أيام خالدة... في تاريخ الوطن

نشر في 09-02-2016
آخر تحديث 09-02-2016 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي ونحن على مشارف هذه الأيام الخالدة من تاريخ الوطن، وبالذات مساء يوم السادس والعشرين من شهر فبراير عام 1991 عندما فاضت الدموع من عيون أهل الكويت لتغسل أدران جيوش الغدر والخيانة، وارتفعت الرايات في كل أركان الوطن، وتم طرد المعتدي وهو يجر أذيال الخزي والعار، وتحويل آلته العسكرية إلى أكوام من السكراب في طريق الموت الممتد من مدينة الكويت إلى الحدود الشمالية من البلاد في مناظر مرعبة.

قبل أيام قمت بزيارة لإحدى الديوانيات العامرة في الكويت الغالية، وكان أغلب الحضور من أحبائنا الصامدين أثناء الاحتلال الغاشم للنظام العراقي السابق، وبدأ سيل من الذكريات المؤلمة ينساب من قلوب أدماها ذلك الكمّ الهائل من الإهانات والتعذيب النفسي وزرع الخوف، فلم يزد ذلك أهل الكويت إلا فخرا وعزة وتمسكا بأرضهم ونظامهم، فالتفّ شرفاء العالم حولهم في تضامن لم يشهد له العالم مثيلاً.

 وبدأت الهزيمة تتسلل إلى نفوس جنود المحتل، ووصل الأمر بهم إلى طرق الأبواب لاستجداء لقمة عيش يصدون بها وحش الجوع الذي نهش أجسادهم، فتحول ذلك الجيش الجبار إلى ذئاب تستهويهم رائحة الدماء، فصبوا جام غضبهم من نظامهم على الكويت وأهلها بإهانات وقتل وتدمير، حتى وصل بهم الأمر إلى حرق آبار النفط في كارثة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.

بدأ الحديث أحد رجالات الكويت ممن يحمل على أكتافه عبئاً تجاوز الثمانين عاما، فأخرج تنهيدة من أعماق وجدانه شعر بحرارتها الجميع قائلا: لن أنسى ما حييت تلك اللحظات القاسية في ذلك اليوم، فعندما كنت أقود سيارتي استوقفتني إحدى السيطرات من جنود الاحتلال وبعض المتطوعين من الجنسيات العربية، وبدأ سيل من السب والشتم، وبكلمات لا يمكن أن تصدر إلا من رعاع، ثم مدّ أحدهم يده وانتزع عقالي ورماه على الأرض قائلاً: تريد عقالك انزل من السيارة اخذه، نزلت من السيارة وما كدت أنحني لآخذه حتى قام أحدهم برفسي بقدمه، فانكفيت على وجهي، في تلك اللحظات هانت عليّ نفسي، وقبل ذلك وبعده هانت علي هذه الديرة وما يحدث لأهلها من جار آزرناه في محنته فكان هذا جزاءها.

وهنا بدأت العبرة تخنق الرجل، فأشفق عليه الجميع، وران صمت عميق مؤلم، بعد ذلك تناول الحديث أحد الحاضرين قائلا: إنه في أحد تلك الأيام الحالكة السواد سمعنا طرقا شديدا على الباب، وما كدت أفتحه حتى رأيت أحد شباب الكويت منكفئاً على وجهه، وكأنه يلثم ثرى الوطن، وقد اخترقت جسده الطاهر رصاصات الغدر والخيانة، وقد أحاط به عدد من جنود الاحتلال، وصرخ أحدهم في وجهي: إن فرقاً خاصة ستقوم بتفتيش كل بيوت المنطقة للبحث عن أفراد المقاومة التي ينتمى إليها ذلك الشاب، ويعلم الله كيف قضينا تلك الأيام وفرق الإعدام تجوب شوارعنا ليلا ونهارا، لم يساورني الخوف لحظة على نفسي بقدر خوفي على أهلي وأولادي وبناتي.

 وتواصلت الروايات المؤلمة التي تدمي القلوب والتي نعجز عن إيرادها أو الإحاطة بها، وما يزيد الألم قسوة أن الغزو وما رافقه من المآسي وأحداث الغدر والخيانة قد لقي صدى وتأييدا من بعض الأنظمة العربية، خصوصاً تلك الدول التي كانت تحظى برعاية خاصة من دولة الكويت، وأثناء عملي في اليمن أبلغني أحد الأصدقاء أن الطاغية صدام حسين قد قام بزيارة لمدينة صنعاء في الشهر السادس من عام 1990، حيث أجزل الوعود ببناء أبراج سكنية وملاعب رياضية وفنادق... إلخ. وظلت تلك الوعود حبرا على ورق.

ثم ونحن نحتفل بأعيادنا الوطنية ألا يحق لنا أن نعضّ على هذا الوطن بالنواجذ؟ ألا يفرض علينا عشقنا له أن نرص الصفوف؟ فكلنا في مركب واحد ندعو الله أن يكون مركب خير وبركة وعمار يا كويت.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top