فتور الترحيب الأوروبي بالمهاجرين

نشر في 09-02-2016
آخر تحديث 09-02-2016 | 00:01
 أميركان إنتريست اجتاح مشجعو كرة القدم محطة قطار في استوكهولم قبل أيام واستهدفوا المهاجرين، حيث بدأ الجو العام في أوروبا يزداد استياء من الهجرة والمهاجرين يوماً بعد يوم، صحيح أن هذا النوع من العنف المنظم ما زال حتى اليوم نادر نسبياً، إلا أن القادة السياسيين المسؤولين أنفسهم بدؤوا يوضحون للمهاجرين أنهم ما عادوا يرحبون بهم، فقد اتخذت دول السويد، وفنلندا، وألمانيا الأسبوع الماضي خطوات لتسريع عمليات الترحيل وردع تدفق أعداد إضافية من المهاجرين، وانضمت إليهم النمسا أخيراً.

تشكل هذه الأخبار مؤشراً إلى مدى الضياع الذي تتخبط فيه النخبة الأوروبية منذ سنوات، فبعد إصدار تصريحات كبيرة عن حق اللجوء، وانتقاد المواطنين بسبب تحيزهم وضيق تفكيرهم، وفتح الحدود أمام ضغوط سكانية غير مسبوقة، ما كان الوضع ليستمر طويلاً، ويبدو اليوم أن قانون شتاين بدأ يُطبَّق: الموجة التي لا تستطيع الاستمرار لن تستمر. لا شك أن مشاكل المهاجرين واللاجئين حقيقية، وأنه ما من إنسان خيّر يستيطع التعاطي بلامبالاة مع يأس مَن يهربون من الحرب في بلدهم، ولكن ما من أمر يجعل الحقوق القانونية ممكنة إلا مجتمع بشري يلتزم بالقانون والتضامن. وفي أوروبا المعاصرة يشكل هذا المجتمع الدولة الأمة، فقد أمضت أوروبا المئات القليلة الأخيرة في العمل على تبني سياسات متجانسة نسبياً من الناحية الإثنية، فقادت هذه العملية إلى مجتمعات مستقرة تتمتع بحماية القانون، إلا أن كل هذا كلفها إراقة دماء لا مثيل لها، ونتيجة لذلك صارت هذه الدول، على غرار المجتمعات البشرية كافة، تستمد قوتها من أفكار مَن يكوّنونها وعلاقاتهم وثقافتهم وتاريخهم، علماً أن هذه ترسم أيضاً حدود هذه الدول.

مهما كانت هذه الفكرة ملائمة للمثالية الشاملة، فمن المستحيل أن تتمكن هذه المجتمعات البشرية من استقبال معدلات من المهاجرين تتخطى سقفاً معيناً، ولا يُعتبر هذا السقف ثابتاً، فعندما تكون الاختلافات الثقافية والدينية كبيرة بين السكان المحليين والوافدين الجدد ينفخض هذا السقف.

ومن المؤكد أن تجاهل النخبة الأوروبية المتهور للحدود الفعلية لقدرة القارة السياسية والنفسية على استقبال المهاجرين، وقِصَر نظر صانعي السياسات المتعجرفين الذين اندفعوا إلى الأمام من دون فهم المشاعر العامة سيكلفان أوروبا والمهاجرين غالياً.

تسير الولايات المتحدة أيضاً نحو نمط التفكير عينه: فقد باتت سياسات الهجرة واللجوء منفصلة عن مشاعر الشعب، ونتيجة لذلك تزداد ردود الفعل قوة، ففي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كليهما، ينمو بين أفراد الشعب الشعورُ بأن النخب تتعمد بشكل واعٍ اتخاذ خطوات ستبدل التوازن السكاني والثقافي في البلدان التي يشرفون عليها، لكن هذا يشكّل تربة خصبة يزدهر فيها النبات السام، ويمكننا أن نرى هذا النبات السام ينمو على جانبي المحيط الأطلسي.

تحتاج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على حد سواء إلى حوارات جديدة بشأن الهجرة والمهاجرين، وعلى النخب من جهتها أن تحد من حماستها لسياسات تقوم على أسس تزداد هشاشةً من الدعم العام، فإطلاق العبارات المستهلكة عن الحرية واتهام الخصوم بالعنصرية لن يجديا نفعاً، بل على العكس من الضروري أن تصغي النخب بدقة أكبر إلى الرسالة التي يحاول كثيرون في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نقلها لها.

back to top