اتكال ميركل على تركيا يزيد حياة اللاجئين سوءاً!

نشر في 05-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 05-02-2016 | 00:01
انقطع الخط فجأةً! قرّب نديم الشامي الهاتف من أذنه وصرخ: {مريم! هل تسمعينني؟}. ثم اتصل برقم المهرّبين ولم يُجِب أحد. كان نديم الشامي يجلس في مقهى في أنطاكيا، على الحدود التركية السورية وينتظر أي إشارة للتأكد من أن زوجته لا تزال على قيد الحياة. قبل أربع ساعات، انطلقت مريم الشامي من مخيم اللاجئين في شمال غرب سورية مع ابنَيها ياسين ومحمد وابنتها سميرة. جلب أحد المهربين العائلة إلى الحدود التركية حيث اختبأت مريم الشامي وأولادها بين الشجيرات حتى هبوط الليل. آخر كلمات سمعها نديم الشامي من زوجته على الهاتف كانت {سنبدأ بالخروج}!

كان نديم الشامي (28 عاماً) يعمل كميكانيكي في منطقة إدلب السورية. لكن في الصيف الماضي، هرب من أجواء العنف إلى تركيا على أمل بأن يجد عملاً وشقة في أنطاكيا قبل جلب زوجته وأولاده للانضمام إليه. لكنه لم يظن للحظة أن تركيا ستغلق حدودها مع سورية.

{شبيغل} تابعت التفاصيل.

طلبت أنجيلا ميركل المساعدة من تركيا لتخفيض عدد اللاجئين القادمين إلى أوروبا. لكن بدل إغلاق ساحل بحر إيجه أمام مهرّبي المهاجرين، أغلقت أنقرة حدودها مع سورية فزادت صعوبة المغادرة بالنسبة إلى الأشخاص الذين تهددهم الحرب.

يُعتبر هذا التطور جزءاً من تداعيات سياسات اللجوء التي اعتمدتها ميركل. طوال أشهر، واجهت المستشارة الألمانية ضغوطاً متزايدة لتخفيض عدد القادمين إلى ألمانيا بحثاً عن الأمان وبعض الرفاهية. في الفترة الأخيرة، زادت في برلين الأنباء التي تتوقع اضطرار ميركل إلى التنحي من منصبها قريباً. طالبت أعداد كبيرة من السياسيين المحافظين (داخل {الاتحاد الديمقراطي المسيحي} الذي تنتمي إليه ميركل، وفي الحزب البافاري الشقيق، {الاتحاد الاجتماعي المسيحي}) بإغلاق الحدود في وجه اللاجئين. لكن رفضت ميركل هذا الخيار على أمل بأن تتلقى مساعدة من شركائها الأوروبيين، لا سيما تركيا.

تريد المستشارة تحقيق هدف أساسي مع بداية شهر مارس: يجب أن يتراجع عدد اللاجئين القادمين من تركيا إلى اليونان بنسبة كبيرة. إذا حصل ذلك، ستكون ميركل مستعدة لتحديد عدد اللاجئين الذين يستطيعون المجيء من تركيا، حتى لو لم توافق جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تقديم المساعدة.

بدأت تركيا تبذل الجهود لمحاربة أزمة اللاجئين، لكن بطريقة مختلفة عما كانت ميركل تتمناه. بدل زيادة الدوريات على الساحل، حيث يقفز لاجئون كثيرون في المراكب المتّجهة إلى الجزر اليونانية المجاورة، قررت أنقرة إغلاق حدودها مع سورية.

فشل مزدوج

نتيجةً لذلك، حُرِم هؤلاء السوريون الذين يريدون البقاء على قيد الحياة بكل بساطة من الحماية التي يحتاجون إليها. يمكن أن يتابع مهاجرون آخرون دخول تركيا والسفر إلى أوروبا، منهم من غادروا بلدانهم الأم أو دول العالم الثالث لأسباب اقتصادية. لذا أصبحت استراتيجية ميركل التي تتكل على تعاون تركيا مهددة بفشل مزدوج: قد تصعّب على السوريين الهرب من قصف نظام الأسد من دون أن تنجح في وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

يقع مقر وكالة {فرونتكس} المعنية بمراقبة حدود دول الاتحاد الأوروبي في الطابق الحادي عشر من مبنى {وارسو سباير} في قلب العاصمة البولندية. على شاشات الحواسيب في {غرفة العمليات}، تحول مصير اللاجئين في بحر إيجه إلى مجموعة من النقاط الخضراء. يمكن أن يراقب المسؤولون عن الحدود مسارات المراكب الفردية ويتحققوا من الوضع على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.

يظن رئيس {فرونتكس} فابريس ليغيري أن مأساة اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي ستستمر: {رغم سوء الأحوال الجوية، يصل بين ألفَي وثلاثة آلاف شخص إلى اليونان يومياً}. يظن ليغيري أن أنقرة يجب أن تكثف جهودها: {يجب أن تصعّب تركيا الوضع على مهرّبي المهاجرين}.

