معارك هيكل بين الصحافة والسياسة (الأخيرة) عند افتراق الطرق

نشر في 17-11-2015 | 00:01
آخر تحديث 17-11-2015 | 00:01
السادات قرر الانتقام منه بتعيين علي أمين مكانه في «الأهرام»

وصلت العلاقة بين محمد حسنين هيكل وأنور السادات إلى مفترق طرق، غداة انتصار حرب أكتوبر 1973، عندما قرر الرئيس محو ميراث سلفه والعبث بالهوية المصرية ملقياً بأوراق اللعبة في جعبة الأميركان، وكان اقترابه من ثعلب السياسة الأميركية هنري كيسنجر مؤشراً على مقدار ابتعاده عن هيكل، الذي أصيب بصدمة من انصياع السادات لشروط الأميركان وإسرائيل، لتنتهي العلاقة بين الرئيس والجورنالجي بافتراق السّبل، وكان المشهد الختامي أكثر دلالة من الكلمات، هيكل في المعتقل والسادات قتيل فوق المنصة.
لم يكن قرار الرئيس أنور السادات بإبعاد محمد حسنين هيكل عن "الأهرام" يحتاج إلى تفسيرات، ولكن أن يأتي بعلي أمين بالذات من بين كل الصحافيين، بديلاً لهيكل في موقعه الأثير، فهذا ما يحتاج إلى ألف علامة تعجب واستفسار وربما استنكار.

لم يكن السادات يحب علي ومصطفى أمين، وكان وجودهما في تلك الفترة يبدو كأنه ضرورة سياسية أملتها ظروف مرحلة جديدة يتجه إليها أنور السادات، وهذا صحيح، ولكن لماذا هذه النزعة الانتقامية تجاه من كان إلى وقت قريب أقرب الناس إليه؟، يقول السادات: "عندما قررت إخراج هيكل كان لابد أن أقرن ذلك بـ"صدمة كهربائية" لكل من في "الأهرام"، فهيكل لم يكن رئيس تحرير جريدة، ولكنه جعل من الأهرام حزباً، وصار كل واحد في "الأهرام" يظن أنه "هيكل صغير" يشارك في حكم البلاد، وكان لابد من صدمة تجعلهم يفيقون، وكانت الصدمة هي علي أمين، وكانت تلك رسالة أولى.

أراد السادات أن يجرح هيكل نفسياً، ربما رداً على جروح نفسية كثيرة عاناها من هيكل، سواء في ظل عبدالناصر، أو حتى عندما أصبح رئيساً للجمهورية. أراد أن يخفي عنه من يخلفه، وكان أي شخص سيكون بمنزلة مفاجأة لهيكل، ولكن علي أمين لم يكن مجرد "مفاجأة"، بل كان اختياره مقصوداً لا ليكون مفاجأة، بل ليكون جرحاً في النفس عميقاً وجائراً... كان تعبيراً عن كره عميق تجذر داخل السادات تجاه هيكل... كرهٌ يتحدث عنه أحمد بهاء الدين الذي خلف علي أمين في رئاسة تحرير الأهرام فيقول: "من أول مقابلة مع الرئيس السادات، إلى يوم تركت "الأهرام" كنت أشعر أن الرئيس يكره هيكل أكثر مما تصورت أول الأمر"، ثم يتابع: "وبدأت أشعر أن نقمة السادات على هيكل قد تعدت شخص هيكل إلى جريدة الأهرام ذاتها".

***

بعد 9 أشهر على ما بدا أنه قطيعة نهائية بين السادات وهيكل، وفي يوم 20 أكتوبر سنة 1974 وصل هنري كيسنجر إلى المنطقة وزيراً لخارجية "جيرالد فورد" هذه المرة، والتقى الرئيس السادات، ولم يفاجأ السادات كثيراً حين وجد أن كيسنجر يطالبه بتخفيف طلباته من أجل الوصول إلى اتفاق ثان لفك الارتباط، وقام كيسنجر بشرح مطول لأحوال جيرالد فورد أمام السادات، الذي أحس بإحباط شديد، خصوصاً أنه كان على وشك السفر إلى الرباط لحضور اجتماع قمة عربي تقرر له يوم 28 أكتوبر، ولكنه فوجئ أن كيسنجر يوجه إليه ما يكاد أن يكون إنذاراً، وكان تقدير كيسنجر أن إقرار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، سيؤدي إلى تعقيد الأمور بدلاً من تسهيلها، وكان كيسنجر يؤيد الخيار الأردني، ويتبنى وجهة النظر الإسرائيلية التي ترفض قيام كيان سياسي فلسطيني مستقل.

ولم يكن كيسنجر يريد لهذا القرار أن يمر في الرباط، أو على الأقل ألا توافق عليه مصر، وكان يطلب منها عرقلة صدوره ورفضه. ولم يكن هناك ما يمكن عمله أثناء زيارة كيسنجر للقاهرة، فالوقت ضيق قبل مؤتمر الرباط، وكان السادات يشعر بحيرة شديدة، جعلته يأخذ المبادرة ويتصل بهيكل بعد انقطاع تام في العلاقات بينهما دام قرابة 9 أشهر.

