أمين الهنيدي «الفهلاو» - الحلقة الأخيرة نبوءة الموت

نشر في 21-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 21-01-2016 | 00:01
رغم نجوميته في المسرح... السينما ترددت في إسناد البطولة إلى أمين الهنيدي
في الحلقة الأخيرة من سيرة الفنان أمين الهنيدي، نسرد تفاصيل زواجه الأول وأسباب تكرار رفضه فكرة الارتباط، لاسيما أنه قبل أن يمر عام على زواجه كان قد أنجب ابنه الأول الذي أطلق عليه اسم صالح، وخلال ثلاث سنوات كان قد أنجب ولدين آخرين، أطلق على ابنه الثاني عبد الحميد على اسم والده، والثالث أطلق عليه اسم محمود.

بعد الزواج والإنجاب، شعر أمين بأن الدنيا ابتسمت وفتحت له ذراعيها، فأقبل عليها، وقرر أن ينشئ فرقة مسرحية باسمه، "فرقة أمين الهنيدي المسرحية"، وعلى مدار سبع سنوات قدم إحدى وعشرين مسرحية، بمعدل ثلاث مسرحيات كل عام، استعان فيها بكل أصدقائه المقربين من ممثلين وكتاب ومخرجين، ومن لهم الفضل عليه، حيث بدأ بمسرحية "عبود عبده عبود" التي كتبها عصام الجمبلاطي، وأسند إخراجها لأستاذه وأول من منحه الفرصة الفنان السيد بدير.

كما نستعرض المحطات المضيئة في مشواره، لاسيما أنه واصل عطاءه الفني مسرحياً وسينمائياً وتلفزيونياً وإذاعياً بالطاقة ذاتها والقدرة الفنية الكبيرة، وكعادته يقدم الكوميديا التي تفجر الضحكات ويزداد نجومية ويزداد بريقاً وتزداد خبرته ومكانته الفنية كواحد من ملوك الضحك ونجوم الكوميديا.

وفي ما يلي تفاصيل الحلقة الأخيرة من سيرة الفنان أمين الهنيدي:

النجاح الكبير الذي حققه أمين الهنيدي في السينما والمسرح والتلفزيون، جعله حديث الصحافة والمجلات، مما شجع والدته على مفاتحته مجدداً في أمر زواجه، خصوصاً أنه أصبح على مشارف الأربعين من عمره، غير أنه عاد لرفضه القديم، وإصراره على عدم الزواج، لئلا يكون سبباً في تعاسة آخرين في الحياة، لا ذنب لهم سوى أنهم ارتبطوا به، فرغم هذا النجاح والتألق، لكن هاجس الخوف من المرض والموت، لايزال يسيطر عليه بشكل كبير، وزاد من إحساسه به دور "الحانوتي" في مسرحية "أصل وصورة"، فطلب من والدته عدم مفاتحته في أمر زواجه مجدداً.

لم يكن لدى أمين الهنيدي ما يشغله عن فنه، فتفرغ له بشكل كامل، خصوصاً بعد أن عرف للمرة الأولى الشهرة العريضة و"الفلوس" والحفاوة من الصحافة والنقاد والجمهور، والأهم أنه أصبح نصب أعين القائمين على صناعة السينما، والمسرح والتلفزيون.

قبل أن يغيب عن ذهن المشاهد دور "الشيخ حسن"، أراد المخرج عاطف سالم أن يعيد استغلال الشخصية، بشكل مختلف، فاختار أمين ليقدم دور "الشيخ حواش" الدجال الذي يعيش في واحة "باريس" بمنطقة الواحات، الذي يحرص على نشر الدجل والجهل في الواحة، ليظل أهلها في حاجة دائمة إليه، من خلال فيلم "زوجة من باريس" أمام رشدي أباظة وصلاح ذو الفقار، والوجه الجديد نبيلة عبيد، إضافة إلى زميله في برنامج "ساعة لقلبك" الفنان فؤاد المهندس.

