لورانس وكيفن كورنارا: صالحي كان مشتبهاً فيه ولم يخبرنا أحد بذلك!

نشر في 08-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 08-02-2016 | 00:01
No Image Caption
تختلط مشاعر الحزن والغضب في هذه العائلة. تحاول لورانس المضي قدماً تزامناً مع دعم ابنها كيفن (21 عاماً). في 26 يونيو الماضي، قُتل هيرفيه كورنارا، رئيس شركة نقل في منطقة {إيسير} الفرنسية على يد موظف لديه اسمه ياسين صالحي (35 عاماً). التقط القاتل صورة سيلفي وهو يمسك برأس هيرفيه. لكنه عاد وانتحر في السجن في 22 ديسمبر. لا يكفّ كيفن ولورانس عن طرح الأسئلة حول صالحي فقد كانا يظنان أنهما يعرفانه جيداً. أما هيرفيه، فتتناساه تكريمات ضحايا الإرهاب، وهذا الوضع يزيد صدمة زوجته وابنه. لقد غيّرا مكان إقامتهما للتو في محاولة منهما لإعادة بناء حياتهما... {باري ماتش} تحدثت إلى لورانس وكيفن كورنارا.
أخبرينا عن آخر لحظاتك مع هيرفيه.

لورانس كورنارا: قبل يوم من الجريمة، كان يومنا اعتيادياً. خرجتُ من المكتب في الخامسة والنصف بعد إعطاء جدول العمل إلى ياسين صالحي. أتذكر أنه قال لي: {أراك غداً}. كان زوجي لا يزال في المكتب وقد عاد متأخراً في ذلك المساء. تناولنا العشاء معاً. يوم الجمعة، كان عليّ تسليم مشاريع كثيرة فاستيقظتُ في وقت أبكر منه. حضرتُ له عصير البرتقال والقهوة والحلويات التي يحبها. قلتُ له إنني سأنصرف وسأراه مساءً. في السابعة والنصف صباحاً، وصلتُ إلى المكتب لمتابعة عملي. شاهدتُ باباً مفتوحاً في آخر المرآب: كان صالحي يستعد لعمليات التسليم. بدا الوضع طبيعياً.

هل كان يتردد على موقع Air Products في مدينة سانت كوينتين فالافييه؟

لورانس كورنارا: لم نخطط لأي عملية تسليم هناك في ذلك اليوم.

كيف دخل ياسين صالحي، قاتل زوجك، إلى الشركة؟

لورانس كورنارا: كان هيرفيه ينوع نشاطاته وقد نجح في اكتساب البراعة اللازمة لنقل مواد خطيرة. ثم استعاد وكالة Colicom الصغيرة في شاسيو حيث كان صالحي الموظف الوحيد في مستودع غاز. حين قابله هيرفيه، قال لي: {إنه شاب لطيف ويتقن ما يفعله. ما الداعي لتوظيف شخص آخر والاضطرار إلى تدريبه؟}.

كيفن كورنارا: لم يبلغنا أحد بأنه كان مشتبهاً به. إذا كان معتاداً على ارتكاب المساوئ، ما كان يجب السماح له بتسليم الغاز. الأمر أشبه بإعطاء ولاعة وبنزين إلى شخص مهووس بإشعال الحرائق!

بعد اغتيال هيرفيه، تلقيتم مئات الشهادات...

لورانس كورنارا: لدينا صندوق مليء بالشهادات. كان زوجي يقدم خدمات كثيرة للمحيطين به. ربما بالغ الناس في الاتكال عليه.

كيفن كورنارا: {كان رجلاً صالحاً ويحب مساعدة الناس}! تكررت هذه الجملة كثيراً وقد تأثرنا عند سماعها. عبّر بعض المجهولين أيضاً عن عواطفهم وأرسلوا لنا الرسوم...

