تقرير الاستخبارات البريطانية يناقض وجهات النظر السائدة عن الإرهاب في بريطانيا

نشر في 29-11-2015
آخر تحديث 29-11-2015 | 00:01
استخلص تقرير مكتب الاستخبارات البريطاني MI5 عن الإرهاب في بريطانيا أنه من المستحيل رسم نموذج موحد للإرهابيين هناك،  بما أن معظمهم «غير بارزين سكانياً» ويعكسون بكل بساطة المجتمعات التي يعيشون فيها.
 الغارديان استخلص مكتب الاستخبارات البريطاني MI5 أنه ما من طريقة سهلة لتحديد مَن تورطوا في الإرهاب في بريطانيا، وفق وثيقة بحث داخلية سرية عن التطرف اطلعت عليها الغارديان.

يشير هذا التحليل المتطور، الذي يرتكز إلى مئات الحالات التي درسها جهاز الاستخبارات، إلى أنه ما من مسار محدد يتبعه التطرف العنيف.

استخلص هذا التقرير أنه من المستحيل رسم نموذج موحد "للإرهابي البريطاني"، بما أن معظمهم "غير بارزين سكانياً" ويعكسون بكل بساطة المجتمعات التي يعيشون فيها.

ويحلل تقرير جهاز الاستخبارات "السري" هذا الكثير من الأفكار النمطية السائدة عن المتورطين في الإرهاب البريطاني.

ويحمل معظم هؤلاء الجنسية البريطانية وليسوا مهاجرين غير شرعيين، واللافت للنظر أن معظمهم بعيدون كل البعد عن أن يكونوا أصوليين إسلاميين، فهم مبتدئون في عالم الدين، فضلاً عن أنهم ليسوا "مجانين وأشراراً"، وفق هذا التقرير.

ويكونون عادة قد تخطوا الثلاثين من عمرهم، ويُرجح أن يكونوا متزوجين ولديهم أولاد، بقدر ما يمكن أن يكونوا معزولين ومنطوين على ذاتهم، حسبما يكشف البحث.

بالإضافة إلى ذلك، تقلل الأجهزة الأمنية من أهمية رجال الدين الأصوليين المتطرفين، معتبرة أن تأثيرهم في تطرف الإرهابيين البريطانيين قد تراجع في السنوات الأخيرة.

يرتكز هذا البحث، الذي قامت به وحدة علم السلوك في مكتب الاستخبارات MI5، على دراسة معمقة تناولت "بضع مئات ممن نعرف أنهم متورطون في النشاط المتطرف العنيف أو يرتبطون به"، علماً أن هذا النشاط يمتد من جمع التبرعات إلى التخطيط للتفجيرات الانتحارية في بريطانيا.

تشمل الاكتشافات الرئيسة:

• يحمل غالبيتهم الجنسية البريطانية، في حين أن الباقي يقيمون في البلد بطريقة شرعية، مع بعض الاستثناءات. وُلد نحو نصفهم في المملكة المتحدة، في حين هاجر الباقي إلى هذا البلد في مراحل لاحقة من حياتهم، وهرب بعض هؤلاء من تجارب صادمة أو أنظمة مستبدة وطلبوا اللجوء إلى المملكة المتحدة، إلا أن العدد الأكبر منهم أتى إلى بريطانيا للدراسة، ولمّ شمل العائلة، أو أسباب اقتصادية، وصاروا متطرفين بعد سنوات كثيرة من وصولهم.

علاوة على ذلك، يبدو هؤلاء بعيدين كل البعد عن أن يكونوا متزمتين دينياً، حتى إن عدداً كبيراً ممن يتورطون في الإرهاب لا يمارسون دينهم بانتظام، كذلك يفتقر كثيرون منهم إلى الفهم الديني، ومن الممكن اعتبارهم متبدئين في عالم الدين، فقد تربى قليلون منهم في أسر متشددة دينياً، فضلاً عن أن نسبة مَن اهتدوا إلى الدين الإسلامي لاحقاً في حياتهم عالية. بالإضافة إلى ذلك، بعضهم متورط في تعاطي المخدرات، وشرب الكحول، والتردد على فتيات الهوى. نتيجة لذلك، يشير مكتب الاستخبارات إلى أن الأدلة تُظهر أن الهوية الدينية الواضحة تحمي من التطرف العنيف.

• لا تُعتبر نظرية "الجنون والسوء"، التي تُستخدم لتعليل تحول الناس إلى الإرهاب، منطقية، فلا تتوافر أي أدلة على معاناة الإرهابيين البريطانيين أمراضاً نفسية أو خصالاً شخصية مرضية غير تلك التي نراها لدى سائر الناس.