ورغم صغر الدور، وعدم إتاحة الفرصة له، لكنه وافق على فيلم "زوجة من باريس"، لحرصه على الانتشار والحضور، غير أن النظرة له من خلال المسرح كانت مختلفة إلى حد بعيد، ففي الوقت الذي كانت السينما لاتزال تتعامل معه بحذر، وتسند له أدواراً ثانوية، أو ثانية، كان المسرح يفكر في أمين بشكل مختلف، فبعد رهان الفنان عبدالمنعم مدبولي على قدراته كممثل في مسرحية "أصل وصورة" ونجاحه بشكل كبير فيها، عاد ليراهن عليه بشكل أكبر من خلال منحه فرصة أكبر ليتقاسم معه البطولة من خلال مسرحية "لوكاندة الفردوس" التي كتبها أيضاً سمير خفاجي، ومحمد دوارة، وأخرجها مدبولي، ليستحضر مجدداً شخصية "فهلاو" ويقدم من خلالها شخصية "عبد المتجلي" الفلاح الفهلوي، أبوالبنات، الذي يستخدم ذكاءه ضد أهل المدينة، لحماية نفسه وبناته من ألاعيبهم، ويبتكر بالمشاركة مع عبدالمنعم مدبولي "لازمة" للشخصية عبر مط الكلمات وعدم نطقها بسرعة، ما يثير ضحكات الجمهور بشكل كبير جداً، ليحقق نجاحاً إضافياً.

حذر وترقب

مع هذا التميز في المسرح، إلا أن السينما كانت لاتزال تخشى الاعتماد على أمين الهنيدي في أدوار البطولة، ربما لطبيعة تكوينه وملامحه التي قد لا تصلح لتقديم الأدوار الرومانسية التي تعتمد على الوسامة، أو حتى أدوار الأكشن، التي تتطلب مواصفات خصوصاً في البطل، فظل اعتمادها عليه في الأدوار الثانية، فقدم عام 1965 فيلمي "6 بنات وعريس" تأليف وإخراج السيد زيادة" أمام المطرب محمد رشدي، وآمال فريد ومحمد عوض، و"جدعان حارتنا" أمام أحمد رمزي وآمال فريد، ومحمد رشدي، ومحمد عوض، تأليف وإخراج عبدالرحمن شريف، في حين كان المسرح أكثر جرأة، فقدم له عبدالمنعم مدبولي الفرصة الثالثة من خلال مسرحية "حلمك يا شيخ علام" التي كتبها الكاتب الصحافي أنيس منصور، غير أن الرقابة بعد مشاهدة العرض تعترض على كلمة "شيخ" فيقوم مدبولي باستبدالها ليصبح اسم المسرحية "حلمك يا سي علام" ويقوم بالبطولة المطلقة فيها أمام الفنانة عقيلة راتب، وسلامة إلياس، ويجسد فيها الشخصية الرئيسية "الشيخ علام" ويتمكن من تقديمه بأداء مُبهر، ليكشف من خلاله بعض العيوب الاجتماعية المتوارثة في المجتمع المصري والمتمثلة في الدجل والشعوذة، وهو ما حرص على تقديمه أيضاً في مسرحية "الشبعانين" تأليف أحمد سعيد، وإخراج علي الغندور، ليتقاسم البطولة أمام الفنان عمر الحريري، والذي تناول من خلالها قضية "الجوع"، وإن كانت المسرحية لم تلق نجاحاً كبيراً، بسبب الابتعاد نوعاً ما عن الكوميديا للتركيز على القضايا الاجتماعية، مما جعله يعود سريعاً للكوميديا من خلال مسرحية "جوزين وفرد" اقتباس سمير خفاجي، وإخراج عبدالمنعم مدبولي، الذي تقاسم معه البطولة هو وسهير البابلي، وحسن مصطفى وميمي جمال، وفرحات عمر "الدكتور شديد"، لتحقق المسرحية نجاحاً كبيراً، الأمر الذي استفز البعض، فكانوا وراء الكثير من الأقلام التي راحت تهاجم ما يسمى بمدرسة "الضحك للضحك" وتصرخ ألماً من خلو الأعمال الفكاهية من الأهداف الاجتماعية، لينتصر هؤلاء وينجحوا في تحقيق هدفهم، حيث قرر هؤلاء الكوميديانات أن يستقلوا بالعمل بعيداً عن مسرح التلفزيون وأن تكون لهم فرقتهم المسرحية الخاصة، فكون سمير خفاجي فرقة "الفنانين المتحدين" لتقدم عروضها على مسرح الحرية بشارع الشيخ ريحان بقيادة سمير خفاجي، ويضم له أغلب النجوم الذين خرجوا من مسرح التلفزيون، ويقدمهم في بطولات منفردة، سواء فؤاد المهندس، أو محمد عوض، أو أمين الهنيدي، الذي أسند له سمير خفاجي البطولة المطلقة في مسرحيتين خلال موسمين متتالين عام 1966، هما "المغفل" و"شارع البهلوان"، لكنهما لم يلقيا النجاح الجماهيري المنتظر، وهو ما حدث أيضاً من خلال مسرحية "الفلاح الفصيح" التي قدم خلالها شخصية "ملك الزمان" وشاركه فيها كل من الفنانة زوزو نبيل في دور الملكة، والفنان عبدالوارث عسر في دور "الفلاح"، فحقق من خلال هذه الأعمال حضوراً متميزاً كفنان مسرحي من طراز رفيع، مما لفت أنظار الدولة، فتقرر تكريمه ومنحه وساماً من الدرجة الثانية تقديراً لجهوده في مهرجانات الشباب عام 1966.

