ريما كركي: التورط في «الممنوع» جميل

نشر في 27-11-2015
آخر تحديث 27-11-2015 | 00:01
No Image Caption
حين قرّرت تغيير نمط برامجها سارت بخطى واثقة نحو برنامج يحتكّ مباشرة بالقضايا العامة من دون أي محاذير، ما جعلها إعلامية متميّزة، شكلا ومضموناً، تحدثت عن جرأتها وسائل إعلامية غربية عدّة.
الإعلامية ريما كركي، استهلت موسماً جديداً من برنامج {للنشر} الذي يُعرض عبر محطة {الجديد}، متسلحّة بحماسة المراسلة وبثقافة المحاور القادر على ابتكار حلقة شيّقة، مهما كان مستوى المواضيع المطروحة.
عن برنامجها والواقع الإعلامي تحدثت إلى {الجريدة}.
كيف تقوّمين انتقالك من عالم الحوار الهادئ والشيّق إلى عالم المواضيع الجدلية والفضائح؟

لم أقدّم في برامجي السابقة حواراً هادئاً بمقدار ما كان حيوياً ومشاغباً، يخاطب ذكاء الضيف عبر أسئلة متمايزة، عمّا نسمعه في البرامج الأخرى، أسئلة جديدة لم تطرح من قبل بل «تبنّتها» أهم البرامج وأشهرها في ما بعد، واستغلّ البعض انتشار محطاته لنسب الابتكار إليه. علماً بأن أفكاري مسجلة كلها للحماية القانونية وقد أقدمها مجدداً. أمّا بالنسبة إلى برنامج «للنشر» فهو ليس فضائحياً، ومن يتابعه يعلم أن هذا الانطباع خاطئ، وإذا كانت  ثمة موضوعات توحي بذلك، فأنا أصنفه بـ»الفضيحة الإيجابية»، كونه  يتناول فساد بعض المؤسسات في ظل غياب مبدأ المحاسبة، ويسمّي الأشياء بأسمائها من دون مواربة. وفي حين يعتبر البعض أن طرح قضايا اجتماعية يخرق الخصوصية، أرى أنه لا يمكن غض النظر حين تُستضعف المرأة وتهان من قبل من يستغل غياب القانون العادل وصمت بعض رجال الدين وتجاهله. من هنا يحقق  طرح قضية واقعية نتيجة أفضل من طرح عموميات، وصداه أكبر وممكن أن يشكّل أسلوب ضغط لصالح القضية.

ألا تخرقون الخصوصية بتسمية الشخصيات بأسمائها؟

نحترم الناس ولا نفضح الهويات وإن كنا متأكدين من هوية الجاني، فلا نذكر اسمه أو اسم الضحية، والدليل معالجتنا قضايا أطفال معنّفين من دون إظهار وجوههم عبر الشاشة، من ثم  قدّم البرنامج حلولا لقضايا اجتماعية، حتى إننا أقنعنا متهمين بتسليم أنفسهم وذلك على مرأى من الناس. فضلا عن تقارير هادفة عن المناطق ونقل صورة حاجاتها. برأيي، البرنامج صرخة لكل «صاحب حق» في بلد ليس الحق فيه أولوية، فعندما يتحقق العدل والقانون عندها لا مانع من توقيف البرنامج، أو تغيير مضمونه.

هل شكّل «للنشر» تحدياً بالنسبة إليك خصوصاً أنك لم تؤسسيه على غرار برامجك السابقة؟

كل خطوة في العمل تشكل تحدياَ، وأنا عاشقة للتحدي وباحثة عنه. لقد بحثت محطة «الجديد» كثيراً عمن يمكن أن يتولى هذا «التحدي»، فتلقيت وحدي العرض الجدي بكل تواضع. علماً أنه يقابلني إعلاميان متمرسان في هذا النوع من البرامج عبر شاشات أخرى وفي التوقيت نفسه، في حين أنها تجربتي الأولى. فهل هذا التحدي يُسند لضعفاء أم لأقوياء؟

ألم تخشي من إبقاء الاسم على ما هو عليه؟

طلبت شخصياً هذا الأمر طالما سيبقى المضمون نفسه، فأنا لا أحب التلطي وراء اسم جديد للمضمون نفسه والديكور الذي لم يتغيّر أيضاً لظروف معيّنة، على غرار كثير من البرامج المتشابهة التي تحمل عناوين مختلفة.

