انتخابات مصر... فرص ومخاطر

نشر في 29-11-2015
آخر تحديث 29-11-2015 | 00:01
 ياسر عبد العزيز أبرز السلبيات التي مرت بها الانتخابات البرلمانية وأكثرها خطورة يتعلق بسطوة المال السياسي والاستخدام المفرط للرشا الانتخابية، وهو أمر تجاوز، للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات التشريعية في مصر، شراء الأصوات، ليصل للأسف إلى «شراء المرشحين».

مع مطلع شهر ديسمبر المقبل، ستكون مصر قد أنجزت الانتخابات البرلمانية، وباتت تمتلك مجلساً للنواب (برلماناً) للمرة الأولى منذ حل مجلس الشعب، الذي هيمن عليه "الإخوان" والسلفيون في عام 2012.

فقد جرت المرحلة الأولى من الانتخابات في شهر أكتوبر الماضي، حيث تم انتخاب نصف عدد أعضاء المجلس تقريباً، قبل أن تنطلق المرحلة الثانية في شهر نوفمبر الحالي، حيث انتهت جولتها الأولى، وبقيت جولة الإعادة التي ستنطلق بعد أيام.

إن الوقت ما زال مبكراً على استخلاص نتائج نهائية من تلك العملية الانتخابية، لكن ثمة عناصر ومؤشرات واضحة بما يكفي لإعطاء دلالات عن هذه الانتخابات وتأثيرها في مستقبل مصر السياسي.

إن تقييم العملية الانتخابية التي أوشكت على الانتهاء في مصر يجب أن يكون تقييماً شاملاً، بعيداً عن الآراء الحادة والانطباعات المسبقة والمواقف السياسية والأيديولوجية، وهو تقييم يجب أن يأخذ في الاعتبار السياق الذي جرت فيه الانتخابات، ويجب ألا يركز على جانب دون آخر.

ثمة ضرورة للبدء بتحليل السياق الذي جرت فيه العملية الانتخابية؛ وهو السياق الذي يشير إلى تحد إرهابي مرتفع الحدة تواجهه البلاد منذ إطاحة حكم "تنظيم الإخوان"، في يوليو من عام 2013.

يفرض هذا التحدي الإرهابي العنيف أوضاعاً وشروطاً، ويضغط على الممارسة السياسية، وفي قلبها قضية الحريات، كما يحدث في دول أخرى عديدة.

لقد تأثر السياق السياسي الذي جرت فيه الانتخابات بتداعيات التحدي الإرهابي، ولذلك، فقد مُنعت أو أحجمت قطاعات كبيرة من مؤيدي الإسلام السياسي عن المشاركة ترشحاً وانتخاباً، كما تضررت فرص حزب "النور" السلفي تضرراً كبيراً، في ظل الإجواء غير المواتية للأحزاب ذات الإسناد الديني.

لا يمكن أيضاً تجاهل استحقاقات انتفاضتي "25 يناير" و"30 يونيو" وتأثير تلك الاستحقاقات في السياق الذي تجري خلاله العملية الانتخابية؛ إذ أرست تلك الاستحقاقات توجيهاً استراتيجياً للدولة والمجتمع، يتلخص في ضرورة تجاوز الأوضاع السابقة التي أدت إلى إطاحة نظامي مبارك و"الإخوان".

وتتضمن تلك الأوضاع بالطبع خلط الدين بالسياسة، والاستخدام المفرط للمال السياسي، وهيمنة حزب واحد يعكس مصالح القوى التقليدية في المجتمع، وتهميش الشباب والقطاعات الأكثر احتياجاً.

إن التقييم المبدئي للانتخابات البرلمانية المصرية التي قاربت مصر على إنجازها يجب أن يشمل خمسة عناصر رئيسة؛ أولها أن تلك الانتخابات كانت بمنزلة فريضة واجبة الأداء، وثانيها أنها أيضاً جسدت استحقاقاً ملزماً، وثالثها أنها شهدت تقدماً ملموساً لم يخل من سلبيات، ورابعها أنها حفلت بالعديد من الفرص الضائعة، وخامسها أنها تطرح مخاطر جدية.

لقد كانت تلك الانتخابات بمنزلة "أداء فريضة" تشريعية ودستورية وسياسية؛ إذ لا توجد دولة مكتملة الأركان من دون سلطات دستورية رئيسة ثلاث؛ وهي السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، والسلطة التشريعية.

