الشقيقان عبدالسلام... أخوان بالدم!

نشر في 26-11-2015
آخر تحديث 26-11-2015 | 00:01
فجّر الأخ الأكبر ابراهيم نفسه أمام مقهى {كونتوار فولتير} في 13 نوفمبر في باريس. وشارك شقيقه الأصغر صلاح في تلك العملية الانتحارية أيضاً قبل أن يهرب. يبدو أن هذين الشقيقين القادمين من ضاحية مولينبيك البلجيكية أصبحا متطرفين خلال بضعة أشهر ومن دون أن يقصدا المساجد!
ابراهيم وصلاح ومحمد هم ثلاثة أشقاء وُلدوا وتربوا سوياً ولم يفارقوا أهلهم يوماً. كانوا يحبون أن يقولوا إنهم {فرنسيون}: وُلد أبوهم في وهران قبل الاستقلال في عام 1949، وقد احتفظ بجنسيته الفرنسية بعد عودته إلى المغرب. هو في الأصل من بلدة بويفار في شمال شرق المغرب. في كل عطلة مدرسية، تعود العائلة إلى مولينبيك وتسترجع مظاهر حياتها البلجيكية. لا ترتبط عاداتهم بالدين بشكل أساسي، مع أن الأب يصلي كل يوم جمعة وقد تربى الأبناء على التقاليد.

في عمر العشرين، عمل صلاح في جمعية النقل العام في بروكسل طوال سنتين ثم كعامل صيانة في مستودع في عام 2009. أما محمد، فقد بدأ العمل في دار البلدية في عام 2006. لكن مع انتخاب أعضاء البلدية الجدد في عام 2012، لوحظ أن عائدات عائلة عبد السلام باتت تتجاوز المئة ألف يورو. بعد إنهاء مرحلة الدراسة، انشغل الابنان بالسهر في الحانات والذهاب إلى السينما وكانا يقومان بمختلف النشاطات الترفيهية العادية. كانا يشبهان جميع الشباب في عمرهما، لكن واجه الأشقاء الثلاثة مشكلة مع العدالة بسبب جنح صغيرة مثل سرقة وتهريب وثائق مزورة.

تورط ابراهيم بقضية تهريب أسلحة في عام 2005. لكن تعامل معه القضاء البلجيكي بتساهل، فمنحه فرصة أخيرة لأنه عبّر عن ندمه. حُكم عليه بالسجن لعشرين شهراً وكان أهله يزورونه في السجن ويدفعون تكاليف المحامي كاملة. وعند إطلاق سراحه، تواجد شقيقاه صلاح ومحمد إلى جانبه، ما يثبت مدى ترابط أسرة عبد السلام في مولينبيك التي تسجل نسبة بطالة مرتفعة.

حشيش وكحول وسهر

لكن كان الأشقاء الثلاثة مختلفين: بدا ابراهيم كسولاً وغير ناضج وكان عاطلاً عن العمل وينام حتى وقت متأخر من اليوم ويدخن الحشيش ويشرب الكحول. تزوج ثم تطلق بعد سنتين. صحيح أنه كان الابن البكر لكنه لم يكن قيادياً بطبيعته، بل إنه كان الأقل براعة بين أشقائه. في عام 1998، أضرم النار في منزل العائلة حين كان يبلغ 14 عاماً. لطالما كان ضعيفاً ويسهل التأثير عليه. يقول محاميه السابق إنه لم يتفاجأ حين سمع أنه فجّر نفسه من دون إسقاط ضحايا. يظن أنه لم يجرؤ على تنفيذ المهمة حتى النهاية.

أما صلاح، فقد كان شاباً حيوياً وماكراً ومجنوناً. في بداية عام 2011، طُرد من عمله بسبب تغيّبه الدائم بلا مبرر. ثم تبين أنه كان مسجوناً بتهمة السطو. كان الشقيقان يقصدان حانة قديمة حيث يلعبان الورق ويشربان الكحول. شاركا أيضاً في تهريب السيارات وهياكلها وكان ابراهيم يقدم المخدرات للعملاء في مقهى يملكه. كانت خطابات {الدولة الإسلامية} ودعوات الحرب تُذاع هناك، فيظهر ملثمون يدعون الأوروبيين للانضمام إليهم، وكان ابراهيم يشاهدها وكأنها أفلام حرب.

على الحاسوب، لم يكن الشقيقان يشاهدان مجاهدين مجهولين فحسب، فقد أصبح أحد أصدقائهما نجماً في {الدولة الإسلامية} وظهر اسمه في التحقيقات المرتبطة بالاعتداءات التي جرى إحباطها في بداية السنة. لم يكن يخشى أن يظهر مكشوف الوجه في فيديوهات ينشرها التنظيم الإرهابي.

ذهب رفاق آخرون للأخوين عبد السلام إلى سورية. فقد سمع الجميع في مولينبيك أن شقيقة رفيقهما محمد بزروع اصطحبت أبناءها إلى هناك. كان عام 2015 عام التنقلات بالنسبة إلى صلاح وابراهيم، لكن بقيت رحلاتهما غامضة. في شهر أغسطس، اتجه صلاح إلى اليونان في عبّارة من إيطاليا. وفي شهر يناير، كان ابراهيم قد جرّب حظه لكن تم توقيفه في تركيا.

يحذر رئيس مجلس المساجد في مولينبيك، جمال حبشيش، من محاولات محاربين قدامى توزيع المال على الشبان لإقناعهم بالذهاب إلى مناطق الصراع. في يناير 2015، ترك صلاح لحيته تنمو قليلاً وأوقف التدخين والشرب. في بويفار، أخبر نسيبه برغبته في التديّن. لكن ظن الجميع أن الأخوين بدآ ينضجان بكل بساطة. في إحدى المناسبات، كان ابراهيم يشاهد التلفزيون، فتحدث بكل حماسة وعصبية عن {الدولة الإسلامية} والبغدادي والحرب في سورية وضربات قوات التحالف ضد الإرهاب في العراق واليمن.

تدريبات مكثفة على القتال

في مولينبيك التي صدّرت عدداً كبيراً من المجاهدين، بدأ الشقيقان يستعدان ويتدربان على الملاكمة والقتال والدفاع عن النفس. داهمت الشرطة المقهى الذي يملكانه وأقفلته بسبب بيع مواد مخدرة هناك، فقررا بيعه. احتفظ الشقيقان ببطاقات الائتمان والسيارات. هل كانا ينويان الموت فعلاً أم أنهما كانا يخططان للهرب؟ يقول نسيبهما إن ابراهيم اتصل به وأخبره بأنه ينوي المجيء إلى المغرب في شهر ديسمبر لإنشاء مشغل هناك. هل يمكن أن يخدع الشخص عائلته لهذه الدرجة؟ وفق شاهد عيان، اختلف الشقيقان بشدة في 12 نوفمبر لأن أحدهما رفض الرحيل من دون مقابل مادي! يؤكد شقيقهما محمد على أنهما لم يقولا له {وداعاً ولا إلى اللقاء}!

back to top