لكن هل يمكن تحقيق ذلك؟ منذ انعقاد قمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في نهاية شهر نوفمبر، أرسل رجب طيب أردوغان عدداً إضافياً من العناصر الأمنية إلى ساحل بحر إيجه وكثّف المداهمات ضد مهرّبي المهاجرين. في عام 2015، اعتقلت الشرطة التركية 341 مهرباً، أي أكثر من المعتقلين في عام 2014 بأربع مرات. لكن يمتد ساحل بحر إيجه في تركيا على 2800 كلم تقريباً، ما يجعل إغلاق الحدود أمام المهربين مستحيلاً.

يقول ابراهيم حمزة: {من يهتم بتدابير المراقبة أصلاً؟}. ضحك الرجال في ردهة فندق {بالاست} في إزمير. فاحت في المكان رائحة عرق ودخان سجائر. مسح حمزة بيده على شاشة هاتفه الخلوي واكتشف أن الطقس في تركيا ليلاً سيكون صافياً وبلا رياح. يقول حمزة: {خلال بضع ساعات، سنبدأ الجولة المقبلة}.

حمزة عامل حِرَفي عمره 30 سنة من منطقة درعا السورية وبدأ يهرّب اللاجئين الآن من إزمير الواقعة على ساحل بحر إيجه في تركيا. تُعتبر هذه المدينة المرفئية معقلاً للمهاجرين من أنحاء العالم. كان حمزة قد حارب سابقاً مع {الجيش السوري الحر} ضد الأسد. لكن منذ سنتين، غادر سورية واتجه نحو تركيا بعد قتل شقيقيه في المعركة.

يقول حمزة إن الحكومة التركية لم تؤثر كثيراً على عمله. تملك حلقة التهريب التي يعمل فيها معارف داخل الشرطة والوكالات الحكومية. في كل جولة، يدفع حمزة 3 آلاف يورو للشرطة كي تسمح بمرور جماعته من دون تفتيش، كذلك يتجنب بكل بساطة المراكز العسكرية على الساحل. منذ شهر يناير، فضّل المهربون مسارات جديدة وبعيدة باتجاه البحر. حين يصل اللاجئون إلى الساحل، يكون الأوان قد فات: يسهل أن تمتلئ المراكب خلال بضع دقائق. يقول حمزة: {سنجد دوماً طريقة لتهريب اللاجئين إلى أوروبا}.

نزعة مزعجة

لكن لا تقع مشكلة ميركل الوحيدة على الساحل الطويل الذي تصعب مراقبته. في الأشهر الأخيرة، جاء عدد متزايد من الناس من شمال إفريقيا إلى ألمانيا عبر تركيا. وصل نحو مئة مغربي إلى اليونان في شهر سبتمبر الماضي مثلاً، لكن ارتفع هذا العدد إلى 2800 في شهر ديسمبر. يمكن رصد النزعة نفسها مع الجزائريين. لا يحتاج المواطنون في دول المغرب العربي إلى تأشيرة للسفر إلى تركيا، فيسافرون بكل بساطة إلى اسطنبول. كانت الخطوط الجوية التركية المملوكة من الدولة من أبرز الجهات التي استفادت من هذه النزعة.

يشكل اللاجئون القادمون من أفغانستان اليوم 20 % من الوافدين إلى اليونان، لكنهم يطرحون مشكلة مختلفة بالكامل. فهم يصلون إلى تركيا براً، تحديداً من إيران: هرب منها نحو مليونَي أفغاني. رسمياً، يحتاج هؤلاء الناس إلى تأشيرة لدخول تركيا، لكن لا تخضع المنطقة الحدودية الجبلية لمراقبة مشددة، كما أنها جزء من المناطق الكردية حيث يخوض الجيش التركي معركة ضد {حزب العمال الكردستاني}.

يشعر المسؤولون في برلين وبروكسل بالقلق من العملية العسكرية التركية في جنوب شرق البلاد كونها تستنزف طاقة الجيش والموارد المالية التي يمكن استعمالها لمحاربة تهريب المهاجرين على الساحل الغربي. لا شيء يشير إلى انتهاء القتال مع الثوار الأكراد قريباً. أوضح رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو خلال زيارته الأخيرة إلى برلين أن أردوغان لا يهتم بتهدئة الوضع، بل أعلن أردوغان أنه ينوي القضاء على الانفصاليين.

تضع هذه التطورات ميركل في موقف محرج كونها تتكل على رجل يقود حرباً وحشية ضد الأكراد ويقضي على حريات الصحافة. خلال المحادثات، طلبت ميركل من تركيا أن تنفذ أخيراً التزامها بتقليص عدد اللاجئين. تقول إن الوقت عامل حاسم لأنها لاحظت طبعاً تنامي المعارضة لسياساتها. بدا وكأنها تتوسل إليهم كي يتحركوا. ردّ داود أوغلو بنبرة لطيفة وقال إنه يقرأ الصحف الألمانية كل يوم ويدرك الوضع السياسي المحلي في ألمانيا. لكنه لم يقدم أي تنازلات.