شعر أمين الهنيدي بأنه أعطى الكثير للمسرح، غير أن ذلك كان على حساب السينما، فقرر أن يتفرغ لها ليحقق بها خطوات ترضيه، وينتقل من مرحلة الأدوار الثانوية والثانية إلى أدوار البطولة، فيقدم مع المخرج السيد زيادة فيلم "غازية من سنباط" قصة وإنتاج كمال صلاح الدين، سيناريو وحوار حسن نشأت، أمام شريفة فاضل ومحمد عوض، وسعاد مكاوي، ليقرر المخرج حسن الصيفي في العام نفسه 1967، منحه أول بطولة مطلقة على شاشة السينما، عندما قدم له عبدالمنعم مدبولي المسلسل الإذاعي الناجح "شنطة حمزة" والذي كتبه مدبولي، وقام ببطولته أمين الهنيدي، وأخرجه وجدي الحكيم، ونجح بشكل كبير جداً، فقرر مدبولي تحويله إلى فيلم سينمائي، ليتقدم اسم أمين الهنيدي للمرة الأولى الجميع، بمن فيهم أستاذه عبد المنعم مدبولي، الذي كتب السيناريو والحوار للفيلم أيضاً، عن قصة نبيل غلام، وشاركهما البطولة محمود المليجي ونجوى فؤاد، وتوفيق الدقن وسهير المرشدي، وصفاء أبو السعود مع ثلاثي أضواء المسرح.

رغم قيام أمين الهنيدي بالبطولة المطلقة، واقتناع المنتجين والمخرجين بأنه قادر على ذلك، ويحقق نجاحاً كبيراً، إلا أنه لم يصر على البطولة، فما إن يعرض عليه دور ثانٍ لا يتردد في قبوله، عن اقتناع بأنه غير مهتم بأن يكتب اسمه في المقدمة، أو يأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة، فما يهمه هو أن يترك علامة في كل دور يقدمه.

من هذا المنطلق، قبل أمين أن يقدم أدواره في أفلام مثل "شباب مجنون جداً" أمام سعاد حسني وأحمد رمزي، وثلاثي أضواء المسرح، تأليف أبو السعود الإبياري، وإخراج نيازي مصطفى، و"غرام في الكرنك" مع "فرقة رضا" قصة وإخراج علي رضا، سيناريو وحوار محمد عثمان، و"شهر عسل بدون إزعاج" أمام حسن يوسف وناهد شريف، ومحمد عوض، قصة أحمد عبدالوهاب، سيناريو وحوار عصمت خليل أحمد، وإخراج عبد المنعم شكري، و"7 أيام في الجنة" أمام نجاة الصغيرة وحسن يوسف، وعادل إمام، قصة محمد مصطفى سامي، سيناريو وحوار علي الزرقاني، وإخراج فطين عبدالوهاب، ليعود مرة أخرى للبطولة المطلقة في فيلم "أشجع رجل في العالم" أمام شويكار،

