بوتين يبحث عن حلف ودي مع الغرب

نشر في 01-12-2015
آخر تحديث 01-12-2015 | 00:01
من الأهداف المباشرة وراء غوص روسيا في الحرب الأهلية السورية الدموية إنقاذ نظام صديق يواجه مأزقاً كبيراً، ومنع تدخل عسكري غربي، وإبقاء عدم الاستقرار وخطر الإرهاب الإسلامي بعيدين عن الحدود الروسية، فضلاً عن تعليم الغرب درساً عن أن تغيير الأنظمة من خلال الترويج للديمقراطية في دول تهم روسيا ما عاد مقبولاً.
 موسكو تايمز لا شك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس من القادة الذين يضيعون فرصة جيوسياسية، فهذه طريقته في صوغ السياسة الخارجية، فكما ذكرت أولغا أوليكر، باحثة من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، "لا تتبع روسيا استراتيجية محددة، صحيح أن لها أهدافاً استراتيجية، إلا أنها تسعى إلى تحقيقها بالبحث عن الفرص، لا تطوير خطط واضحة".

عندما واجه بوتين حاجة نظام بشار الأسد المتداعي في سورية خلال صيف عام 2015 إلى دعم عسكري، رأى في هذا فرصة أوسع ليعيد روسيا إلى المجتمع الدولي، بعد أشهر من العزلة الغربية نتيجة انتهاكات موسكو في أوكرانيا، وقد سعى إلى تحقيق ذلك بتصوير التدخل الروسي في سورية كمساهمة نبيلة في الحرب ضد الإرهاب.

هدفت "مناورة بوتين السورية" إلى تحويل العلاقات مع الغرب وفق الشروط الروسية بغية استعادة المكانة التي تستحقها روسيا كقوة عالمية، وأدرك الكرملين أنه يواجه مأزقاً في أوكرانيا، حيث عجز عن إعادة روسيا إلى مكانتها كندّ للولايات المتحدة على الصعيد الجيوسياسي، فلكي تأخذ واشنطن موسكو على محمل الجد، يجب أن تعيد روسيا تأكيد دورها على مسرح تُعتبر فيه المصالح الحيوية الأميركية مهددة، وتستطيع فيه قدرات موسكو المحدودة إحداث ضجة عالمية، وهكذا شكلت سورية مكاناً مناسباً.

من الأهداف المباشرة وراء غوص روسيا في الحرب الأهلية السورية الدموية إنقاذ نظام صديق يواجه مأزقاً كبيراً، ومنع تدخل عسكري غربي، وإبقاء عدم الاستقرار وخطر الإرهاب الإسلامي بعيدين عن الحدود الروسية، فضلاً عن تعليم الغرب درساً عن أن تغيير الأنظمة من خلال الترويج للديمقراطية في دول تهم روسيا ما عاد مقبولاً وقد يُمنع بالقوة إن دعت الحاجة.

سمحت الضربات الجوية لموسكو بتوسط الدبلوماسية العالمية بشأن سورية بالقوة، محوّلاً في الوقت عينه الأنظار بعيداً عن أوكرانيا، فقد قدّم ذلك لبوتين اجتماعاً ثنائياً لطالما تاق إليه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في الأمم المتحدة في شهر سبتمبر، وذكر الجميع أن روسيا لم تكن "مجرد قوة إقليمية متداعية".

رغم ذلك، بدد أوباما أمل بوتين بإعادة إطلاق العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن، ففي اجتماعهما الثنائي في 28 سبتمبر في نيويورك، رفض أوباما قبول الأسد كحليف ضد "داعش"، منتقداً في الوقت عينه بوتين بشأن أوكرانيا ومتفادياً المقايضة الجيوسياسية، إذ يعتقد البيت الأبيض أن الكرملين تعمد تضليله بالكلام عن الحرب ضد "داعش"، في حين خطّط منذ البداية لشن حملة جوية هدفها دعم هجوم الأسد ضد المجموعات المعارضة التي لا علاقة لها بـ"داعش". إذاً، قصف بوتين سورية إلا أنه لم يحظَ بقبول الغرب كشريك، لكن الوضع تبدل مع الاعتداءات الإرهابية في باريس وإسقاط الطائرة الروسية.

أرغمت اعتداءات باريس الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على الدعوة إلى "ائتلاف كبير لإنزال الهزيمة بداعش"، لكن فرنسا تملك قوة محدودة لمهاجمة "داعش" في سورية، وقد طالبت بيأس حلفاءها الأوروبيين بالمساعدة، إلا أنها لم تحظَ إلا بدعم شفهي.

اقتنص الرئيس بوتين هذه الفرصة لتشكيل ائتلاف كبير مناهض للإرهاب، موجهاً القوات الروسية في سورية للتعاون مع الفرنسيين "كحلفاء"، ويأمل بوتين أن يحض هولاند وغيره من القادة الغربيين على القبول ببشار الأسد كحليف لا غنى عنه في الحرب ضد "داعش"، ضامناً بالتالي بقاء الأسد في السلطة، ويسعى الرئيس الروسي أيضاً إلى استغلال قيمة أصول روسيا في الحرب في سورية بغية تحسين قدرة روسيا على المقايضة مع الغرب، لا تريد موسكو التفاوض مباشرة لتخفيف العقوبات الغربية، مخافة أن تُعتبر خطوتها هذه في الداخل استسلاماً في مسألة أوكرانيا، إلا أنها تأمل أن تزعزع تدريجياً إجماع الغرب على العقوبات بتصويرها كعقوبات "لا أخلاقية" مفروضة على حليف أساسي في الحرب.

لكن تحديات كبيرة تحد من التفاؤل بشأن ائتلاف روسي مناهض لـ"داعش" مع الغرب، فقد باتت الثقة المتبادلة محدودة بعد أحداث أوكرانيا وقصف روسيا المعارضة المناهضة للأسد، بالإضافة إلى ذلك، يجعل تحالف موسكو مع طهران تشاطر المعلومات الاستخباراتية مع الغرب خطوة بالغة الخطورة، كذلك تختلف الأهداف العسكرية، بما أن أبرز جهود روسيا الحربية استهدفت المعارضة التي لا تنتمي إلى "داعش" بغية دعم الأسد، مع تكثيف الضربات الجوية ضد أهداف تابعة لـ"داعش" في الأسبوع الماضي فحسب، لكن أوباما اشترط للتعاون بشكل ألصق مع روسيا أن تعيد موسكو توجيه ضرباتها ضد "داعش"، فقد قال عن بوتين: "عليه أن يلاحق مَن قتلوا المواطنين الروس".

من المشاكل الأخرى التي تعترض هذا الائتلاف اعتبار روسيا سورية فرصة استراتيجية لتحدي الولايات المتحدة وتأكيد دعم واشنطن المتهور للانتفاضات الشعبية ضد القادة المستبدين، فتعمل موسكو على إثبات أن الأنظمة المستبدة العنيفة تشكل أفضل حليف ضد الإرهاب، إذاً، تسعى موسكو في الوقت عينه إلى التعاون مع الولايات المتحدة ومواجهتها بغية تحقيق أهداف مختلفة.

من الممكن التوصل إلى تعاون محدود ضد "داعش"، إلا أن تشكيل حلف ودي جديد بين روسيا والغرب غير محتمل البتة.

فلاديمير فرولوف | Vladimir Frolov

back to top