لورانس، كيف دخل هيرفيه إلى حياتك؟

لورانس كورنارا: عاد هيرفيه من الجيش إلى بادن بادن في ألمانيا. تقابلنا في ملهى ليلي. كان عمري 16 عاماً وهو 19 عاماً. وجدنا شقة سريعاً ثم غيّرت رحلة حياتنا. في أغسطس 1983، ذهبنا إلى جزر الأنتيل لمقابلة شقيقه. وقع هيرفيه في حب تلك الجزر. كان قد توظف حديثاً في قطاع الخدمة العامة لكنه أراد {عيش اللحظة} كما يقول، فأخذ إجازة مدتها ستة أشهر. سرعان ما بدأ يتدبر شؤونه وحده كالعادة. لكن خلال شهرين، اتصل بي وقال لي: {يمكنك المجيء إليّ. وجدتُ منزلاً صغيراً}. انضممتُ إليه. كنا نضع باباً فوق مسندين كي نحصل على طاولة واستعملنا مخزن تبريد بدل الثلاجة وحقيبة سفر بدل الخزانة. كان الوضع صعباً في البداية.

ما الذي دفعه إلى الرحيل؟

لورانس كورنارا: كان يقول إنه لا يريد أن يندم على شيء. لم نكن قد أنجبنا ابننا بعد وكان يمكن أن نقوي علاقتنا حتى لو بدا الوضع معقداً أحياناً. كان يصنع تذكارات على شكل قمصان وأنا أبيعها للسياح، ثم انضم إلى شركة للطباعة الحريرية. كان هيرفيه يعمل بجهد ولا يتوقف لأي سبب. في عام 1994، وُلد ابننا كيفن هناك. ثم بدأ هيرفيه يحنّ إلى بلده. فقررنا العودة في عام 1999.

تفاصيل ووقائع

ماذا حصل بعد عودتكم؟

لورانس كورنارا: استقررنا في حي فونتين سور ساون الذي نشأ فيه هيرفيه. أراد أخذ استراحة وتمضية الوقت مع ابنه. كان كيفن مولعاً بكرة القدم وقد شعر والده بفخر شديد به. لذا زاد استثماراته في نوادي كرة القدم وحاول أن يجد شركات داعمة ويصنع ملابس للفِرَق ويطبع صحفاً مصغرة لنشر مقابلات الأولاد. طلبت نوادٍ كثيرة انضمام كيفن إليها. كان هيرفيه يشاهده من مقاعد الاحتياط ويقدم له النصائح.

في تلك المرحلة بدأ يقدم المساهمات في مجتمعه...

لورانس كورنارا: خيّب ذلك الحي ظنه فهو لم يجد فيه مساحات خضراء واسعة بل الكثير من الإسمنت. لذا حاول تغيير الوضع. حين أصبحت شركة La Poste مهددة بالإغلاق، نظّم تظاهرات احتجاجاً على هذا القرار علماً أنه كان يصنع الملصقات لها. كان ينظم أمسيات أيضاً لتناول حساء البصل والمحار ويحتفل مع الجيران. أحبّت الأمهات هذه المناسبات سعياً إلى إضفاء جو من المتعة على الحي. أردتُ أنا وكيفن أن نغير مكان إقامتنا لكن كان هيرفيه متعلقاً جداً بهذا الجو العائلي.

اتجه أخيراً نحو قطاع النقل ولحقتموه جميعاً...

كيفن كورنارا: بدأ المشروع وحده مع شاحنة ومبلغ ألفَي يورو. سارت الأمور على خير ما يرام. انضمت إليه أمي قبل أن يبدأ بتوظيف الناس. منذ سنتين، حين حصلتُ على رخصتي، بدأتُ أعمل لديه.

لورانس كورنارا: أراد هيرفيه ألا يحمل الموظفون الآخرون فكرة سلبية عن وصول {ابن رب العمل} إلى الشركة. لذا استدعى الموظفين العشرة كي يقول لهم: {أنتم جميعاً بالمستوى نفسه}. كان كيفن يأخذ الأوامر من رب العمل أيضاً.

