Numero Zero لأومبيرتو إيكو: المؤامرة مجدداً!

نشر في 26-11-2015
آخر تحديث 26-11-2015 | 00:01
No Image Caption
تمثل رواية أومبيرتو إيكو السابعة Numero Zero استمراراً لمحور. إنها قصة صحيفة لا تُنشر تتبع مؤامرة، حقيقية أو متخيلة، تربط مجموعة كبيرة من الحوادث في التاريخ الإيطالي، من مقتل موسوليني عام 1978 إلى خطف واغتيال رئيس الوزراء السابق ألدو مورو على يد الألوية الحمراء.

يشدد صحافي يُدعى براغادوتشيو: {الفكرة الرئيسة أن كل ما سمعناه خاطئ أو مشوه، وأننا طوال 20 سنة كنا نعيش كذبة. لطالما قلت: لا تصدق مطلقاً ما يُقال لك}. واللافت أن هذا ينطبق أيضاً على القصة نفسها التي ينقلها المراسل نفسه}.

لطالما تلاعب إيكو بمسألة المعنى: في انتقاداته ومقالاته، في دراسته الإشارات والرموز وتداخل النصوص، وفي أعماله الخيالية أيضاً. فمن أشهر أعماله (في الولايات المتحدة على الأقل) روايته عام 1980 The Name of the Rose، إلا أن Numero Zero تذكر أكثر بروايتين لاحقتين هما Foucault’s Pendulum وThe Prague Cemetery. في هذين الكتابين أيضاً، يسلط الضوء على مؤامرات لها جذور عميقة تمتد عبر التاريخ: سلسلة من روايات الظل توضح أو تقوض تفسيرنا للعالم. ففي الرواية الأولى، هذه المؤامرة مختلقة، مع أن تداعياتها عميقة، وفي الثانية، قد لا تكون كذلك.

تقع Numero Zero في مكان ما في الوسط، إذا تخلط بين الخيال والحوادث الواقعية. حتى أبطالها لا يصدقون بالكامل الرواية التي يحبكونها، إلى أن يفرض الخطر نفسه. فهل القصص الغامضة التي يقدمها براغادوتشيو حقيقية أم أنها {نسخة يفبركها هو من الواقع}؟ ويكتسب هذا السؤال أهمية أكبر في بيئة مكاتب الصحيفة حيث لا يعكس الظاهر دوماً الواقع.

هذه الصحيفة، التي تُدعى {دوماني} أي الغد، هي مجرد خيال، نوع من المنشورات السرية، يمولها أحد عمالقة الفنادق والاتصالات. تنوي نشر فقط {اثني عشر عدد صفر (0/1، 0/2، وهكذا دواليك) تُطبع بأعداد صغيرة من النسخ الخاصة التي يتحقق منها القائد قبل أن يُرتب أمر إيصالها إلى أناس محددين يعرفهم}.

الهدف من كل هذا استعمال هذه الصحيفة كوسيلة تهديد وكآلية للابتزاز، مع الوعد بإقفالها مقابل فتح أبواب السلطة. هذه فكرة مثيرة للاهتمام، وهي تدفع Numero Zero إلى عالم النقد والهجاء، فيما يعد كتّاب {دوماني} ومحرروها سلسلة من الأخبار والمقالات، التي تبلغ ذروتها مع مؤامرة براغادوتشيو.

يحاول إيكو من خلال هذه الرواية إيصال فكرة أن الحقيقة غير مهمة وأنها ليست السبب الذي يجعل الناس يقرأون الأخبار. فالخبر بحد ذاته ليس الأساس، بل السلطة هي كذلك. تسأل إحدى الشخصيات (شاب لطيف يُدعى سيماي) محرر {دوماني}: {أتقول إن علينا التحقق مما إذا كان القائد راضياً عن كل مقال؟}. والرد؟ {هذا مؤكد لأنه أكبر المساهمين في الصحيفة، حسبما يُقال}.

