فرح... أنوثة من ورق

نشر في 06-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 06-02-2016 | 00:01
No Image Caption
للحرف سلطان لا يدركه إلاّ مَن تحركت شِغاف روحه ذات قصيد أو من دمعت حناياه في حضرة كلمة و حرفي أنا سلطانٌ في وصف ما يعتري نفسي تجاهك، لن أعنون قصيدي هذا، سأتركه هكذا بحراً من الأسرار وكثيراً من الصمت المبطن برغبات كثيرة. فوضويٌّ هذا الليل، ينتصف ولا يأبه بكلّ أوجاع البشر و أنا أنثى لا أعرف كيف سأكتب عن نفسي أو ماذا سأكتب، ليس خوفاً من أنْ أصغر في عيون غيري ولكن خوفاً من أصغر في عيوني أنا، فما أنا لأكتب عن نفسي؟ أنا مجرد أنثى ربما سيتبادر إلى الأذهان أني أنثى أغرق بالعسل وأستحم بالعطر وأرفل بالحرير كما يليق بأيِّ أنثى تشتهي الدلال ولكنّي لا أشتهي غيرَ السلام، صوتي، وجهي، عطري، شعري ولمسة يدي ودقات قلبي ورائحة أرضي ولون بحري وعمري الفائت. وأيامي القادمة كلّها خرساء.

ماذا سأكتب بعد؟ أخرجتُ كلّ أشياء الأنثى من حساباتي فأنا لا أملك منها إلا الأطلال والأوجاع... أخبرتك قبلاً أنّها أمور تخص أنثى غيري وأنا! لا تدعني أتحدث أكثر عن أوجاعي أوقفني إن استطعت.

و أنا!

لا تدعني أتحدث أكثر عن أوجاعي، أوقفني إن استطعت.. لم تعد الأثواب تعنيني ولم يعد عطري يغري أنواع الرجال للاقتراب من جسد مهشم وروح ثائرة. أحاول البحث عن جناح ملاك يشبهني بدلاً من ملابس مزركشة أعلم أنّها تكلفني الكثير ولكنها لا تشبهني، تحرقني كلّما نظر إليها أحدهم وأبدى إعجابه باللون أو الرسم أو حتى الحشو. نسيتُ أيّام عمري ولم أعد أتذكر كم أبلغ من الأوجاع وكم رسالة كتبت وكم مرة أدخلت قلمي الرصاص في صراع لا حول له ولا قوة مع أصابعي لأجبره على الكتابة والبوح!

ربما أنا أقترب الآن من المليون وجعاً أو ألماً ومع هذا فإنّ “مارس” لا يعني لي الكثير، حتى إنني عندما أتيتُ إلى هذا العالم أتيتُ صامتةً.. لم أبكِ! وبات يوم مولدي يدق بابي ليذكّرني بيوم حزن جديد فقط. لم أكُ أعلم أني سأدفع ثمن صمتي غاليا في ما بعد!

لايهم.. دعني أكمل سيأتي عيدي وبكلّ الأحوال وكعادتي سأنتزع بسمة من وجهي المتعب لأكتب بها على دفاتري الممزقة ستة وعشرين ألماً متكئاً على كلّ خطوط جسدي.

لا يحتاج الأمر إلى ذكاء لتعلم أني من مواليد برج الحمل برج يتقيد بالمثاليات المفقودة وله رغبة قوية تجاه حب الحياة والشهوانية التي تتوق إلى اكتشاف شهوة الروح والجسد معاً… العيش بمتعة الالتحام للوصول إلى مرحلة الاتحاد على كلّ المعايير. مُحبةٌ أنا لكلّ أنواع الحرية وأعشق الشرقيّة التي تصون أنوثتي.

