشلولة اسمها سايبابا، محاضِرة باللغة الإنكليزية في جامعة دلهي كانت الشرطة قد خطفتها وسجنتها بسبب «نشاطاتها المعادية للقومية». اعتبرت روي في المقالة أنّ من يسمح بإطلاق سراح مساعدي مودي المتهمين بعشرات جرائم القتل بموجب كفالة لن يمانع إطلاق سراح امرأة مشلولة تتدهور صحتها بوتيرة سريعة.

بعد سبعة أشهر، قرر قاضٍ من مدينة ناجبور في وسط الهند رفض طلب الكفالة واعتبر روي امرأة {شريرة} و{فظة} و{وقحة} و{همجية} وشكّلت مقالتها التي كانت جزءاً من {خطة} مشينة لإطلاق سراح سايبابا بموجب كفالة شكلاً من الازدراء بالمحكمة (لكنه تناسى أنّ أحداً لم يقدم عريضة للمطالبة بإطلاق سراح سايبابا بموجب كفالة حين نُشرت مقالة روي، كما أنها لم تنتقد أي حكم صدر عن المحكمة أو القاضي حين كانت تطالب بتطبيق الإجراءات القانونية المعمول بها). اتهم القاضي روي باستعمال {جوائز مرموقة يُقال إنها فازت بها} لمهاجمة {بلد متسامح مثل الهند}. في حكمه الصاعق، تظهر روي التي كانت تعمل على روايتها الثانية في السنوات الأخيرة وكأنها عدو شرير لكل من {يناضل للاحتماء من النشاطات الإرهابية وغير القانونية في البلاد}.

سيسهل علينا أن نصدق هذه الادعاءات لو شاهدنا أخيراً فيلماً قصيراً عن روي على واحدة من أشهر القنوات الهندية التي تملكها شركة {زي} للمشاريع الترفيهية التي تُعتبر إحدى أكبر شركات الإعلام في الهند وأهم جهة داعمة لمودي. عُرض الفيلم في شهر نوفمبر للكشف عن الوجه {الحقيقي} والخبيث لامرأة معادية للقومية.

نتيجةً لذلك، تواجه روي خصوماً أقوياء في المحاكم ووسط الرأي العام. من الواضح أن الافتراءات التي يطلقونها تخنق حقها في حرية التعبير وتقضي على حريتها النسبية المشتقة من الأعباء والمخاوف المألوفة التي تسمح للكاتب بالجلوس في غرفة وحده كي يكتب. لم تترك حكومة مودي طبعاً أي بصمات واضحة على تورطها في هذه الجريمة ضد الفن والفكر. لكن تتّضح مظاهر قمع الفنانين والمفكرين في الديمقراطيات الشكلية مثل الهند عبر عدد من الأنماط المتشابكة.

لا تقتصر تلك الأنماط على الرقابة التي يفرضها النظام الوحشي والرقابة الذاتية التي يطبقها الضحايا المستضعفون، بل يتعزز هذا الوضع نتيجة تدهور المبادئ الأخلاقية العامة والخاصة، وزيادة ممارسات الإعدام بلا محاكمة، وتشديد النبرة المستعملة في المجتمع المدني بمشاركة من القضاة والمهرجين على حد سواء.

حرية التعبير

يوم واجهت روي تهماً جنائية في ناجبور، استضاف {مهرجان جايبور الأدبي} (تبين أنه برعاية شركة {زي} للمشاريع الترفيهية!) مناظرة عن حرية التعبير. طرح أنوبام خير، ممثل في بوليوود معروف بأدواره التهريجية، أشرس الحجج ضد فيلم ?Should Freedom of Speech be Absolute (هل يجب أن تكون حرية التعبير مطلقة؟). وفي شهر نوفمبر، نظّم خير تظاهرة ضد الكتّاب الهنود الذين أعادوا جوائزهم الأدبية احتجاجاً على اغتيال ثلاثة كتّاب وإعدام مسلمين وأشخاص منتمين إلى طبقة {الداليت} بلا محاكمة. وبعد إطلاق شعارات مثل {اضربوا الأدباء بالأحذية!}، ذهب لالتقاط الصور مع مودي في مقر رئاسة الحكومة الرسمي في دلهي.

عكست تصرفات خير تحوله المزعج من مهرّج يظهر على الشاشة إلى مهرج خطير في السياسة، وكان حضوره في المهرجان الأدبي فاضحاً بما يكفي حتى لو لم يتحمّس وينضم للجماهير التي كانت تهتف باسم مودي، أو حتى لو ذكر مع المشاركين في المناظرة موضوع إسكات روي. كان حضوره ليعكس في مطلق الأحوال ازدراءً هائلاً (بدأ يُعتبر طبيعياً) بالحياة الفكرية والضمير الفردي. في الماضي كتب الكتّاب، من آدم ميكيفيتش إلى روبندرونات طاغور، تفاصيل تطور المجتمع الوطني. لكن يثبت القوميون الهندوس اليوم وجود طرق متعددة لاغتيال الكتّاب.

* بانكاج ميشار

back to top