الأطفال... الذكاء الحقيقي

نشر في 06-02-2016
آخر تحديث 06-02-2016 | 00:01
No Image Caption
يعرف الجميع اختبار «تورنغ». لكن قليلين يتذكرون قول آلن تورنغ إنك إن أردت بلوغ الذكاء الحقيقي، فعليك أن تصمم آلة تشبه طفلاً. أشار تورنغ بكلامه هذا إلى أن السر الحقيقي للذكاء البشري يكمن في قدرتنا على التعلم.
تُظهر ثلاثون سنة من علم النمو المعرفي أن الأولاد هم الأكثر قدرة على التعلّم في العالم. ولكن كيف يستطيعون تعلم هذا الكم الهائل بهذه السرعة الكبيرة؟ منذ 15 سنة، يحاول علماء النمو المعرفي والكمبيوتر الإجابة عن هذا السؤال. وقد أدت الأجوبة إلى ابتكار أنواع جديدة من تعلم الآلات.

يعود كثير من التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي إلى تقنيات مثل التعلم العميق، الذي يستطيع تحديد حالات معقدة شاذة إحصائياً في كم هائل من البيانات. وهكذا، صار بإمكان أجهزة الكمبيوتر فجأة القيام بمسائل كانت مستحيلة في السابق، مثل تصنيف الصور على شبكة الإنترنت.

لكن مشكلة تعلّم الآلة الإحصائي البحت تكمن في أنه يعتمد على بيانات اختارها البشر. فتحتاج الآلات إلى مجموعة ضخمة جداً من بيانات يعدها البشر كي تتمكن فحسب من تأمل صورة جديدة وتحدد أنها قطة، مع أن الطفل يستطيع القيام بذلك بعد رؤيته بضعة أمثلة فحسب.

يتبع بديل آخر في مجال تعلم الآلات والعلم المعرفي (إطار عمل {النماذج الاحتمالية}) مقاربة مختلفة. فتعِد هذه الأنظمة وتختبر فرضيات مجردة. وتُعتبر عمليات الاستنتاج الافتراضية البايزية بالغة الأهمية. على سبيل المثال، يمكنك أن تعتبر حسابياً أن فرضية سببية معينة هي الرسم البياني المباشر الذي يولد تلقائياً نمط بيانات محدداً. وتعمل بعد ذلك على احتساب مدى احتمال أن تكون هذه الفرضية صحيحةً بالنظر إلى البيانات التي تملكها. برعت الآلات في اختبار دقة الفرضيات بمقارنتها بالبيانات بهذه الطريقة، ما أدى إلى تداعيات مهمة امتدت من التشخيص الطبي إلى توقعات الأحوال الجوية. وقد برهنا أن الأولاد الصغار يستعملون البيانات ليقيموا الفرضيات بطريقة مماثلة.

لكن الأولاد الصغار يقومون بأمرين ما زالا يفوقان مقدرات أجهزة الكمبيوتر الحالية. ونسعى اليوم لفهم هاتين المقدرتين من الناحيتين الشكلية والتجريبية. ولا شك في أن هذه الأبحاث ستسمح لنا بتصميم أنواع أكثر فاعلية وقوة من الذكاء الاصطناعي.

تكمن المشكلة الفعلية في تحديد أي من الفرضيات، من بين هذا الكم اللامتناهي من الاحتمالات، يستحق الاختبار. حتى الأولاد في دور الحضانة يبرعون في ابتكار مفاهيم وفرضيات جديدة بطرق مبدعة ومتخيَّلة. وأظهرت أبحاثنا أنهم يحققون أحياناً نجاحاً أكبر من البالغين في هذه المسألة.

أما المجال الثاني الذي يتفوق فيه الأولاد على أجهزة الكمبيوتر فهو قدرتهم على الخروج واستكشاف العالم من حولهم واختبار ما فيه (ندعو هذا الأمر أحياناً {الفضول}). وقد بدأ علماء النمو المعرفي لتوهم بفهم هذا النوع من التعلم النشط والغوص فيه.

إذاً، قد تكون المخيلة المبدعة والاستكشاف المتواصل، اللذان يتحلى بهما الأولاد، مفتاح مقدراتهم المذهلة على التعلّم. ولا شك في أن دراسة الأولاد سترشدنا إلى أفضل طريقة لتصميم أجهزة كمبيوتر يمكنها أن تجتاز اختبارات تورنغ أكثر تعقيداً وتتمتع بذكاء يعادل ما ينعم به ولد في الثالثة من عمره.

* أليسون غوبنيك

back to top