وعبدالمنعم مدبولي، ومحمد رضا، سيناريو وإخراج حسن الصيفي، قصة وحوار أنور عبدالله، ورغم نجاح الفيلم وتحقيقه إيرادات عالية، إلا أن أمين يعود بعده للأدوار الثانية ويشارك في فيلم "أنا ومراتي والجو" أمام كمال الشناوي وشويكار، وعادل إمام، قصة عبدالحميد محمد، سيناريو وحوار يوسف عوف، ليعود بعدها للبطولة المطلقة مجدداً، ويقدم أمام الفنانة نادية لطفي ومحمود المليجي فيلم "نشال رغم أنفه" قصة نبيل غلام، سيناريو وحوار أنور عبدالله، وإخراج حسن الصيفي.

القرار الأصعب

استطاع أمين الهنيدي خلال عامين فقط، أن يحقق حضوراً سينمائياً كبيراً، ما بين الأدوار الثانية والبطولة المطلقة، مما جعله يتوقف أمام نفسه طويلاً، خصوصاً اكتشافه فجأة أنه أصبح في منتصف الأربعينيات من عمره تقريباً، وأمام إلحاح والدته وكل أصدقائه المقربين، اتخذ أمين قراراً كان ينوي ألا يتخذه:

= معقول أنت بتتكلم جد يا أمين

* وهو الكلام ده في هزار يا أمي.. طبعاً جد وجد الجد.. أيوا نويت أحقق لك أمنيتك وأتجوز.

= ربنا يسعدك يا ابني... خلاص عروستك عندي... بنت أصل ومن عيلة كبيرة... كانوا جيرانا في المنصورة.

* وأنا موافق على اللي أنت اخترتيها.

اختار أمين أن يتزوج بطريقة "الصالونات" وبعيداً عن الوسط الفني، بل وتم الزواج بعيداً عن ضجة الوسط الفني، وقبل أن يمر عام على زواجه كان قد أنجب ابنه الأول الذي أطلق عليه اسم "صالح"، وخلال ثلاث سنوات كان قد أنجب ولدين آخرين، أطلق على ابنه الثاني "عبدالحميد" على اسم والده، والثالث أطلق عليه اسم "محمود".

بعد الزواج والإنجاب، شعر أمين بأن الدنيا ابتسمت وفتحت له ذراعيها، فأقبل عليها، وقرر أن ينشئ فرقة مسرحية باسمه، "فرقة أمين الهنيدي المسرحية"، وعلى مدار سبع سنوات قدم إحدى وعشرين مسرحية، بمعدل ثلاث مسرحيات كل عام، استعان فيها بكل أصدقائه المقربين من ممثلين وكتاب ومخرجين، ومن لهم الفضل عليه، حيث بدأ بمسرحية "عبود عبده عبود" التي كتبها عصام الجمبلاطي، وأسند إخراجها لأستاذه وأول من منحه الفرصة، الفنان السيد بدير، ثم "غراميات عفيفي" اقتباس أنور عبد الله، وإخراج نور الدمرداش، و"أجمل لقاء في العالم" تأليف مصطفى كامل حسن، وأسند إخراجها لصديقه عبدالمنعم مدبولي، ليعود بعدها إلى السيد بدير في مسرحية "ياعالم نفسي أتسجن" التي كتبها وحيد حامد، ثم مع مدبولي في "20 فرخة وديك" إضافة إلى "لوليتا، سد الحنك، شارع البهلوان، الدنيا مقلوبة، سبع ولا ضبع، حسن حسنين حسن، والضيف اللي هوه"، تعاون في هذه المسرحيات مع كبار مخرجي المسرح أمثال، السيد بدير حسن عبدالسلام عبدالمنعم مدبولي السيد راضي، وغيرهم حتى عام ‏1978، عندما بدأ يعانده الحظ، عندما قدم مسرحية "أنا آه.. أنا لا" حيث اختلف معه الفنان نبيل بدر، حول حقه في المسرحية باعتباره مؤلفها، وقام برفع دعوى قضائية ضده، فقضت المحكمة بفرض الحراسة القضائية على المسرحية، وأصدرت محكمة جنوب القاهرة حكمها بإيداع نصف أرباح فرقته في خزانة لصالح المدعي الممثل نبيل بدر، كما ادعى عليه بعض الممثلين أمام المحكمة أنه لا يعطيهم الفرصة في الأدوار التي يقومون بأدائها، ما أصابه بحزن عميق، وقرر حل الفرقة، بل عادت هواجس المرض والموت تسيطر عليه مجدداً، لم يترك أحدا من المقربين منه، إلا وباح له بهذه الهواجس، وعبثا حاول كل المقربين منه، ثنيه عن هذا التفكير:

= طب ما تروح لدكتور.

