الروائية التونسية زبيدة عرفاوي: جرأة المرأة العربية الأدبية سطحيَّة

نشر في 29-11-2015 | 00:01
آخر تحديث 29-11-2015 | 00:01
No Image Caption
ترى الروائية التونسية زبيدة عرفاوي أن الجرأة في الكتابة هي الحرية، لكنها تشير إلى أن هذه الجرأة  تقتصر على الرجل، وتقول: «ذلك أنّ مجتمعاتنا ذكوريّة حتى النخاع، والفكر الذكوري طاغ على مخيلة الجميع، ورغم كل ما حققته المرأة التونسية أو العربية من استقلالية وتقدّم ومساواة، فإن كلّ ذلك  يبقى على مستوى سطحيّ ظاهريّ، أمّا الأعماق، فشيء آخر».

توضح صاحبة ديوان {يحدث في داخلك} في حوارها  مع {الجريدة} أن إعادة الشعر ديواناً للثقافة العربية محاولة للرجوع إلى الوراء، وأن الزمن اليوم هو زمن الرواية، باعتبارها أكثر الأشكال الأدبية قدرةً على استيعاب ما يحدث في عالم اليوم، بما يحويه من حداثة وتشابكات، لما يُجاز فيه مما لا يجاز في بقية الأجناس الأدبية، من توسع وإسهاب وإغراق في التفاصيل والسرد والوصف وتصوير لليومي والمعيش، وتعدد الشخوص.

ما دلالة عنوان مجموعتك القصصية الأحدث «من قلب الصمت»؟

ما أقصده متروك للقارئ، يكتشفه مع كل نص، ومع ذلك فقد حاولت تلخيصه في الكلمة التي افتتحت بها كتابي، وهي تلخص معنى صمت الأنثى الذي ينم عن معان كبيرة وثورة في داخلها، فمن قلب الصمت تنبثق حكاية أنثى مفتونة بالحرية، مسكونة بالثرثرة الداخلية، وبالحب والحرّية وبداية الخلق، وفي بدايتها أقول «من قلب الصمت يتفجر صمت أنثى على أنقاض الغرور والكبرياء، وفي الصمت تُصنع الألفة ويصير السكون الصاخب مسار حياة، للصمت قلب ينبض منذ حواء الأولى، وهو ضعف تغلي القوّة داخله، ومجون يرتدي عباءة القدّيسين، وقاتل يدّعي أنه مقتول، ولغة لا لسان لها».

رغم هذا الصمت كان صوت أنين المرأة المنكسرة مدوياً بقوة في معظم قصص المجموعة، لماذا؟

قلمي هو صوت المرأة، وهو كل صوت منكسر مكتوم، أو هذا ما أحاول فعله على الأقل، وما قيمة القلم إن لم يخرج عن صمته ليفجر كل مسكوت عنه، ثم المرأة في كتابي لم تكن دائماً صورة المرأة المنكسرة، لقد صورت أيضاً المرأة المتمردة الساعية نحو الحرية الباحثة عن الحب، فالمرأة كانت حاضرة في كل النصوص تقريباً وفي كل نص هي امرأة مختلفة متجددة.

ماذا تمثل قصة {رحيل} التي تتحدث عن أمهات الشهداء بالنسبة إليك؟

«رحيل» كانت من أول النصوص التي كتبتها، إنها تمثّل البداية بالنسبة إلي، وضعت فيها ما تحمل ذاكرتي من معاناة الأمّهات الثكالى، ربما وضعت فيها صوت أمّي ووجه أمّ مصرية وأنين أمّ سورية ولوعة أمّ يمنية وصبر أمّ فلسطينية وقوّة أمّ تونسية، إنّه الرحيل الموجع، بالموت أو بالحياة، جمعت في القصّة على قصرها بين قضايا عدة، الهجرة غير الشرعية، وهي رحيل، رحيل إلى المجهول، الموت من أجل قضيّة وهو أيضاً رحيل من نوع آخر، رحيل دون رجعة، لكنه في النهاية طريق إلى البقاء، الفقر والبطالة ومخلفات كل منهما على مصير شبابنا الطموح التائه، الديكتاتورية وأثرها على الشعوب، على الأفراد وعلى العشاق وعلى القادة، كل ذلك تناولته من زاوية المرأة والحبّ، الحبّ حاضر بشكل موغل في مجموعتي، وهو الخيط الفضّي الرابط بين كل النصوص، فـ»صبرة» أمّ الشهيد هي رمز لكل أمّ فقدت ابناً في سبيل قضيّة أو، بسبب ديكتاتور ما، «صبرة» اسمها فيها اسم على مسمّى، كلّ أمّ عربية ثكلى هي صبرة، الصابرة المناضلة الكادحة، والضّحية أيضاً، إذن، رحيل التي افتتحت بها مجموعتي، قد تمثّل صرخةً، نداءً من كلّ أمّ إلى كلّ طاغية وفي وجه كلّ جبّار، في وجه الفقر والظلم والجهل.