كيفن كورنارا: كان أشبه بأب لبعض السائقين وقد أنقذ عدداً منهم من المعاناة. حين كان يتعرّف إلى شخص عاطل عن العمل، لم يتردد في إعطائه فرصة.

هل كنت تتأثر بمساعي مكافحة الإرهاب في السابق؟

كيفن كورنارا: عند وقوع حادثة {شارلي إيبدو}، شعرنا بجو من التضامن. شارك والداي في المسيرة البيضاء في ليون. لكني أتذكر أن أبي اتصل بجميع السائقين كي يطلب منهم في يوم المجزرة تغيير الإذاعة التي يسمعونها: {لا تتابعوا سماع الأخبار، بل يجب أن تغيروا أفكاركم}.

ما سبب هذه الحماسة كلها لمتابعة نشاط الشركة؟

كيفن كورنارا: هذه الشركة هي إرثه ولا يمكن أن نتخلى عنها. نشكل أنا وأمي ثنائياً ناجحاً. لا شك في أن المسؤولية كبيرة بالنسبة إلى شاب في عمر الواحدة والعشرين. لكن لا أهمية لذلك لأنني أردتُ دوماً أن أستلم هذه الشركة وسبق وناقشتُ الموضوع معه. اليوم، يجب أن أتعلم كسب احترام من حولي. فقد أصبحتُ رب العمل وجلبتُ المزيد من الموظفين. لا أنكر أنني حذر في قراراتي وأختار أشخاصاً أعرفهم.

كيف عشتما حوادث 13 نوفمبر؟

لورانس كورنارا: مع وقوع كل اعتداء، أعيش كابوساً جديداً. في ذلك اليوم، نظموا لي مفاجأة لعيد ميلادي. لم يجرؤ المدعوون على إخباري بما حصل في باريس، لكنهم اجتمعوا في السيارات لسماع الراديو. حين علمتُ بما حدث، فضلتُ العودة إلى منزلي وفكرتُ بعائلات الضحايا. منذ ذلك الحين، أتساءل كل يوم جمعة عما سيحصل مستقبلاً.

كيفن كورنارا: ثم حصلت تلك التكريمات كلها لكن لم يتلق الضحايا المعاملة نفسها. هم ينسون والدي دوماً ولا أفهم السبب. هل يتجاهلونه لأننا من منطقة {إيسير} وكان الضحية الوحيدة هنا؟ أم أنهم يريدون اعتبار الحادثة شخصية بين رب عمل وموظفه؟ ألا أهمية لأعلام {داعش} وصور والدي المنتشرة في سورية؟ أتذكر أن القاتل اختار أن يموت شهيداً في موقع شركة أميركية رغم غياب عمليات التسليم هناك.

في 23 ديسمبر، كيف كان رد فعلكما على خبر انتحار ياسين صالحي؟

لورانس كورنارا: سيحرمنا موته من محاكمته. كنا مستعدين لمواجهته. لكنّ التحقيق مستمر.

كيفن كورنارا: اقترح علي القاضي مواجهته لكن نصحني المقربون مني بتجنب ذلك. أندم على قراري اليوم لأنني لن أحصل على الأجوبة التي أبحث عنها. ألوم المسؤولين في السجن لأنهم لم يراقبوه وألوم الدولة لأنها لم تبلغنا بأنه مشتبه به. كانت المحاكمة لتفيدنا لأن السلطات لا تلقي القبض على الإرهابيين عموماً. كان يمكن أن تقول لنا فرنسا: {سنعاقب هذا الإرهابي بالذات}.

لم يرد اسم هيرفيه على لائحة المكرمين في 1 يناير 2016. هل أصبتما بخيبة أمل جديدة؟

لورانس كورنارا: كان ذلك التكريم مهماً بالنسبة إلى ابني. وعدونا بتكريمه لاحقاً وبإحياء ذكراه، حتى أنهم قد يضعون لافتة باسمه في حيّ فونتين سور ساون. ما زلنا ننتظر تحقيق تلك الوعود. لا يجب نسيان هيرفيه.

back to top