وفوجئ هيكل باتصال السادات الذي دعاه إلى لقائه فوراً في بيته، وحين وصل هيكل وجد السادات ينتظره على سلم الباب الخارجي، وطلب منه التوجه معه إلى استراحة الهرم، وهناك استمر لقاء الاثنين أكثر من أربع ساعات، أفاض فيها الرئيس السادات في شرح همومه منذ آخر مرة التقى فيها الاثنان في ظروف مختلفة سبقت قبل ثمانية أشهر.

يقول هيكل إنه وجد السادات رجلاً مثقلاً بالمشاكل، وحيداً، ومحاصراً من كل جانب، وكانت مشكلته الملحة هي مؤتمر الرباط، وكيف يمكن أن يتصرف فيه، ويبدو أن هيكل أوضح للسادات أنه في وضع لا يسمح له بعرقلة صدور قرار اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأنه لا يملك حتى الاعتراض عليه، وأفهمه أن صدور القرار لا يغير شيئاً في الموقف الأساسي بالنسبة إلى مصر، وأن الأولى هو الاستعداد لزيارة كيسنجر التي يزمع أن يحقق خلالها فك ارتباط ثان على الجبهة المصرية.

وعاد كيسنجر مرة أخرى يوم 9 فبراير سنة 1975، وتوجه مباشرة إلى أسوان، حيث ينتظره السادات هناك، ومعه كبار مساعديه. وفي اليوم الذي كان مفروضاً أن يصل فيه هنري كيسنجر إلى أسوان فوجئ هيكل بطلب من الرئيس السادات يدعوه إلى أسوان، ووضعه أمام الأمر الواقع، وأبلغه أن طائرة الرئاسة جاهزة لنقله إلى هناك.

عندما وصل هيكل إلى أسوان، كان السادات مجتمعاً مع كيسنجر في استراحة "الخزان"، فتوجه إلى فندق "كتراكت الجديد"، والتقى هناك بوزير الخارجية إسماعيل فهمي، الذي اطلعه بناء على تعليمات من السادات، على كل الأوراق التي أرسلها كيسنجر قبل وصوله، بما في ذلك ما نقله من مقترحات وصياغات إسرائيلية.. والتقى هيكل أيضاً هناك بالفريق عبدالغني الجمسي، وأحس أن ذلك العسكري المحترف الكفء يواجه أزمة ضمير، لا يعرف كيف يتصرف تحت ضغطها.

ولا شك أن هذه الحالة التي كان فيها السادات، والاتجاهات الجديدة التي بدأت تسفر عنها محادثاته مع كيسنجر، كانت صدمة شديدة لهيكل، فهي تتناقض مع المعتقدات التي تبناها وصاغها في عهد عبدالناصر.

لم يكن سهلاً على هيكل وقد شاهد الدموع تذرف من عيني الفريق عبدالغني الجمسي قائد القوات المسلحة، وهو مغلوب على أمره في أسوان، أن يواصل أداء الدور المطلوب منه مع أنور السادات.

وقرر العودة إلى القاهرة...

كامل زهيري الكاتب الشهير ونقيب الصحافيين فترة طويلة ذكر لي أن يد كيسنجر كانت تلعب في العلاقة بين هيكل والسادات، وقال: كنت كتبت "اليوميات" ضد نتائج "جولات كيسنجر المكوكية" في ذلك الوقت، سعياً وراء اتفاقية فصل القوات الثانية، وفوجئت بوصول كيسنجر إلى القاهرة، وسافر إلى أسوان رئيس تحرير جريدة "الجمهورية" الأستاذ مصطفى بهجت بدوي، حيث يجتمع السادات مع كيسنجر، فقررت تأجيل نشر اليوميات، ونشرت بدلاً منها يوميات أخرى عن شأن عراقي، مبتعداً عن الشأن المصري، وتطوراته في ذلك الوقت، ولكني فوجئت أن مصطفى وصل إلى القاهرة قبل أن تنتهي المباحثات، وذكر لي أنه رجع على طائرة الرئاسة بصحبة هيكل، ومن حديث طويلٍ معه، استنتجت أن كيسنجر رفض أن يشترك هيكل في المفاوضات، وأذكر أنه سافر إلى روما خلال جولته نفسها، ومن هناك تحدث عن هيكل بطريقة غير لائقة، وقال: الصحافي إياه، أو شيئاً من هذا القبيل...

ويستطرد زهيري فيقول:

ـ أنا أشك كثيراً في أن كيسنجر هو الذي وقف بقوة وراء إبعاد هيكل عن السادات، لأنه تأكد أن وجوده إلى جوار السادات، قريباً من أذنه، ومؤثراً في قراراته، قد يفسد "طبخته" التي يحاول تمريرها على السادات... كان يريد السادات بمفرده، كي يؤثر فيه أكثر، ويلعب على نقاط ضعفه بطريقة مفتوحة، ومن دون عوائق.

