زيارة إلى منزل أسلاف {دونالد ترامب}

نشر في 26-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 26-01-2016 | 00:01
كانت الولايات المتحدة لتبدو مكاناً مختلفاً اليوم لولا بلدة كالستادت الواقعة في ولاية راينلاند بالاتينات الألمانية. يقع هذا المكان الهادئ في غرب مانهايم، وسط تلال تغطيها الكروم. ترتفع كنيسة في الوسط ويحيط بها بعض الحانات والمباني الحمراء. يغلق المخبز المحلي أبوابه باكراً في فترة بعد الظهر.
البلدة المعروفة في ألمانيا بطبق اللحوم المحشوة المميز، كانت أيضاً البلدة الأم لجدّ دونالد ترامب قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة. تنقسم آراء السكان المحليين حول سياسة هذا الرجل وترشّحه للرئاسة.
كيفين هاغين وماريا فيك من «شبيغل» زارا البلدة وجاءا بالتالي:
تشمل بلدة كالستادت نحو 1200 نسمة. يحب السكان الاحتفال وهم فخورون بطبق اللحوم المحشوة المحلي الذي تُعرَف به المنطقة. إنه الطبق المفضل لدى المستشار الألماني السابق هلموت كول ويقال إنه كان يحضر إلى هذا المكان في مناسبات عدة لشرائه. لكن هل يفتخر السكان المحليون بعائلة أجداد ترامب، أشهر عائلة في بلدتهم؟

يقول بيرند وايزنبورن وعلى وجهه ابتسامة عريضة: {والدي ثالث نسيب لدونالد ترامب}. يبلغ 54 عاماً وكان يقف في باحة مطعمه.

هبّت رياح يناير الثلجية في أنحاء شوارع البلدة الضيقة، لكن كان وايزنبورن يرتدي قميصاً بأكمام قصيرة. كان شعره أشقر ويداه قويتين وتتدلى نظاراته من عنقه.

يقول تاجر النبيذ وايزنبورن إنه لا يعرف الكثير عن أسلافه، فقد كان والده يتحدث من وقت إلى آخر عن أجداد عائلة ترامب، لكن لم يتكرر الموضوع كثيراً.

يعترف وايزنبورن بأنه لا يهتم بدرجة قرابته مع ترامب، قطب العقارات الملياردير الذي يتنافس راهناً على الرئاسة الأميركية بخطابه المتشدد. مع ذلك، يؤكد على أنّ تقاسم الجذور نفسها مع شخص مشهور هو أمر مميز. لكن هل يحب مقابلة ترامب؟ أجاب بأنه يود مقابلته إذا سنحت الفرصة ولا يمانع استقباله كزائر في كالستادت. لكن حين سُئل وايزنبورن عن حملة ترامب الراهنة، تراجعت حماسته في الكلام بكل وضوح.

يُعتبر ترامب الذي راهناً المشاعر المعادية للأجانب في الولايات المتحدة نتاج حركة الهجرة التي تعود تاريخياً إلى عام 1885. يدعي الناس في هذه البلدة أن جد دونالد ترامب، فريدريش، وضّب حقائبه في تلك السنة ورحل فجأةً إلى الولايات المتحدة. كان فريدريش يبلغ حينها 16 عاماً. عند وصوله، عمل في البداية كحلاق في نيويورك ثم أدار فندقاً على الساحل الغربي قبل أن يفتح حانة خاصة بمنقّبي الذهب في يوكون. اشترى فريدريش عقاراً في مانهاتن بالمال الذي كسبه. كانت المواقع التي تقع فيها اليوم أبراج ترامب المبهرجة مجرد مساحات رملية حينها.

لكن عاد فريدريش ترامب بعد ذلك إلى ألمانيا حيث تزوج من إليزابيث التي كانت تعيش في البيت المجاور لمنزله.

أرادت إليزابيث أن تبقى في كالستادت لكن مُنع فريدريش من ذلك. فقد أعلنت مملكة بافاريا التي كانت تسيطر حينها على منطقة بالاتينات عن سحب الجنسية من فريدريش بعد أن قرر الهجرة.

لذا أبحر الثنائي الشاب نحو الولايات المتحدة حيث مات ترامب بعد بضع سنوات، فقررت إليزابيث ترك إرث لأولادها عبر تأسيس {شركة ترامب وأولاده} التي تحولت لاحقاً إلى إمبراطورية عقارية.