تفاصيل الغربة حاضرة بقوة في {جيغولو} فهل هي تعبير عن تجربة حقيقية؟

نعم، «جيغولو» هي تعبير عن تجربة حقيقيّة، تجربة الكثير من شبابنا العربيّ الذي يبحث عن نفسه في الآخر، ويبحث عن السعادة والحياة عن طريق الموت، أعتقد أنها وجه آخر للضياع، وللتّشتّت والخوف من المجهول، مرآة لما يحدث داخل هذا الوطن، «جيغولو» أطول نصّ في المجموعة، وكان يمكن أن يصير رواية، التفاصيل فيه حاضرة بشكل كبير، ففيه الغربة خارج الوطن، والغربة داخله، وداخل الذات، وهذه الأخيرة أسوأ أنواعها، وتفاصيل أخرى عن الحب والجسد والحياة اليومية للإنسان التونسي الذي يبحث عن ذاته، وعن السعادة، والحرّية، والعيش الكريم، «جيغولو» شكل آخر من أشكال الاستعمار، فالاستعمار الفكري والثقافي الذي هو الأخطر على الإطلاق، صورة للشاب العربي «المنبتّ» الضائع بين الحداثة والأصالة، وصورة للشابّة العربية الممزّقة بين الحرّية وقيود المجتمع، حاولت فيها أن ألمس الدّاخل، ما يحدث داخل البيوت الشوارع النفوس الغرف الأسرّة القلوب، كلّ ذلك من خلال حالة حبّ، الموضوع فيها متداول لكنّ الزاوية التي تناولته منها مختلفة وجديدة فيها الكثير من الجرأة والصدق.

الجرأة طاغية على معظم كتاباتك>

لا إبداع من دون حرّيّة، هذه التي قلت عنها جرأة، الجرأة هي الحرّية لكنها حين تمارسها امرأة، في مجتمعاتنا العربية، تصير النظرة إليها مختلفة ويقال عنها {جرأة}، ذلك أنّ مجتمعاتنا مجتمعات ذكوريّة حتى النخاع. الفكر الذكوري طاغ على عقل المرأة قبل الرجل، ورغم ما حققته المرأة التونسية أو العربية من استقلالية وتقدّم و{مساواة}، مازلت أعتبر أن كلّ ذلك حدث على مستوى سطحيّ ظاهريّ، أمّا الأعماق، ما يحدث داخل الرّؤوس وداخل البيوت المغلقة، فشيء آخر. ما زالت المرأة هناك مكبلة بأغلال موروثة، أغلال ثقافية ترضعها في الحليب المرأة قبل الرجل، لا أظن أن ثمة رغبة حقيقية داخل هذه البلدان لتحرير المرأة فعلياً، الأمر ليس بهذه البساطة وقد يسقط مصالح الكثيرين ويفقدهم سلطتهم وامتيازاتهم. ما زلت أرى أن المرأة في مجتمعاتنا تعتبر وتُعامل ككائن من الدرجة الثانية، يأتي بعد الرّجل، لذلك لا أحبّ هذه الكلمة {جرأة} مع أني أتعرّض لها في أغلب أحاديثي وحواراتي فأقول: لماذا لا يطرح مثل هذا السؤال على الكاتب الرجل الذي يتناول مواضيع: تابوهات {في أعماله؟ ويظل السؤال ينتظر الردّ.

الرواية والشعر

برأيك، هل الزمن اليوم زمن الرواية؟

 أظنّ ذلك، هذا ما تثبته الساحة الأدبية كلّ يوم، وأعتقد أن ذلك يرجع إلى أن الرواية هي أكثر الأشكال الأدبية قدرة على استيعاب ما يحدث في العالم اليوم، لما يجاز فيها مما لا يجاز في بقية الأنماط من توسع وإسهاب وإغراق في التفاصيل والسرد والوصف وتصوير لليومي والمعيش، تعدد الشخوص وحرية تحركها داخل النص واستيعاب الحوار، كل ذلك يمنح الكاتب حرّية لا يجدها في بقية الأنماط الأدبية تخوّله أن يحاكي الواقع ويغرق في الخيال إن شاء.

كيف نعيد الشعر ديواناً للثقافة العربية؟

أظنها مسؤولية مشتركة بين أطراف عدة، المبدع والهياكل الإدارية الثقافية والقارئ، ثم هل من الضروريّ أن نعيد الشعر ديوانا للثقافة العربية؟؟ لا أعلم إن كان ذلك ضروريّا، ففي كل الحالات الشعر حيّ لا يموت، والعالم يتغيّر وعلى الشعر أن يواكب متغيراته، أن يلامس الإنسان ويمشي معه، فمحاولة إعادة الشعر ديواناً للثقافة العربية هي محاولة للرجوع إلى الوراء، وبالتالي هي محاولة لإلغاء الأجناس الأدبية الحديثة التي بدأت تطغى على الساحة، لم يعد الشعر وحده لسان العرب، هناك أنماط أخرى من التعبير وهناك وسائل الاتصال بمختلف أنواعها، تطوّر رهيب يشهده المشهد الثقافي في العالم، كل ما على الشعر فعله هو مواكبة هذا التطوّر،  اللحاق بركب الحداثة من دون التخلّي نهائياً عن رداء الأصالة والتاريخ.

back to top