• ينتمي الإرهابيون في بريطانيا إلى مجموعات إثنية متنوعة بقدر تنوع المجتمع الإسلامي في المملكة المتحدة. فيتحدر بعضهم من أصول باكستانية والبعض الآخر شرق أوسطية، وآخرون قوقازية، ونتيجة لذلك يشير مكتب MI5 إلى أننا لا نستطيع بناء الفرضيات بشأن المشتبه فيهم بالاستناد إلى لون بشرتهم، وإرثهم الإثني، أو جنسيتهم.

• معظم الإرهابيين في المملكة المتحدة من الرجال، إلا أن النساء يؤدين دوراً مهماً، فيكنّ أحياناً على اطلاع على نشاطات أزواجهن، وإخوتهن، أو أبنائهن، إلا أنهن لا يعترضن أو يحاولن منعهم.

• صحيح أن غالبيتهم يكونون في مطلع عشرينياتهم أو نحو منتصفها، عندما يزدادون تطرفاً، إلا أن أقلية صغيرة إنما مهمة منهم تتورط في التطرف العنيف للمرة الأولى نحو سن الثلاثين.

• لا يكون غالبية مَن تخطوا الثلاثين منهم أشخاصاً وحيدين ومعزولين. على العكس، يتمتعون عموماً بعلاقات منتظمة، ولكثيرين منهم أولاد، ويذكر مكتب الاستخبارات أن هذا يدحض فكرة أن الإرهابيين رجال شبان يعانون الكبت الجنسي أو ينجذبون إلى "الشهادة" بسبب الوعد بعذارى جميلات ينتظرنهم في الجنة. إذاً، من الخطأ الافتراض أن احتمال ارتكاب أعمال إرهابية يتراجع بين مَن لديهم زوجة وأولاد.

بالإضافة إلى ذلك، لا يُعتبر مَن يتورطون في الإرهاب البريطاني أغبياء أو يفتقرون إلى الذكاء، كما أنهم ليسوا مثقفين ومتعلمين أكثر من غيرهم، بل تتراوح إنجازاتهم العلمية بين الافتقار الكامل للمؤهلات والحصول على شهادة جامعية. رغم ذلك، يشغل معظمهم وظائف متواضعة.

استخلص الباحثون أن نتائج عملهم "تناقض الكثير من الأفكار النمطية السائدة عمن يصبحون إرهابيين والأسباب التي تدفعهم إلى ذلك". يبقى الأهم أن هذا البحث يكشف أن مَن يصبحون إرهابيين "هم مجموعة متنوعة من الأفراد الذين لا يمكن إدراجهم في فئة سكانية واحدة، ولا يتبعون درباً نموذجياً واحداً إلى التطرف العنيف".

تعتقد الأجهزة الأمنية البريطانية أن المجموعات الإرهابية، التي تعمل راهناً في بريطانيا، تختلف من نواحٍ عدة عن المتطرفين الإسلاميين الناشطين في أجزاء أخرى من العالم، وعن الحركات الإرهابية التاريخية، مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي أو جماعة الجيش الأحمر.

حذر "تقرير التوجيهات العملية السري" التابع لمكتب الاستخبارات MI5 في المملكة المتحدة، والذي تناقلته الأجهزة الأمنية في شهر يونيو، من أن هذه الأجهزة ستخفق في التصدي للنشاط الإرهابية على الأمد القصير وستعجز عن منع استمرار التطرف العنيف على الأمد الطويل، إن لم تفهم الخلفيات المختلفة لمن ينجذبون إلى الإرهاب في بريطانيا.

استخلص التقرير أيضاً أن نتائج البحث هذه تحمل دروساً مهمة لبرنامج الحكومة الذي يهدف إلى معالجة انتشار التطرف العنيف، مشددةً على الحاجة إلى "بدائل جذابة" للتورط في الإرهاب. فضلاً عن ذلك، يحذر هذا التقرير من أن تكتيكات تطبيق القانون التقليدية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إن جرى التعاطي معها بسوء أو استُخدمت ضد أناس لا يُعتبرون أهدافاً مشروعة.

علاوة على ذلك، شدد واضعو تقرير MI5 على أن الخطر الحالي الملحّ يتمثل بالمجموعات الإسلامية المتطرفة التي تبرر اللجوء إلى العنف كوسيلة "للدفاع عن الإسلام"، ولكن يجب ألا ننسى أيضاً المتطرفين العنيفين المتورطين في حركات غير إسلامية.

يختم معدو التقرير أنهم يركزون كل مَن يستخدمون العنف أو يدعمونه بنشاط، لا على أولئك الذين يملكون ببساطة وجهات نظر سياسية متطرفة.

* ألان ترافيس

back to top