أشارت رومي فيورباخ إلى منزل متواضع كان أسلاف ترامب يعيشون فيه. ثمة لافتة زرقاء داكنة على بوابة الدخول كُتب عليها: {الله يرى كل شيء، لكنّ جاري يرى أكثر منه}.

فيورباخ مسؤولة بارزة في البلدة. تصبح نظاراتها التي تحمل إطاراً بنفسجياً داكنة في الشمس. تبتسم حين تتحدث عن كالستادت ومتاجر الزهور ومختلف المنظمات في البلدة. توضح فيورباخ: {في هذه البلدة، يعتني الناس ببعضهم البعض}. لكن عند التطرق لموضوع دونالد ترامب، التزمت الصمت وقالت إنها لا تريد التكلم في السياسة: {لا يعني ذلك أننا لا نهتم بارتباط اسم البلدة بشخصية مشهورة، لكننا لا نريد إثارة ضجة عن الموضوع}.

إلا في المقابر

في كالستادت اليوم، لا يمكن إيجاد شهرة ترامب إلا في المقابر. لا تشير أي لوحات إلى هذه العائلة ولا يُسمى أي شارع تيمناً بها. لكن منذ فترة غير بعيدة، بدأت البلدة تعيد استكشاف ماضيها.

صنعت المخرجة الشابة سيمون ويندل (نسيبة بعيدة لعائلة ترامب أيضاً) فيلماً وثائقياً عن بلدتها الأم في عام 2014 بعنوان Kings of Kallstadt ({ملوك كالستادت})، وهو يستكشف أشهر أبناء البلدة. بالإضافة إلى أفراد عائلة ترامب، تتحدر عائلة الملياردير هاينز كاتشب أيضاً من هذه البلدة.

خلال تحضير الفيلم، سافرت ويندل إلى نيويورك لمقابلة ترامب. يبدو أن الملياردير لم يكن يعرف الكثير عن ماضي عائلته واعترف بأنه لم يزر البلدة يوماً. بعد الحرب، قال إن عائلته ادّعت لفترة طويلة أنها جاءت من السويد. لكن أعلن ترامب في فيلم ويندل: {أحب كالستادت!}.

يرتبط عدد كبير من سكان كالستادت بِصلة قرابة مع عائلة ترامب. ويخشى البعض أن تتحوّل تلك الروابط إلى عبء ثقيل إذا جذبت التعليقات الفظة التي يطلقها السياسي الجمهوري انتباهاً غير مرغوب فيه، تحديداً من البلدات المنافِسة. من المألوف في هذه المنطقة أن تسخر البلدات من بعضها، إذ تتّهم المناطق المجاورة سكان كالستادت بالعجرفة. امتعض السكان لأن ترامب رسّخ تلك الصورة عنهم.

تقول بائعة في ملحمة محلية: {هو سخيف جداً}. وتقول امرأة أخرى كانت تنزّه كلبها: {لا تعكس هذه الصورة حقيقتنا}. أما وايزنبورن، فيعتبر أن حملة ترامب الانتخابية {لا تدعو إلى الفخر دوماً}.

لكن ينظر رجل واحد في البلدة إلى الوضع من زاوية مختلفة: إنه أدولف سوير (75 عاماً)، صاحب الشارب والشعر الأبيض. يعيش على مسافة قريبة من البلدة مع زوجته. يعلّق أوانٍ بيوترية على جدران منزله ويضع خزانة ثقيلة من خشب السنديان في الزاوية. أوضح سوير أن عدداً من أفراد عائلته هاجر أيضاً. صحيح أنهم لا يرتبطون بالمرشح الرئاسي، لكن اعترف سوير بأنه يحب قصة ترامب. ثم حمل كتاباً قدّمه له صديق أميركي بعنوان Crippled America ({أميركا المشلولة}) بقلم ترامب.

لا يخطط سوير لقراءته لأنه لا يجيد الإنكليزية. لكنه يحب فكرة أن يعيش شخص جذوره من كالستادت حياة مترفة في الولايات المتحدة، رغم جميع تجاوزات ترامب المتهورة.

في النهاية، يقول سوير إن الناس في كالستادت يجمعون أعمالهم بالتزام شديد. بحسب رأيه، لا عجب في أن يكسب البعض الشهرة نتيجةً لذلك. ثم ختم كلامه قائلاً: {أتمنى أن يصبح دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة}.

back to top