المصالحة والخطايا السبع

نشر في 27-11-2015
آخر تحديث 27-11-2015 | 00:08
 د. محمد لطفـي منذ سنتين ونصف والشعب المصري يعيش حالا من الانقسام والخلاف غير مسبوقة طوال تاريخه القديم والحديث على السواء، وبين فترة وأخرى نسمع عن دعوات للمصالحة والتوافق ونبذ الخلاف، لكن هذه الدعوات كلها– للأسف- محكوم عليها بالفشل تماما، ولا أمل في نجاحها وإتمامها في ظل الوضع الحالي، فكما ذكرت في مقالي السابق أن وحدة الشعب وقت الأزمات تتوقف على عوامل غير متوافرة الآن (وجود مشروع قومي حقيقي وصدق القيادة وإخلاصها)، وبالتالي فكل دعوات المصالحة ستضيع هباء منثورا.

ومن الناحية النفسية من الصعب جدا أن يُطلب من أب مثلا شاهد مقتل ابنه سواء كان طالبا جامعيا يعبر عن رأيه أو مواطنا متظاهرا أو جنديا يحرس الحدود أن يتنازل عن حق ابنه الذي فقده، خصوصاً أنه لم يلمس أي تغيير أو تحسن كنتيجة مباشرة لاستشهاد ابنه، ومازال يشعر أن دم ابنه ذهب بلا مقابل، فمن الصعب أن تطلب منه أن يتنازل ويعفو ويصفح... كل ذلك يجعل المصالحة الآن شبه مستحيلة، وإن تمت فهي مصالحة سطحية تخفي أكثر مما تظهر، ولن تستمر، وكما نقول يظل "اللي في القلب في القلب".

وبعيدا عن العامل النفسي وصدق القيادة وغياب المشروع القومي الحقيقي هل توجد أسباب أخرى عند الشعب تمنعه من الوحدة ورفض الانقسام؟

نعم توجد أسباب "وإن شئت أخطاء تصل لدرجة الخطايا" وسأكتفي كأمثلة بثلاث خطايا:

أولاً: اختزال الوطن في أفراد: فأن يتحول الوطن إلى مجرد فرد (مهما كان) وأن يتم اختزال البلد كله في شخص انطلاقا من مقولة لويس الرابع عشر "أنا فرنسا وفرنسا أنا" أمر في غاية الخطورة، وخطيئة كبرى أن يتحول نقد الشخص إلى كره للبلد، وانتقاد النظام إلى خيانة للوطن، فهذا الفكر من أكبر الأسباب التي تمنع وحدة الشعب، فكيف يمكن أن يجتمع خائن (في رأي البعض) مع شريف أو كاره مع محب؟!

ثانياً: الجيش ودوره: يعترض الكثيرون على دور الجيش المتنامي في الحياة المدنية، وتدخله في الحياة السياسية، وهيمنته على الكثير من المشروعات الاقتصادية، فقد أدى ذلك إلى اختلاط الحابل بالنابل كما نقول، فلم نعد ندري أي المشروعات يديرها الجيش، وأيها تنفذها الحكومة؟ أي الخطط يجب مناقشتها والحوار حولها وأيها أسرار عسكرية خاضعة للأمن القومي؟ هذا الخلط المتعمد لدور الجيش أصاب البعض بالقلق والرفض، فالجيش كمؤسسة وأفراد أكبر بكثير مما يحدث الآن، وهو مصدر فخر لمصر وعزة لها، لا أن يتباهى البعض الآن بشفطه للمياه وتوزيع المواد التموينية، والخلاف بين هؤلاء وهؤلاء أكبر من قدرتهم على الوحدة والاتفاق.

ثالثاً: عقدة الإخوان: أصبحت جماعة الإخوان تمثل عقدة نفسية عند الكثيرين، فأي معارض هو منتم للإخوان، وباعتبارها إرهابية فأي معارض إرهابي، وباعتباره إرهابي فهو خائن للوطن. هذا التسلسل الفكري الذي يتحكم في عقل البعض يجعل تقبله للآخر مستحيلا وبالتالي فلا مصالحة.

هكذا تبدو المصالحة في الوقت الحالي غير ممكنة والدعوة إليها ليست إلا بالونات اختبار وفرقعة إعلامية، والسؤال هل نحتاج الآن لمثل هذه البالونات والفرقعات الإعلامية؟! أم نحتاج إلى حل حقيقي وواقعي؟ وما هو؟

هذا موضوع آخر في مقال آخر.

back to top