ببساطة أعرف كيف أرتدي زي الرجال بالبساطةِ نفسها التي أرتدي بها ثوباً من الحرير الهنديّ المزركش، أخفي وراءه عقلاً واعياً وإرادة صلبة وتفكيراً منطقياً و رقة وعذوبة فلا تحكم عليّ من خلال غمازتي التي تزين خدي وابتسامتي العذبة، أتقن الحديث من جانب واحد ومع ذلك لست مجرد ثرثارة فأنا أرغب بالوصول إلى أصدق النتائج وأكثرها منطقيّة وعذوبة، وكلّ ذلك دون أن أفقد جاذبيتي التي أعلم أنها تحتل مساحة كبيرة من تقييمك لي، أبدو كتحفة فنيّة... أو إعلان أنيق في مجلة راقية، أهوى الأشياء الصغيرة التي تكلّف الكثير، أحب الشمعدانات، اللوحات..المفارش الأنيقة، الملابس الفاخرة و العطور المغرية، الموسيقى الكلاسيكية والدموع المالحة و عجباً كم أكره العيش بمفردي!

أعلم أنّك لا تملك الوقت الكافي لسماع المزيد.. كالعادة قهوتك أصبحت باردة ولفافاتك تحترق بنشوى ولا تنكر! ومع ذلك سأكمل… لست ضعيفة حتى لو كنتُ مترددة أمام المحن فأنا صلبة لا أتردد في تطبيق النظام وفرض العقوبات بوحي من إدراكي وحكمتي دون أنْ أنسى أنني أنثى! قلبي يشتعل بالصمتِ و الضجيج ومع ذلك لم أعد أحسب هزائمي حتى لو لم يأت بعدها فرح أو حتى مجرد ابتسامة صفراء أو ملونة بلون آخر.

أنت تعلم أن آخر شيء أتقنه هو الكلام بوضوح ومع ذلك اخترت البدء (بزاوية) سماوية، أعلنت الحرب للحصولِ على السلام! غرقت أنا في محيط من العفوية والجرأة، أعدمها الآخرون رمياً بالرصاص عندما رفضت العيش على أرصفة تضج بالمقاهي والشهوات الرخيصة! خرجتُ وحدي في جنازتي وحفرتُ قبراً في السماء.. تزوره الملائكة، وتقرأ ما تيسر من آيات الذكر الحكيم. وحدي من حصدت الدم، الدموع، الكبرياء، الألم والازدواجية وابتعدت عن طقوس الشهوة و أوجاع القصائد ومع ذلك أحببت زاويتي السماوية لأنّها ولدت في وقت حتى الفراولة فيه أصبحت مرضاً خبيثاً وسرطاناً حتمياً وموتاً يمشي على أربع. نهايةُ الفرح و بداية الحزن، وبدأت ألف عام من الانتظار إلى أن ظهرت أوّل طعنة في قلبي المشتعل بضجيج حماقاتي… وسنوات عمري التي لم تتعدَّ الألف وجع، هه.. قبلك!

لا تعتقد أني أحب النصوص الفخمة أو أني أتعّمد استعمال كلمات أكبر مني في نصوصي الحمقاء! فنصوصي لا تشبهني أبداً أنا مجرد أنثى أمارس حقي في صناعة أشيائي بطريقتي الخاصة التي قد لا تروق لك. لا أفتح أبوابي وأغلق أدراجي بمفاتيح كهربائية وأمارس حقوقي المطلقة في الحب أو الكره أو الانتقام أو البكاء أو حتى الوجع. كما يحلو لي ودون انتظار لإشارة البدء من أي كائن حتى لو كان أنت!

أمّا أنت تستمتع بتمردي وممارستي لطقوسي الخاصة في كل شيء حتى في الانزواء داخل كأس زجاجي تملؤها من نبيذك المجنون رجولة حتى تفقدني صوابي ولا تقدر! لا أرغبُ بأن أكون أيّ شيء آخر غير أنثى حتى لا أبتعد كثيراً عن أوجاعي وتحديّاتي التي لا تناسبني، شرسة أكثر مني،متوحشة، حادة، حاقدة، أدخل في مخاضٍ معها كلّ يوم فأنا حبلى بها منذ ألف وجع غير أنّي متصالحة مع نفسي لدرجة أننا أصبحنا نتكاثر معاً، نموت معاً نثور معاً! نتمرد معاً ضدّ الأشياء الأشخاص.. الأوهام.. والكذب!

