في ثقافة الوصل الاجتماعي

نشر في 03-02-2016
آخر تحديث 03-02-2016 | 00:01
 طالب الرفاعي في أي مجتمع من المجتمعات عادات تتربى مع أهله، وتأخذ حيزها من الحضور والتأثير، وبما يشكّل وجهاً مميزاً لذاك المجتمع، وربما كانت "الديوانية" ولقاء العائلة الأسبوعي "الجَمْعَة" هما من أكثر العادات الكويتية الرائعة، التي كانت ولا تزال لها الحضور الأهم على مائدة الحدث العائلي والاجتماعي.

الديوانية تاريخياً في الكويت كانت مكاناً للقاء رجال يجمعهم وصل أخوة الصداقة، يتبادلون خلال لقائهم أخبارهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومنه ينفذون إلى مختلف شؤون الحياة مثل التجارة والسفر، ومناقشة المستجد من الأمور، خاصة أن المجتمع الكويتي صغير ومترابط. ولقد نشأت تاريخياً في الكويت "ديوانيات" معروفة كان لها أثر كبير على مسار حركة المجتمع، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، ويكفي في هذا السياق الإشارة إلى أن شرارة التعليم النظامي في الكويت، انطلقت من ديوان الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وكان إنشاء وافتتاح المدرسة "المباركية" عام 1912. ومن هنا يمكن النظر إلى مكانة الديوانية وأهمية حضورها ومشاركتها الفاعلة في مختلف الأحداث على مستوى الدولة بأسرها.

الديوانية وبالرغم من تغيّر نمط الحياة في الكويت، وما شملها من حداثة كبيرة، فإنها مازالت حاضرة وبقوة في المشهد الاجتماعي الكويتي. بين ديوانية الأسر المعروفة، مروراً بدواوين الأصدقاء، والدواوين المختصة في الثقافة والفنون والاقتصاد وغيرها، هناك حضور كبير للديوانية بين الشباب وعلى اختلاف طباعهم وميولهم.

إلى جانب الديوانية كشأن رجالي، هناك اجتماع الأسرة الأسبوعي، أو ما يُعرف في الكويت بـ"الجَمْعة"، حيث لقاء جميع أفراد الأسرة لدى بيت الكبير سناً فيهم، بحضور الوالدين والأبناء وزوجاتهم وجميع العيال، الذي قد يمتد بين نهار بأكمله لدى بعضهم، ويُختصر لساعات واجتماع حول وجبة الأهل والأحباب، وبما يشكل فرصة ثمينة وحميمة للوصل العائلي العفوي، في زمن عيش وانتماء الإنساني لعالمه الافتراضي أكثر من انشغاله بعلاقاته الأسرية.

"جَمْعة" الأسر الكويتية بشكل أسبوعي تمثل ظاهرة اجتماعية مهمة في ثقافة الوصل الاجتماعي يجب تأكيدها والحرص عليها، خاصة مع ما بات يُعرف بأمراض العالم الافتراضي. فلقد بات الغرب يعاني غربة الفرد وضياعه في ابتعاده عن محيط أسرته وأصدقائه، وابتعاده بانتمائه لعالم افتراضي يلبي الكثير من رغباته، لكنه أعجز بكثير من أن يكون محسوساً، يقدم عزاءً لمن ينشد الدفء الإنساني الحقيقي. حتى أن تخصصاً طبياً علاجياً صار معروفاً في عيادات العلاج النفسي في الغرب يقوم على معالجة أمراض المدمنين على شبكات التواصل الاجتماعي، وتعلقهم بعوالمها الافتراضية، وعجزهم عن التواصل مع من يحيط بهم.

إننا في الكويت نعيش مجتمع "بحبوحة"، مجتمع استهلاكي متسارع، وهو مجتمع منفتح على آخر نتاجات

العالم التقنية، وبما يوفر للصغير قبل الكبير أجهزة الاتصال الذكية، بدءاً بالتلفون النقال مروراً بالكمبيوتر اللوحي "آي باد"، وانتهاء بالكمبيوتر سواء كان ثابتاً أم محمولاً. ولقد صار استخدام هذه الأجهزة في السنوات الأخيرة يشكل خطراً على الطفولة والأجيال الناشئة في الأسرة الكويتية، كون وصلهم بالعوالم الافتراضية واهتمامهم بها أخذ يفوق اتصالهم بمن حولهم. ولقد انعكس ذلك واضحاً على أجواء الديوانية والجَمْعة وبشكل يسيء لهما.

إن ثقافة التواصل العائلي في الأسرة والمجتمع الكويتي، كما في أي مكان آخر، تخضع لمعطيات اللحظة الإنسانية الراهنة، التي أفسحت فرصاً مغرية لوصل اجتماعي ما كان يمكن تخيّله قبل عقد من الزمن، لذا وجب التنبيه على ضرورة ألا تسرق هذه الأجهزة بتطبيقاتها الذكية جزءاً من دفء وحلاوة التواصل الأسري والاجتماعي، وليس أنجع من تقنين استخدام الأجهزة الذكية للكبير قبل الصغير، وربما إبعادها خصوصاً في أوقات حضور الديوانية أو الجمعات الأسرية.

back to top