«الأقصر» الأوروبي والإفريقي!

نشر في 05-02-2016
آخر تحديث 05-02-2016 | 00:01
 مجدي الطيب سئلت في تحقيق صحافي: {هل  ثمة ضرورة في تنظيم مهرجانين للسينما في الأقصر بوقت متقارب بينما تعاني بقية محافظات مصر، باستثناء القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية، من اختفاء المهرجانات السينمائية والتظاهرات الثقافية؟}

كنت أعرف أن {السؤال ملغوم} لكني نجحت في الحيلولة دون تفجيره عندما قلت لصاحبه: {لن تجرني إلى منطقة أبدو فيها وكأنني أطالب بمصادرة نشاط ثقافي أو إغلاق نافذة سينمائية مهما كانت تحفظات البعض حيالها، ولا أظن أن مهرجاناً سينمائياً في مصر واجه موجات من الغضب والاستنكار و}الهجوم الموسمي} مثلما حدث مع مهرجان الإسكندرية السينمائي، ومع هذا لم نجرؤ على المطالبة بإلغائه، بل كنا مع المنادين باستمراره وضرورة وضع حد لسلبياته وسوءاته!

استهدف التحقيق الصحافي مهرجانين يُقامان بالفعل في مدينة الأقصر (670 كيلو متراً جنوب العاصمة المصرية) هما: {الأقصر للسينما العربية والأوروبية}، الذي تنظمه مؤسسة نون للثقافة والفنون، وتنطلق دورته الرابعة في الفترة من 30 يناير إلى 5 فبراير 2016، و}الأقصر للسينما الإفريقية}، الذي تنظمه مؤسسة شباب الفنانين المستقلين (مؤسسة أهلية غير ربحية)،  وتبدأ أعمال دورته الخامسة في الفترة من 17 إلى 23 مارس المقبل، أي أن المدينة التي تُلقب بـ {مدينة الشمس ذات المئة باب}، وتُعرف بأنها {مخزن الحضارة المصرية القديمة}، حيث يوجد فيها أكثر من ثلث آثار العالم (أكثر من 800 منطقة ومزار أثري تضم أروع ما ورثته مصر من تراث إنساني)، تستضيف مهرجانين سينمائيين في فترة لا تتجاوز الشهرين تقريباً، بينما تفتقر بقية محافظات مصر، باستثناء الثلاث السابق التنويه إليها، إلى مهرجان سنوي واحد، سواء كان سينمائياً متخصصاً أو ثقافياً متنوعاً! قلت في التحقيق إن إصرار الأقصر شعباً وجهازاً تنفيذياً حكومياً على استضافة المهرجانين أمر يستحق الشكر والإشادة، بدلاً من التحفظ وإلقاء اللائمة على الأهالي والمحافظة، فالأمر المؤكد أن المحافظة لم تقصر في أداء واجبها، وتحملت قسطاً من المسؤوليات الملقاة على كاهلها، على رأسها توفير الإمكانات {اللوجيستية} اللازمة لإقامة دورات المهرجانين، بينما أبدى الأهالي ترحيباً كبيراً، وحفاوة منقطعة النظير، بضيوف المهرجانين، رغم الظروف الاقتصادية السيئة التي تعيشها الأقصر، بعد ضرب السياحة التي تُعد مصدر الدخل الأول لها ولمواطنيها، ولهذا أحسنت إدارة المهرجانين صنعاً عندما استعانت بشباب المحافظة في تسيير الفاعليات، واستثمرت إنتاج جمعيات الحرف اليدوية في إضفاء طابع محلي على المهرجانين أمام الضيوف الأجانب. بالطبع تفاوت الدعم {اللوجيستي} للمهرجانين حسب مرونة واستراتيجية محافظي الأقصر الثلاثة: اللواء طارق سعد الدين والسفير الدكتور عزت سعد والحالي محمد سيد بدر، وفهم كل واحد منهم لدور السينما ورسالة المهرجان، وهو ما ترجمته كلماتهم في حفلات افتتاح الدورات المتعاقبة للمهرجان، وتأكيدهم جميعاً على أهمية السينما في حياة الشعوب، والتأثير الإيجابي للمهرجانات في مد الجسور بين الثقافات والشعوب، لكن يكفيهم أنهم لم يغلقوا الأبواب في وجه المهرجانين، مثلما فعل محافظون كثُر أبدوا ترحيبهم بإقامة مهرجانات في محافظاتهم شرط عدم تقديم أي نوع من أنواع الدعم، سواء المادي أو {اللوجيستي}، وكأن بعضهم يلهث وراء الأضواء والشهرة، ويسعى إلى الاستفادة من تنظيم المهرجان على أرض المحافظة، من دون أن يتكلف، أو يُكلف محافظته، أي شيء، والحجة الباهتة أن {الظروف الاقتصادية الراهنة لا تسمح}، بينما اختار البعض الآخر المزايدة بالشعارات،  والمتاجرة بالمواقف، عبر القول إن {من غير المنطقي إنفاق أموال الدولة على المهرجانات في وقت يحتاج المواطن البسيط إلى كل مليم منها}، وهي كلمة حق يُراد بها باطل، مثلما تكشف عن جهل صارخ بدور ورسالة السينما، وأهمية المهرجانات في التنمية السياحية والاقتصادية والاجتماعية،  والبحث عن أفضل السبل لاستغلال السينما والمهرجانات في إثراء الحركة الثقافية، وتفعيلها بالشكل الذي يجعل منها حائط صد في مواجهة الجهل والإرهاب والتطرف، وفرصة للقضاء على المركزية، وتضييق الفجوة بين الأهالي والقيادات، بدليل ما حدث في الأقصر من إقبال المواطنين على قاعة المؤتمرات لمشاهدة الأفلام، بعدما كانوا يظنونها حكراً على اجتماعات كبار المسؤولين، وكانت بالنسبة إليهم مقراً كهنوتياً محظور الاقتراب منه!

استقبال المدينة الجنوبية لمهرجانين سينمائيين نقطة إيجابية تُحسب لها، وبدلاً من التساؤل بدهشة لا تخلو من استنكار عما يظنه البعض تضارباً وازدواجية وربما احتكاراً، ينبغي على الدولة، ورجال الأعمال، تشجيع المنظمات الأهلية غير الربحية على تنظيم مهرجانات في ربوع مصر، بحيث تمتد أذرعتها في كل المحافظات، وتمارس الدور التنويري الذي عجزت قصور الثقافة عن القيام به، بعد ما أغلقت أبوابها في وجه السينما، والثقافة السينمائية، وتركت رجل الشارع البسيط ضحية للجهل، وفريسة بأيدي رجال أعمال سيطر عليهم الجشع!

back to top