الكالسيوم... ما الكمية التي نحتاج إليها؟

نشر في 27-11-2015
آخر تحديث 27-11-2015 | 00:01
تشير الأدلة الأخيرة إلى أن تناول جرعة عالية من المكملات الغذائية التي تحتوي على الكالسيوم لا تحول دون الإصابة بالكسور، لا بل قد تشكل خطراً. حفظت على الأرجح، على غرار نساء كثيرات، الحاجة الدنيا إلى الكالسيوم (1000 مليغرام يومياً للنساء في سن الخمسين أو أقل و1200 مليغرام للنساء بعد سن الخمسين) وتتبعينها بدقة بغية الحفاظ على عظامك. لكنك قد تستغربين حين تعرفين أن كثيراً من السلطات الصحية لا تؤيد هذه التوصيات. يعتقد الدكتور والتر ويلت، رئيس قسم الأغذية في كلية ت. هـ. تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد، أنك تحققين النتائج ذاتها بتناول نصف هذه الكمية فحسب. يقول: {أعتقد أن النساء البالغات لا يحتجن إلى 1200 مليغرام من الكالسيوم يومياً. وأظن أن توصية منظمة الصحة العالمية، التي تحدد هذه الجرعة بنحو 500 مليغرام، أكثر دقة على الأرجح. وتحدد المملكة المتحدة هذا الهدف مع 700 مليغرام، وهي جرعة ملائمة أيضاً لأنها تسمح بهامش تلاعب صغير}.

لمَ التوصية بـ1200 مليغرام؟

تُعتبر كمية الكالسيوم الملائمة ضرورية للصحة الجيدة، لا لأنه يشكل فحسب مركباً مهماً في عظامنا. فيؤدي الكالسيوم أيضاً دوراً حيوياً في الحفاظ على حسن عمل أعضائنا وعضلات هيكلنا العظمي. ويحصل الجسم على كمية الكالسيوم الأساسية التي يحتاج إليها لوظائفه الأساسية بإطلاق الكالسيوم المحتجز داخل العظام في مجرى الدم، وذلك بإعادة تشكيل العظام (عملية تفكَّك فيها العظام باستمرار ويُعاد بناؤها باستمرار).

بما أن كثافة العظم تتراجع عندما تتخطى عملية تفكك العظم تشكله، اعتبر العلماء أن من المنطقي الحفاظ على معدل كالسيوم مناسب في مجرى الدم للحؤول دون امتصاص الجسم الكالسيوم من العظم. وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي، أشار عدد من الدراسات الوجيزة إلى أن استهلاك 1200 مليغرام من الكالسيوم يومياً قد يحافظ على توازن الكالسيوم في جسم المرأة في سن اليأس.

بالاستناد إلى هذه الدراسات، رفعت هيئة معهد الطب عام 1997 كمية الكالسيوم الموصى باستهلاكها من 800 مليغرام إلى 1200 مليغرام يومياً في حالة النساء اللواتي تخطين سن الخمسين. لكن هذا القرار لم يكن حكيماً. يوضح الدكتور ويلت: {ارتكز القرار على دراسات بشأن توازن الكالسيوم دامت بضعة أسابيع. لكن توازن الكالسيوم يُحدد على مدى سنوات}. علاوة على ذلك، ما من دليل على أن استهلاك هذه الكمية الكبيرة من الكالسيوم يحول دون الإصابة بكسور. رغم ذلك، ما زالت هذه التوصيات متبعة منذ ذلك الحين.

ما كشفته الأبحاث الأخيرة

في العقدين الماضيين، سعت تجارب سريرية كثيرة شملت آلاف النساء بعد سن اليأس إلى تحديد كمية الكالسيوم المستهلكة التي تؤثر في خطر التعرض لكسر في الورك. ففي كل من هذه الدراسات، وُزعت النساء عشوائياً على مجموعتين: تلقت الأولى الكالسيوم ومكملات غذائية تحتوي على الفيتامين D (للمساهمة في امتصاص الكالسيوم)، في حين تناولت الأخرى أدوية وهمية. وبعد بضع سنوات، تأمل الباحثون عدد كسور الورك في كل مجموعة، وإليك ما توصلوا إليه:

• لا تمنع المكملات الغذائية التي تحتوي على الكالسيوم والفيتامين D الكسور. وهو ما كشفته دراستان بريطانيتان عام 2005، وأكَّد صحة هذه الخلاصة تقرير صدر عام 2006 من مبادرة صحة المرأة، إذ أظهر أن احتمال التعرض لكسر في الورك لم يتراجع في حالة 18000 امرأة بعد سن اليأس تناولن مكملاً غذائياً يحتوي على 1000 مليغرام من الكالسيوم و400 وحدة دولية من الفيتامين D، مقارنة بالعدد ذاته من النساء اللواتي تناولن علاجاً وهمياً، مع أن كثافة عظم الورك ازدادت بمقدار بسيط، علماً أن هذا التبدل الطفيف قد يكون ناجماً عن استهلاك الفيتامين D لا الكالسيوم. إذاً، لا يساهم استهلاك كميات كبيرة من الكالسيوم، سواء في الغذاء أو على شكل حبوب، في الحد من خطر التعرض لكسر في الورك.