أي قضايا عامة تثير اهتمام الجمهور أكثر من سواها؟

يهتم الجمهور بالقضايا الاجتماعية. كما يهاجم بعض القضايا المثيرة رغم متابعته لها. وهنا المأزق في رغبتك بتقديم مواد ثقافية، في حين أن مواد أقل نوعية تحظى أحيانا بنسب مشاهدة أعلى تحدد مع الأسف مصير البرامج. إلا أننا نحرص في «للنشر»، دائماً، على طريقة طرح راقية، مهما اختلفت الموضوعات وتنوع الضيوف.  لا موضوع ممنوعاً بل أسلوب ممنوع.

 ألا تحبذين طرح قضايا سياسية؟

وضع السياسة والسياسيين عقيم  في لبنان لذلك لا انتمي صراحة طائفياً أو طوائفياً إلى أحد، بل أطرح السياسة بإطارها الواسع من دون الدخول في الزواريب. والسياسة لا تستهويني إلا في الأسئلة التي فيها استفادة، إنما  الواقع الطارىء أو المتكرر يبقى مهمة البرامج السياسية.

هل تعرّضت لتهديد أو رشاوى كوسيلة إسكات عن طرح مواضيع معيّنة؟

تعرّضت لتحذير استباقي  لدى عرض الإعلان الترويجي لإحدى الحلقات، بهدف عدم طرح موضوع معيّن، لكنني واجهت هذا التحذير مستهلّة الحلقة به. تهديد واحد كان جدياً. صحيح أن هذا الموقع يعرّضنا لأمور مماثلة لكن البرنامج لا يحتمل اعلامياً حذراً، فالمادة تفرض شفافية مطلقة بل حتى المواقف المطلقة احياناً. لا  يمنع ذلك أننا، أحياناً، نتعب من هذا الضغط الذي لا يخلو من المخاطر. لكن التجربة إضافة جميلة في النهاية، وجميل التورط في «الممنوع» لأنه يشعر الإعلامي بأن دوره أكبر من البرنامج أحياناً.

ألم تكسبي ثقة الجمهور عبر طرح قضايا اجتماعية؟

أظن أنني لو لم أكسب ثقة الناس لما طُلب منّي الاستمرار في البرنامج، ولما بقيت أنا أساساً في هذا الموقع. الحمد لله.

لماذا عملت كمراسلة ميدانية في البرنامج؟

لا يمكن التكلّم عن معاناة الناس من دون لمسها، فإن ذلك يوصل الفكرة بصدق أكبر، خصوصاً أن عرش الاستديو يجعل بعض الأخبار باردة ولا يخدمها كما يجب، وذلك طبعاً وفق طبيعة الموضوع.

إنما يضع الجمهور هالة معيّنة للإعلامي.

الجمهور بات يعلم أن بعض الهالات مصطنعة، نتيجة الضغط الإعلاني الذي يضخّم أهمية هؤلاء. بينما تحدد الاستمرارية من يستحق هذه الهالة، فضلا عن أن أسلوب العمل الصادق يضيف هالة إنسانية عمّا يسمّى نجومية، وهذه الهالة لا يقتلها الزمن كالأولى. إلى ذلك ليست الهالة هاجسي، ولا النجومية، كوني أحب عملي وأعمل بشغف فيما الباقي نتائج.

 هل تفرض الأحداث مواضيع البرنامج أو تطرحين ما يثير إهتمامك الشخصي؟

نحن فريق عمل، لكل اقتراحه، ومن ثم نختار ما قد يعجب الناس أكثر. أحد لا ينجح وحده لذا أحييه لأنه سر طاقة البرنامج وتوفيقه.

ما القضايا التي لا يمكنك الوقوف على  الحياد إزاءها؟

ظلم يتعرض له أطفال، معتد يصر على ظلمه، كل ما يمس بالأبرياء أو بالوطن أو بالجيش اللبناني الذي قدم الكثير وما زال. فالحيادية هنا خطيئة، وبرأيي القضية الوطنية الأساس، راهناً، هي قضية العسكريين المخطوفين فضلا عن الحراك المدني.

هل تتمتعين بمساحة حرية تفسح في المجال أمام طرحك هذه القضايا؟

لم أواجه أي مشكلة من هذا النوع، علماً ألا حرية مطلقة في أي مكان، وثمة تفاوت في نسبها بين مكان وآخر فيكون سقف أعلى من آخر.