* أنا مش حاسس بأي أعراض مرض.

- طب ما تجرب لو لا قدر الله في حاجة تلحقها.

* يا سيدي أنا ما خلتش حاجة ما كشفتش عليها... كل حاجة كويسة.

= طب احمد ربنا.. أمال في أيه؟.

* يا سيدي بأحمده وأشكره... لكن أنتوا ناسيين أن الموت مش محتاج مرض.

- طب يا سيدي ماهو بالمبدأ ده إحنا كلنا هانموت.

* أيوا بس عندي إحساس أن الموت بيطاردني ومش عارف أسيطر ع الإحساس ده.

= خلاص روح للشيخ متلوف... قصدي الشيخ معروف.. يقرالك الطالع ويقولك على اللي فيها.

* أنا غلطان إني بتكلم معاك.. حضرتك بتتريق عليا.

= والله أبدا... ده واحد من اللي بيقولوا إنه بيعرف... وأنا كان قصدي أساعدك.

- ماتسمعش كلامه يا أمين... كذب المنجمون ولو صدقوا.

= يا أسيادنا ده كان مجرد اقتراح... أنا بس كان غرضي أساعده وأخرج الأفكار دي من دماغه.

* خلاص.. خد لنا معاد معاه.

- يا أمين أنت راجل مؤمن بالله... هاتروح لدجال برضه.

* نفسي أرتاح يا محمد.. مش قادر لا أكل ولا أشرب ولا أنام.

كان هذا الرجل الذي ملأ الدنيا ضحكاً وصخباً، يحتفظ بهذه الوساوس بداخله، بخوفه الشديد من الغد، وأن حظه في الدنيا قليل، وأن عمره في الدنيا قصير، حتى بعد أن أصبح من كبار نجوم الكوميديا على ساحة الفن المصري والعربي، لدرجة أنه أحضر الكثير من كتب الفلك والأبراج والنجوم، وظل يبحث فيها، عسى أن يعرف كيف يقرأ طالعه لنفسه، لكن دون جدوى، فقرر بالفعل أن يذهب بصحبة صديقيه أنور عبد الله ومحمد أحمد المصري، إلى "الشيخ معروف".

النبوءة القاتلة

كان الشيخ معروف رجلاً مهندم الثياب هادئ الملامح، لا يهتم ولا يعبأ بالنقود ولا بالمقابل والأجر المادي نظير ما يفعله، وكلها سمات بعثت نوعاً من الثقة والطمأنينة في قلب أمين الهنيدي الذي استراح للرجل وفتح له قلبه وحكى له عن مخاوفه وهواجسه، ورغم أن الشيخ رجل هادئ الملامح، إلا أنه كان قاسياً جداً مع أمين وهو يقرأ له طالعه، فلم يوارب أو يخفي شيئاً مما رآه على حد زعمه:

- شوف يا أستاذ سامحني على صراحتي.

* لا أبداً.. اتفضل اتكلم أنا عايز الصراحة.

- عمرك قصير ومش هاتعيش كتير.. بس قبل ماتموت هايصيبك مرض خطير.

= أيه اللي بتقوله ده يا عم الشيخ؟.

* سيبه يكمل يا محمد... كمل يا مولانا.

- والمرض ده هايكون سبب موتك.

اهتز الهنيدي بعنف وارتجف من الخوف، فقد أحس أن ما يشعر به لم يعد مجرد وساوس، بل أضحى حقيقة، فظل ساهما، ومسحة هائلة من الحزن تعلو قسماته، وأمسك به صديقه محمد أحمد المصري يهدئه، وطالت فترة الصمت ولحظات الحزن وقطعها أمين:

* وده هايحصل أمتى يا مولانا؟!.