اعتدتُ فيما مضى أن أكتب بقلم حبر فاخر هجرته ورميته من نافذة إلى بؤرة سوداء وحصلت على قلم رصاص زهيد الثمن لكنه قادر على رسم أجزاء جديدة مني أقوم بالتعديل عليها وتحديثها بين ألم وآخر، لا أنكر أنني أحترق ألما وشهوة الألم هي ما يدفعني قهراً إلى زاويتي لأكتب أوجاعي بلغة سرية. فأنا أولاً وأخيراً أعرف كيف أمارس طقوس الإنسانية حتى و قد نسيت الموت فرحاً! لذا بوسعي القول أنني متأقلمة على الأقل مع طقوسي الإنسانية الخاصة بي وحدي وسأستمر في كتابتها حتى آخر قطرة علّني أمسح عن روحي قطرات الهذيان التي تقطر على جبيني البارد.

حدثتك عن روحي أكثر من محاسن شكلي ربما لأنني لا أجد حروفاً تصف معان كوّنها الزمان بي، قد تعرفني أو ربما أمعنت التدقيق فيّ جيداً و لكن لا يُغني عن وصفي لنفسي فبعد أن صار جلدي بلونِ اللحم وتبنّت عيوني لون التراب الذي جبلت منه وضجت خصلات شعري بسمار يشبه قطع الشوكولاتة تلك التي تنسيني مر الأيام وتناسق جسدي ليشبه أيامي ورسم على محياي لوحة من العزة مع دلالة على كوني شرقية أعشقها كعشقي للقهوة. لا تنكر أنّ القهوة وحدها قصة كبيرة للكتابة عنها ومع ذلك فأنا أتوق لسكبها على قميصك في صباح يوم هادئ.. احتضني الآن كأيّ صديق يقرأ حروفي معجباً وكي تتفادى قوانين الرقابة التى قيدتني قبلك، احتضني من خلف حجاب ورقي هذه المرة كما كنت أفعل أنا خلسة إثر كلّ محادثة إلكترونية جمعتنا وفرّقتنا بلوح زجاجي شهد كلّ عري لشعوري تجاهك ومع هذا فأنا نادمة لأنني اكتفيت بلثم الزجاج دوماً.

كثيرة هي الدفاتر التي خط قلمي عليها جميل الشعر والنثر ولكن هذه الوريقات هي أول سطور تكتبني بوجع وصدق سوياً، تكتبني وتحكيك… نعم تحكيك بكل جنون بكل الألم والمتعة.. صدفة في هذه الحياة التقينا ولكن عن سبق نيّة لم ندركها إلاّ بعد حين وكم من صدفة رسمت حياة وحاكت قدرًا. صدفة فيها لمحتُ خلف الضحكات المخنوقة، تلك دمعة خفية تشبه ذاك الحزن العميق في روحي، تشبهني، لم أشعر حينها بأيّ شيء يجذبني إليك سوى ذاك الحزن المتخفي خلف أقنعة كثيرة، فضول في روحي دفعني لاكتشاف سره، فتعمدت الحديث معك عن سبب ومن دون سبب لأية حجة وبأيّة غاية.

كنتُ خلف تلك الأحاديث المستمرة أضمر في روحي يوماً عن يوم شيئًا غريبًا تجاهك، إنسانيًّا وروحانيًّا وصادقًا بكلّ ما فيه.. لم أكُ أعرف له تسمية ربما لأني لم يسبق لي وعشت هكذا حلمًا ومعك.. باتت الأحلام تصنعني، تكتبني بقصائد لم أعشها قبلك وكثير من مواقف لا تشبهني قبل مصادفتك، فأنا أنثى الحزن و الحلم، أنثى من ورق و معك باتت أنوثتي من اشتياق ولهفة لكن كسرها الواقع فعادت إلى حلمها بضعاً من شظايا. بات رنين صوتك جزءًا أساسيًّا من صباحي وركن لا يمكن الاستغناء عنه من نهاري وبحة صوتك تلك الدافئة ليلاً، باتت سريري ونجوى حلمي… حتى ابتدأت أشعر أنّ تلك الأحاديث ليست إلا بداية لحياة قادمة معك.