منذ تم حل برلمان "الإخوان" في عام 2012، ومصر بلا سلطة تشريعية، وبالتالي فإن إنجاز الانتخابات كان بمثابة تأدية تلك الفريضة، التي لا يمكن بدونها استقامة أداء الدولة، وبالتالي حصولها على الشرعية والأهلية اللازمة لأداء وظائفها والنهوض بأدوارها.

تعد تلك الانتخابات أيضاً تلبية لاستحقاق ملزم؛ إذ أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي (الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك) ما أسماه "خريطة طريق المستقبل، في الثالث من يوليو 2013، وهي الخريطة التي مثلت خطوات عملية الانتقال الديمقراطي في مصر.

لم يكن إعلان "خريطة طريق المستقبل" تدشيناً لمرحة سياسية جديدة فقط، أو محاولة لسد فراغ في السلطة، ولكنه كان في المقام الأول تحديداً لمسار "إنقاذ الدولة"، و"استعادتها".

وفي "خريطة طريق المستقبل"، التي اتفقت عليها المؤسسات والقوى السياسية والاجتماعية والقطاعات الغالبة من الجمهور آنذاك، ثلاثة استحقاقات رئيسة، تم تلبية اثنين منها؛ أي إقرار التعديلات الدستورية، وانتخاب رئيس الجمهورية، وبقي الاستحقاق الثالث وهو انتخاب مجلس النواب.

يقتضي الإنصاف القول إن تلك الانتخابات التي شهدت الكثير من المخالفات شهدت أيضاً تقدماً ملموساً، تجسد في عدد من الإيجابيات؛ التي تأتي على رأسها النزاهة الإجرائية، وخصوصاً في ما يتعلق بعمليتي الاقتراع والفرز.

ومن بين الإيجابيات أيضاً تأمين اللجان الانتخابية، والمتابعة المحلية والدولية الفعالة، ومشاركة المرأة والأقباط وبعض الفئات الأخرى المهمشة ترشحاً وفوزاً وانتخاباً، وتحجيم الخلط بين السياسة والدين.

لكن السلبيات التي رافقت العملية الانتخابية تمثلت بغياب السياسة؛ إذ لم تعكس تلك الانتخابات حالة سياسية فعالة وثرية، فلم يكن هناك طرح سياسي، أو بدائل سياسية محل نقاش وتنافس؛ فمعظم المشاركين تقريباً كانوا ينطلقون من مواقف "شعاراتية" لا تطرح أفكاراً أو خيارات يمكن أن تدفع المجتمع إلى الأمام.

لكن أبرز السلبيات وأكثرها خطورة يتعلق بسطوة المال السياسي والاستخدام المفرط للرشا الانتخابية، وهو أمر تجاوز، للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات التشريعية في مصر، شراء الأصوات، ليصل للأسف إلى "شراء المرشحين".

كما أخفقت الدولة في ضمان سياق نزيه للعملية برمتها، من خلال عدم قدرتها على إعطاء الانطباع بعدم مساندتها لقائمة أو تيار سياسي معين.

ضاعت أيضاً فرصة هزيمة التحدي الإرهابي، بعدما أدلى الإرهاب بصوته، عبر الهجوم الذي شنه مسلحون ضد فندق يقيم به قضاة مشرفون على العملية الانتخابية في شمال سيناء، إضافة إلى ضياع فرصة أن تعكس الانتخابات حيوية مجتمع يريد أن يجعل من السياسة سبيلاً لحل مشكلاته الرئيسة.

ورغم الوفاء بهذا الاستحقاق السياسي والنجاح في تأدية تلك "الفريضة" الدستورية، فإن مخاطر عديدة تبدو في الأفق، أهمها يتمثل بإحجام الشباب عن المشاركة في التصويت، وبعض الفائزين الذين يمثلون أسوأ ما في المجتمع المصري، ولا يمتلكون الحد الأدنى من الاعتبار، إضافة إلى خطورة أن تتحول عضوية البرلمان إلى مزاد لمن يدفع مالاً أكثر، وأن يتخلى البرلمان المقبل عن صلاحياته، ودوره الأصيل المتمثل بالرقابة والتشريع، ويتحول إلى مجرد مظاهرة تأييد للسلطة التنفيذية، أو مجمع لأصحاب المصالح المشبوهة.

* كاتب مصري

back to top