- هذا علمه عند ربي... هو وحده سبحانه وتعالى علام الغيوب.

انتهت مقابلة أمين الهنيدي مع الشيخ معروف وظل لشهور طويلة فريسة الإحساس بقرب أجله ودنو موته، وحاول أصدقاؤه أن يخرجوه من هذه الحالة:

= يا أمين ماحدش يعمل كده أبداً... تسمع كلام واحد دجال زي ده... يا راجل الأعمار بيد الله.

* وهو الرجل قال أيه غير كده.. الراجل ماقالش إني هأموت بعد يوم ولا سنة ولا عشرة... قال العلم عند الله.

= طيب ولكل أجل كتاب... انسى الموضوع ده واتركه من دماغك.

* معلش يا محمد سيبني لوحدي شوية.

يوماً بعد يوم ازداد حزن هذا النجم الكوميدي الكبير، لكنه عندما نظر لأطفاله، ووجد أن كبيرهم لم يتخط ثماني سنوات، تحدى هواجسه ووساوسه، وقرر أن يواصل من أجل أطفاله.

استمر أمين الهنيدي في مشواره وواصل عطاءه الفني مسرحياً وسينمائياً وتليفزيونياً وإذاعياً وكعادته يقدم الكوميديا التي تفجر الضحكات ويزداد نجومية ويزداد بريقاً وتزداد خبرته ومكانته الفنية كواحد من ملوك الضحك ونجوم الكوميديا.

رحلة النهاية

لكن لم تمض سنوات طويلة على جلسته مع الشيخ معروف، إلا وبدأ يعاني من بعض المتاعب الصحية، حتى اشتدت عليه في مطلع العام 1983، فتم نقله إلى المستشفى، حيث أجرى الفحوصات والتحليلات التي جاءت نتيجتها مفاجئة، فقد اكتشف أنه مصاب بسرطان المعدة، وكان هذا بعد أعوام قليلة من بداية الثمانينيات وكان لا يزال في أوج عطائه الفني.

زاد الحزن على أمين الهنيدي فقد عرف وقتها أن ما قاله له الشيخ معروف واقع لا محالة، وأن ساعته قد اقتربت بالفعل، وأنه أصبح في مواجهة الموت القادم، لكنه رغم هذا الحزن العارم الذي يعيشه، ظل يعمل ويواصل عطاءه الفني ولم يتوقف بل إنه كان يقف على خشبة المسرح ليضحك الجماهير وهو يعاني آلام المرض ويعتصره الحزن، وقدم مسرحيته الأخيرة "عائلة سعيدة جداً" في عام 1985، التي كتبها وأخرجها صديقه وأستاذه السيد بدير، وشارك فيها بالتمثيل بمشهد واحد، واستمر يقدمها حتى العام التالي، كما شارك في عدد كبير من الأفلام السينمائية خلال هذه الفترة، من بينها "احترسي من الرجال يا ماما، القرش، إحنا بتوع الإسعاف، الحدق يفهم"، ثم كان آخر أفلامه "القطار"، حيث اشتد عليه المرض بشكل كبير، فقررت الدولة سفره للعلاج على نفقتها بالخارج، فسافر إلى لندن لإجراء جراحة في المعدة، لكن لم تنجح الجراحة في وقف زحف المرض وانتشاره، وأُجريت له جراحة أخرى، لكنها لم تنجح في حسم المعركة مع المرض الذي سبب له آلاماً لا تُطاق، وبعد ثلاثة أشهر عاد الهنيدي إلى القاهرة ليظل في العناية الفائقة بأحد المستشفيات الخصوصاً، حتى فاضت روحه إلى بارئها في الثالث من يونيو 1986، ليرحل صانع البهجة "الفهلاو" الذكي، ويترك لجمهوره كنزاً كبيراً من الأعمال الفنية في كل المجالات، في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة، ويترك لعائلته الألم، حيث لم يستطيعوا تسلم جثمانه لأنهم لم يستطيعوا دفع مصاريف علاجه التي بلغت وقتها 2000 جنيه، ولم تتسلم الأسرة جثمانه إلا حين نجحت في توفير المبلغ.

النهاية

back to top