اكتشفت أنقرة أن مشكلة المهاجرين تشكّل ورقة ضغط فاعلة في الاتفاقات مع ميركل والاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى المساعدات المالية، يريد أردوغان أن يجبر الأوروبيين على تقديم التنازلات في ما يخص مفاوضات انتساب بلده إلى الاتحاد الأوروبي.

لا معجزات في الأفق

حتى لو حصلت هذه التنازلات أصلاً، لا تهتم تركيا بإبقاء اللاجئين فيها على المدى الطويل. يقول دبلوماسي ألماني: {يجب ألا نتوقع أي معجزات من أنقرة}.

في الوقت نفسه، لا يمكن أن نقول إن تركيا لم تتحرك. منذ بداية السنة، حصل اللاجئون السوريون على حق العمل بشكل قانوني في تركيا. وفرضت أنقرة في 8 يناير أن يحمل السوريون القادمون من دول أخرى مثل الأردن أو لبنان تأشيرة لدخول تركيا. بين يوم وآخر، أبلغت السفارة الألمانية في بيروت برلين بأن عدد الرحلات من بيروت إلى اسطنبول تراجع من 25 إلى أقل من 10. وبعد أن سافر 41 ألف سوري إلى تركيا بعد أول أسبوع على فرض إجراءات التأشيرة، تراجع العدد إلى ألف شخص في الأسبوع الثاني.

تحدث مفوض توسيع الاتحاد الأوروبي، يوهانس هان، الذي زار تركيا حديثاً عن حصول خطوات إيجابية فقال: {أوضحنا أن الاتحاد الأوروبي يتوقع تدابير سريعة وجدية من تركيا على مستوى تخفيض أعداد اللاجئين: لا بد من تشديد تدابير المراقبة على المداخل والمخارج واتخاذ خطوات إضافية على مستوى التأشيرة، وأخيراً وليس آخراً يجب محاربة المهرّبين}.

لكن تعطي متطلبات التأشيرة عواقب سلبية أيضاً لأن عدداً صغيراً من السوريين يتلقى التأشيرة بينما يُجبَر معظم اللاجئين الآن على دخول تركيا براً مع أن هذه العملية تزداد صعوبة. مع مرور كل يوم، توسع تركيا حاجزها الحدودي مع سورية. أعلنت أنقرة أن الحدود ستبقى مفتوحة أمام اللاجئين السوريين، لكن عملياً أُغلِقت المعابر الحدودية الرسمية. لذا يستعمل اللاجئون مسارات بديلة تمر بالغابات.

يقول نديم الشامي إن الجنود الأتراك أوقفوا زوجته مرتين خلال محاولات عبور الحدود وأعيد إرسالها إلى سورية. يتحدث لاجئون كثيرون عن عيش تجارب مماثلة فيدّعون مثلاً أن قوى الأمن التركية احتجزتهم ورحّلتهم إلى سورية. ويقول البعض إنهم عانوا من سوء المعاملة أيضاً.

محاولات متكررة

يقول طالب هندسة من دير الزور في شرق سورية إنه احتُجز ليومين في ثكنات عسكرية بالقرب من الحدود التركية في مدينة ريحانلي وادعى أنه لم يحصل على شيء ليأكله أو يشربه خلال تلك الفترة. بل ضربه الجنود الأتراك وسرقوه ووضعوه أخيراً في حافلة مع لاجئين آخرين لعبور الحدود نحو سورية.

يمنع القانون الدولي ترحيل الناس إلى دول فيها حرب أهلية إذا كانت حياتهم مهددة هناك. في شهر ديسمبر، وثّقت {منظمة العفو الدولية} 130 قضية عن ترحيل اللاجئين بطريقة غير قانونية من تركيا إلى سورية والعراق. وفق معطيات المنظمة، احتُجِز الضحايا في سجون تركية لأسابيع عدة إلى أن وافقوا على مغادرة البلد. لكن أنكرت تركيا هذه الاتهامات.

في أحد مقاهي أنطاكيا، جلس نديم الشامي ووضع يديه على وجهه. فهو لم ينم منذ أيام وبدأ يشكك بقراراته: لماذا غادر إلى تركيا؟ لماذا ترك عائلته وحدها؟ في وقت متأخر من تلك الليلة، تلقى اتصالاً من زوجته مريم وأبلغته بأنها اضطرت مع الأولاد للعودة إلى الحدود التركية بسبب هبوب عاصفة. لكنهم يخططون طبعاً لتكرار المحاولة في اليوم التالي.

back to top