هذه كانت الخلاصة التي توصل إليها تقرير أعده علماء سويسريون وأميركيون أجروا تحليلاً لأكثر من عشر دراسات عن الكالسيوم.

سلبيات مكملات الكالسيوم

كشفت الدراسات أيضاً بضعة أوجه سلبية لاستهلاك كميات كبيرة من المكملات الغذائية التي تحتوي على الكالسيوم، مع أن هذه لا تنطبق على الكالسيوم الذي نستمده من غذائنا اليومي:

• زيادة خطر الإصابة بحصى الكلى: واجهت النساء اللواتي تناولن تركيبة من الكالسيوم والفيتامين D في مبادرة صحة المرأة خطراً أكبر عرضهن لاحتمال الإصابة بحصى الكلى، مقارنة بالنساء اللواتي أخذن علاجاً وهمياً. صحيح أن العلماء يعتقدون أن المعدلات العالية من الكالسيوم في الغذاء قد تحمي من حصى الكلى، إلا أن جرعات الكالسيوم الكبيرة من المكملات الغذائية قد تزيد تشكل الحصى برفع نسبة الكالسيوم الذي يخرج من الجسم عبر البول.

• ارتفاع خطر التعرض لنوبة قلبية: في دراسة عشوائية شملت 1471 امرأة بعد سن اليأس في نيوزيلندا، عانت 21 من النساء الـ732 اللواتي تناولن 1000 مليغرام من الكالسيوم يومياً نوبات قلبية، مقارنة بعشرة في الـ736 الذي أخذن علاجاً وهمياً. كذلك ربط تحليل تناول عام 2010 أكثر من 15 تجربة عشوائية مضبوطة المكملات الغذائية التي تحتوي على الكالسيوم بارتفاع خطر الإصابة بنوبة قلبية. حتى إن بعض الباحثين يعتقد أن مكملات الكالسيوم الغذائية قد تساهم في مرض القلب برفع معدلات الكالسيوم في الدم، ما قد يسبب بدوره تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم.

الفيتامين D مهم

يُعتبر الفيتامين D أيضاً بالغ الأهمية بالنسبة إلى صحة العظم. اعتمدت الكميات الموصى بها يومياً من الفيتامين D بادئ الأمر للمساهمة في تفادي الكساح (حالة تكون فيها العظام النامية طرية وتتقوس) لدى الأطفال.

يُنتج الفيتامين D في البشرة من خلال تعرضه للأشعة ما فوق البنفسجية في نور الشمس. لكن الكميات المنتجة تختلف كثيراً باختلاف الأشخاص. فمن يملكون بشرة داكنة ينتجون مقداراً أقل من الفيتامين D، مقارنة بمن تكون بشرتهم فاتحة اللون. بالإضافة إلى ذلك، تتراجع القدرة على إنتاج الفيتامين D في كل الفئات مع التقدم في السن.

 أما إذا اتبعت النصائح الموصى بها للحد من خطر الإصابة بسرطان الجلد بوضع الكريمات الواقية وارتداء الملابس التي تقيك من أشعة الشمس، فتحدين أيضاً من إنتاجك الفيتامين D.

صعّبت هذه العوامل المتغييرة كافة على الباحثين تحديد كمية الفيتامين D التي ينتجها الناس، بالإضافة إلى المقدار الذي يتناولونه كمكملات غذائية. لكن الأدلة من الدراسات، التي قاست معدلات الفيتامين D في الدم، تشير إلى أن المعدلات التي تبقى ضمن المدى الطبيعي إلى المرتفع هي مثالية لبناء العظم. ولبلوغ هذه المعدلات، عليك على الأرجح تناول 800 إلى 1000 وحدة دولية من الفيتامين D كل يوم.

خلاصة القول

لعل الدرس الأبرز الذي نستمده من الدراسات أن الكالسيوم والفيتامين D كليهما ضروري لبناء العظم. ولكن السؤال الذي ينشأ: كم يجب أن نتناول من كل منهما؟ ينصح الدكتور ويلت بخفض نسبة الكالسيوم وزيادة نسبة الفيتامين D عما توصي به التوجيهات: 500 إلى 700 مليغرام يومياً من الكالسيوم و800 إلى 1000 وحدة دولية من الفيتامين D. ولكن وفق هذا المعدل، ستحصلين على الأرجح على معظم أو حتى حاجتك كافة من الكالسيوم من الطعام، وخصوصاً إن كنت تتناولين حصة أو اثنتين من مشتقات الحليب يومياً. أما إذا كنت عاجزةً عن تحمل هذه المشتقات، فيمكنك الحصول يومياً على نحو 300 مليغرام من الغذاء لتضيفي إليها مكملاً غذائياً من الكالسيوم منخفض الجرعة لسد حاجتك بالكامل. وإذا أبقيت استهلاكك اليوم من هذه المكملات نحو 500 مليغرام أو أقل يومياً، تتفادين المخاطر المحتملة المرتبطة بمرض القلب وحصى الكلى التي تشير إليها الدراسات. صحيح أن الفيتامين D يُضاف إلى الحليب وبعض أنواع الأطعمة، إلا أنك ستحتاجين على الأرجح إلى مكمل غذائي لتحرصي على حصولك على الكمية الكافية. ويكفي أن تتناولي كبسولة تحتوي على 800 إلى 1000 وحدة دولية منه.

back to top