قطعت جهيزة قول كل خطيب!

نشر في 28-11-2015
آخر تحديث 28-11-2015 | 00:06
 يوسف عوض العازمي ما الذي حدث بالضبط في حادثة إسقاط طائرة السوخوي الروسية؟ هل أسقطت داخل السماء التركية أم قربها؟ بسؤال أوضح هل يمكن أن تقترب طائرات دولة ما من أراضي أخرى وسمائها مراراً، وتستعرض قدراتها، ويكون احتمال اختراقها وارداً، بل قريباً، هل يعقل أن تترك في حالها؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قام بتصرفات نادرة، وهنا لن أتحدث عن تدخله في سورية، فسورية الآن أصبحت معرضا دوليا للأسلحة وساحة لتدخلات الجميع، لكنني أقصد الطريقة غير اللائقة لتعامل روسيا مع لبنان، حينما طلبت من حكومته، وقف الرحلات من وإلى مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت، بسبب المناورات الروسية قرب السماء اللبنانية، حسبما ذكر!، ويعلم المتابع كيف أن لبنان استوعب الموقف بسرعة، حيث حول مسار طائراته إلى جنوب البلاد، وأظن (وهنا قد لا يكون الظن إثماً) أن القيادة الإسرائيلية لها توقيع في الموافقة على هذا المسار، وذلك لقربه من السماء التي تسيطر عليها إسرائيل!

بعد هذا التصرف الغريب المنافي للأعراف الدبلوماسية، وللياقة في علاقات الدول، حصلت حادثة إسقاط الطائرة الروسية، بعد يوم أو يومين، القيادة الروسية تقول إن الطائرة أسقطت داخل سورية، أي في منطقة عملياتها، وتركيا تؤكد أن أجزاء من الطائرة سقطت في أراضيها، والأمر واضح، فالطائرة كانت قرب الحدود التركية، وتم تحذيرها ومن ثم إسقاطها، وأرى أن التصريحات التركية هي الأكثر معقولية.

روسيا، أمام الضعف والتردد الأميركيين، باتت تصول وتجول في الشام، ثم قامت باستعراض القوة أمام تركيا مراراً، كطريقة للتهديد، وكأنها تمثل دور "القبضاي" في مسلسل سوري، لكن كما يقول البدو "جاها راعي الشويهات" لأن تركيا ليست كغيرها، وإردوغان ليس كأي قائد، لاسيما أنه يتسلح بعضويته بحلف "الناتو"، روسيا قد، وهنا ركز معي على كلمة "قد"، تضع عينها على قاعدة أنجرليك الجوية القريبة من الحدود السورية، وتحرشات طياريها تستهدف لفت انتباه من يقود القاعدة، لكنها نسيت أن تركيا ليست سورية، وأنها تمارس سيادتها الكاملة على أرضها وسمائها.  المنطقة الآن على فوهة مدفع، والتحركات العسكرية الروسية أصبحت جدية، إذ بعد فشل إيران في تثبيت حكم الأسد، وتساقط مناطقه الواحدة تلو الأخرى، تدخلت روسيا عسكريا، لحماية حليفها، الذي لم تنفعه لا قيادة قاسم سليماني الإيرانية، للعمليات العسكرية، والتي باء أكثرها بالفشل الذريع، ولا حتى صنيعته "داعش" الذي يهدد العالم بالإرهاب، وهو الذي لم يقترب البتة من دمشق والمناطق التي يسيطر عليها جيش الأسد، ولم يقترب حتى من المصالح الإيرانية!

الأمور في المنطقة ليست كما كانت سابقاً، وإن لم يتدخل العقلاء، فقد تنشب مناوشات عسكرية برية أو جوية بين روسيا وتركيا، ولا ننس أن تركيا من دول "الناتو"، ولن تكون وحدها في المواجهة، وروسيا تطلب منها طلبات تعجيزية، منها الاعتذار والتعويض، وقامت بعمل بعض الإجراءات مثل تحذير المواطنين الروس من السفر لتركيا، وإردوغان لايزال على موقفه، رغم تغير الألفاظ بين تصريح وآخر.

قد يكون لتحركات فرنسا أثر في نزع فتيل التوتر، لاسيما أن رئيسها هولاند على علاقه جيدة بكل الأطراف، لكن السؤال الأهم: هل سترد روسيا على تركيا عسكرياً أو لا؟ أحد التحليلات ذكر أن الرد الروسي سيكون عبر إسقاط طائرة تركية! ولن يسكت بوتين، لاسيما أنه اعتبر إسقاط الطائرة طعنة بالظهر، أو إهانة لروسيا.

لنرجع إلى أول المقال، أعتقد أن المسألة فيها "قد" وأن روسيا لم تقصد تركيا، لكنها قصدت قاعدة أنجرليك، لأن روسيا في هذا الوقت بالذات، تصنف نفسها كدولة عظمى، ولا تعتبر تركيا نداً لها، لكنها جوبهت برد لم تتوقعه، وبالطبع الولايات المتحدة مستمتعة بما جرى، والله يرحمك يا جهيزة، فقد قطعت قول كل خطيب!

back to top