من الصعب أن نقرأ هذا الحوار في عصر دعم الإعلام وملكية الشركات من دون أن نشعر برعشة في داخلنا. أو إليك هذه الفكرة: {تقوم الرواية على فكرة أن الصحف لا تسعى إلى نشر الأخبار، بل إلى تغطيتها. على سبيل المثال، يحدث أمر ما وعليك نقله، إلا أنه يسبب الإحراج لعدد كبير من الناس. لذلك تضيف في العدد ذاته عناوين صادمة، مثل أم تقتل أولادها الأربعة، المدخرات قد تتبخر في الهواء... وهكذا يغرق الخبر في بحر من المعلومات}.

صحيح أن أحداث Numero Zero تدور في عام 1992، ولكن ينطبق وصف إيكو على المشهد الصحافي الحالي الحافل بالأخبار الساخنة والحيل المخفية. فكيف يمكننا التعاطي مع هذا الفيض مع المعلومات؟ تلمح هذه الرواية إلى أننا لا نستطيع ذلك. ولا تتوقف المسألة عند هذا الحد. فيبقى الهدف الرئيس تثبيطنا ومنعنا من فهم الصورة الكاملة.

إذا بدا لك هذا قاتماً، فهو كذلك، مع أنه أيضاً مؤثر جداً. إنه نوع من التحسر في هذا الإطار. يقول سيماي عن أحد أخباره المحتملة: {ترتبط هذه المسألة بما حدث قبل 45 سنة، في حين أن قراءنا لا يملكون أدنى فكرة عما حدث قبل 10 سنوات}.

رواية فارغة

تبدو Numero Zero فارغة كرواية. تشعر أنها لم تتطوَّر كفاية ولم تحظَ بالتفكير والتأمل الكافيين. أولاً، تأتي في كتاب صغير من 160 صفحة، وتبدو أقرب إلى مجموعة من الأفكار الرئيسة، لا رواية متكاملة المعالم. حتى شخصياتها، مثل الراوي (رجل آخر يُدعى كولونا يبدو مستنفداً في منتصف عمره)، تفتقر إلى الحياة الداخلية الضرورية، فيما يشبه كثير من مشاهدها الوعظ، مع مناجاة ذاتية إيضاحية تقدّم أفكاراً أو التخمينات من دون أن تشمل أي دافع دراماتيكي حقيقي.

يخبرنا كولونا: }لا أعلم ما إذا كان براغادوتشيو راوياً ممتازاً كان يطلعني على قصته على أجزاء مضمناً كلاً منها التشويق اللازم ومنهيه بعبارة {يتبع}، أو أنه ما زال يحاول لملمة كل أجزاء هذه الحبكة}. لكن المؤسف أننا نستطيع قول الأمر عينه عن عمل إيكو هذا.

أريد أن أسأل: ما هي نواياه هنا؟ ماذا يحاول أن يقول؟ إن كانت الفكرة عرض الطرق التي تتلاعب بها وسائل الإعلام وتدير المعلومات، فعلى إيكو أن يتعمق في هذه المسألة أكثر. فالصحيفة التي لا تصدر لا تُعتبر صحيفة حقيقية البتة. أما إذا كان يسعى إلى إزالة طبقات من الواقع المقبول ليشكك في نسيج الرواية الرسمية، فأعتقد أن هذا يأتي متأخراً وبمقدار ضئيل.

في مطلق الأحوال، لا تتحول Numero Zero إلى رواية نصدقها بالكامل، بل تبقى مجرد تجربة فكرية أكثر منها قصة. يسأل براغادوتشيو: {هل انتهى الأمر حقاً أم أن مجموعة عنيدة ما لا تزال تعمل في الظل؟}. لا تمكن مشكلة الرواية في أن الجواب غير أكيد (فكيف يمكن ألا يكون كذلك؟)، بل في أن لا تأثير لذلك بأي طريقة من الطرق.

back to top