كانت علاقتي بالورق قبلك علاقة الكاتب بريشته وأدواته وبعدك بات الورق لا يعنيني فقد استعضت عنه بمسامك وندى وجنتيك. آه كم هو جميل لشاعر أن يكتب قصيدته في خلايا إنسان يسكنه، أن يخط خلاصة ما يحمل من مشاعر وإنسانية على جسد يحفظه صمًا دون حتى أن يراه، كم هي دافئة تلك الصور وكم هي موجعة في آن واحد. تكررت معي كلمة إنسانية أكثر من مرة، ربما لأنني أحتاج دوماً أن أعيشها تلك الصفة التي خصنا بها الله عن غيرنا من المخلوقات وباتت معدومة في أيامنا هذه أحتاج أن أعيشها بفطرتها بكلّ عفويتها وبمنتهى تحضّرها دون زيف عادة أو بريق قناع خادع ومعك أنت وحدك،حلمتُ أن أمارس إنسانيتي لآخر رمق حتى صرت بوجودك أكون وفي غيابك يكون كل شيء إلاّ أنا.

لم يسبق لي الجموح حدّ كوني نفسي، لم يسبق لي اللامبالاة بقانون مجتمع جاهل ولا بروتين عادات من صنع بشر إلاّ عندما أعطتني عينيك الإيجاب والقبول، فرحتُ حدّ الدمع وبكيتُ حدّ الضحك، شهقتُ شهقة المحب الأزلي حدّ الرغبة وتألمتُ ألم الصدق في زمن الكذب وبين حدٍّ وحدْ…. كنتُ أنا وأنت. كُنتَ تجربتي الأولى مع الجنون، الجموح، الدمع، الفرح و الجرح.
تجربتي الأولى مع ذاتي، وجهاً لوجه، فقبلك لم أك أنا.. ومعك عرفت نفسي، تذوقتُ ملح الحياة، حلمت وتمنيت، تعايشت مع حلمي بواقعك فكنتُ كمن يداوي الجرح بإخفاء الوجع. أنــــــــتَ… يا أنــــــــتَ…

يــــــا… أنا، صديقاً كنتَ، أباً، أخاً أو حتى عابر سبيل، كيف لي أن أحرم نفسي من هوى اسمه الحياة لم أعهده إلا معك. كيف لي أن أنتزع عن نفسي إنسانيتي.. عفويتي وكلّ شيء عشته بروح الرغبة، ولا أذرف الدمع لمفارقته!
هل يدرك عقل ذاك؟! أم يقوى عليه بشر؟! فكم خضت من مواجع و آهات وكم من الدموع ذرفت عندما أتى موعد السفر موعد هجرتي من ذاتي هرباً منك، هرباً من ضعفي أمامك إلى بلاد أجهل حتى نسيمها ندى زهورها، لكنه الهروب من مواجهة جروح قد يقتلني  

هورها، لكنه الهروب من مواجهة جروح قد يقتلني

نبشها. لم أكُ قبلك تلك المتشبثة بسقف يقيّد حواسي وجوارحي تحت مسمّيات وشعارات ولكن، عندما سكنني عشقك، أدركتُ معنى أن يكون للمرء وطنٌ من نبض لا من قيود و أن تكون هويته تلك النظرات التي ملؤها جنون عاشق فليس أجملُ لامرأة أن يكون وطنها دفء حنان من قلب رجل تعشقه كلّ خلاياها.. ليس هناك أغلى من ذاك إلاّ هو، فكنت كمن يدافع عن وجوده رافضة لأيّ محاولة لإبعادنا واكتسابي لقب «مريضة» على ضفاف بلاد ليست مني ولستَ فيها، أحسستُ أنّه الرحيلُ بلا عودة وكان.

back to top