تناولك الإعلام الغربي مرّتين، مرّة في الموقف مع الداعية الإسلامي هاني السباعي، ومرة حين صنّفتِ بين الإعلاميات العشر الأكثر إثارة، فما رأيك بذلك؟

أولا، لا أعتبر أن موقفي تجاه هاني السباعي على الهواء غريباً أو متعلقاً بخلفيته الدينية، لأن المسألة كانت احترام الذات،  فأنصف الإعلام الغربي ردة فعلي، مهما كانت الدوافع، وشكّلت فرصة لي لأوضح أموراً كثيرة وجميلة عن بلدي وقوة نسائه في مقابلات عبر قنوات عالمية، إذ حضرت «كانال بلوس» الفرنسية إلى بيتي لإعداد تقرير جميل لأهم برامجها، فضلا عن تقارير عبر محطة ألمانية ويونانية وفنلدية وبلغارية، كما استقبلتني المحطة المعروفة «الراي اونو» الإيطالية في استديو أهم برامجها. إلى ذلك  كتبت عني صحف رئيسة عالمية ومواقع إلكترونية. فبادرت قناة «الجديد» إلى إهدائي كتاباً يختصر كل ما كتب عني في هذا المجال، مبدية فخرها بي، وإدارتها مشكورة على تقديرها هذا. أما بالنسبة إلى التلفزيون الفرنسي الذي اختارني ضمن الإعلاميات الأكثر إثارة في العالم، فهذا جميل، ولم لا؟ جميل أن تكون المرأة جذابة «بطبيعيتها» في عين أناس لا تربطها بهم مصلحة ولا علاقة ولا تخطيط، على غرار ألقاب كثيرة تمنح هنا وهناك. فعلى الأقل حمل اللقب مصداقية، أفرحتني.

تنهين دائماً مسيرة برامجك في أوّج النجاح، هل ينطبق ذلك على «للنشر»؟

طبعاً، لأن إيقاف البرنامج في  أوجّه يجعله تجربة استثنائية في عين الجمهور وعين من قدمه في آن. لا أحتمل أن يقال عن أي برنامج أقدمه إنه بدأ يتراجع، على غرار برامج أخرى بدأت مهمة ثم غدت مملة، لأنها لم تتوقف في الوقت المناسب.  الانتقال من نمط الحوار المرح  الذكي الذي اعتدته ويشبهني، إلى نمط الخدمة الاجتماعية والنقاش الحاد، كان تحدياً بحد ذاته،  وفي حال تشابهت القضايا لاحقاً من دون تغيير صيغة البرنامج، لن أشعر عندها بأنني أحقق إضافة معيّنة. بالفعل كان اتفاقي مع المحطة تقديم برنامج اقترحته عليها بعد مرور عام لي في «للنشر»، وهي فكرة جميلة تحمّسني، لكن المحطة أصرت على استمراري في البرنامج ما يدل على نجاحه، إلى حين تأتي الفرصة لإقناعهم بأنني أكتفيت من اكتساب الخبرة المطلوبة واكتفى الجمهور منه، عندها سأبحث عن تحدٍّ آخر.

 الواقع الإعلامي... ومشاهد الموت

• ما رأيك بالواقع الإعلامي في لبنان والعالم العربي؟

ثمة إعلاميون يستحقون لقب «صنّاع السلام» كونهم يعانون ويخاطرون ويفكرون أبعد من الوسائل الإعلامية التي يعملون فيها، فيُتكّل عليهم لأن موقعهم أكثر تأثيراً من السياسيين. ثمة صحافيون شرفاء يقدمون الكثير للمهنة، والاستفادة من نقدهم جزء رئيس لتطوير الأداء. في المقابل، ثمة  صحافيون يقبضون من البعض لمهاجمة البعض الآخر، ويرتشون لمديح «أهل البلاط»،  ويهاجمون كل من يثبت نفسه عبر فبركة إشاعات مضحكة.

• ما رأيك بعرض مشاهد الموت والضحايا عند وقوع تفجيرات إرهابية؟

عرض الجثث والذبح والعنف، يخدم «الخوف» من المعتدي، وبالتالي يخدم الإرهاب. وعلينا عدم تناقل أشرطة التهديد والوعيد والمجازر، لأن هذا ما يريدوننا أن نفعله، عدا حرمة القتلى والشهداء.

back to top