كان هيكل قد اكتشف أن السادات وقع فريسة سهلة في يد كيسنجر... وكان قد نصحه ألا يتفاوض مباشرة مع هنري كيسنجر، وأن يشكل وفداً موسعاً يضم الدكتور محمود فوزي مساعد رئيس الجمهورية، واللواء حافظ إسماعيل مستشار الرئيس للأمن القومي، وإسماعيل فهمي وزير الخارجية، ولم يأخذ السادات بنصائح هيكل.  

قال له هيكل كما جاء في خريف الغضب: "أرجوك أن تأذن لي أن أتكلم بصراحة، إن كيسنجر مفاوض ذكي، وقد درس بالتأكيد حقائق أوضاعنا هنا... وهو يعرف أن سلطة القرار كلها في يدك، لهذا فإنه سيضغط عليك، ليحصل على أكبر قدر ممكن من التنازلات".

ولم يقتنع السادات، وقال لهيكل: إن المفاوضات ستكون بينه وبين كيسنجر فقط، وهو ما حدث فعلاً يوم 7 نوفمبر، إذ جلس الوفدان المصري والأميركي، بعد أن سلطت عليهما أضواء التليفزيون لالتقاط مئات الصور، ثم خرج الجميع، ولم يبق إلا السادات وكيسنجر... وفي هذا اللقاء الاجتماع الحاسم والخطير في تاريخ مصر الحديث كله كما وصفه محمد حسنين هيكل، صارح السادات كيسنجر بقوله: إنه ضاق ذرعاً بالاتحاد السوفياتي، وانه قرر أن ينفض يده نهائياً من أية علاقة معه، كما أنه صارحه بالقول: إن حرب أكتوبر سنة 1973 ستكون آخر الحروب مع إسرائيل، كما تحدث السادات عن فشل التجربة الاشتراكية في مصر، وأنه يريد تنمية من نوع جديد، وقبل السادات في هذا الاجتماع النقاط الست التي بعثت بها غولدا مائير مع كيسنجر، وعندما سئل كيسنجر بعد ذلك من مندوب مجلة نيويورك: كيف استطاع في ثلاث ساعات فقط، أن يقنع السادات بقبول نقاط غولدا مائير؟، كان جواب كيسنجر: (إنني لم أبذل أي مجهود، فما كدت أدخل، حتى وجدت الرئيس السادات جالساً على حجري).

***

أحد أهم الأسباب وراء غضبة السادات الضارية على هيكل هو عدم اطمئنانه إلى ولاء هيكل لشخصه، كما كان ولاؤه لعبدالناصر، وكان ذلك وراء تصميمه على إقصاء هيكل من دائرة السلطة في اللحظة التي استقرت فيها معرفة الأميركان بالسادات على استراتيجية واضحة محددة ومتفق عليها بينه وبينهم، وحتى لا يطلع هيكل على أسرار اتصالاته الجديدة بهؤلاء الذين كان هيكل نفسه في ظل عبدالناصر قناة من قنوات الاتصال الرئيسية معهم، الأميركان.

وهو أيضاً -على جانب آخر- رسالة من السادات لكل من يعنيهم الأمر أنه عندما يقصي هيكل من دوائر السلطة، لم يصبح قناة اتصال مع الأميركان، وأنه قفل القنوات جميعاً إلا تلك المفتوحة عنده وحده، وحتى لا ينسب إلى أحد غيره فضل ما يقوم به من استراتيجية جديدة في المنطقة، تقوم على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، ولم تكن دماء الشهداء على أرض سيناء قد جفت بعد.

والذي يراجع التواريخ سيكتشف أن الاستغناء عن هيكل واكب الاتجاه نحو فتح أكبر مزاد علني لنهب مصر بالمجان، وكانت خطوته الأولى إعلان قانون جديد يحمي ما يسمى بـ"الانفتاح الاقتصادي"، وواكب ذلك ارتماء شبه كامل في الأحضان الأميركية، ارتماء تلقفه كيسنجر، ورحب به وشجع إليه، وضغط باتجاهه، ورعى مسيرته، حتى لحظة التسليم الكامل مع زيارة السادات إلى القدس المحتلة في نوفمبر سنة 1977.

وبدأ الاستغناء عن هيكل بعد حصول السادات على شرعية القدرة على إعلان الهوية الجديدة للنظام، وكأنه استغناء عن طابع هوية قديم يذكر الجميع بهوية نظام كان على رأسه منذ أربع سنوات فقط جمال عبدالناصر بتوجهاته المعروفة وانحيازاته المقررة.

***

ومع كل ذلك ظل السادات يحرص على استعادة هيكل، وظل لديه أمل في أن يكون قد وعى الدرس. وعرض عليه مرة أخرى عرضاً جديداً أن يتولى منصب نائب رئيس الوزراء، بل أن يعود مرة أخرى إلى "الأهرام"، على شرط واحد: أن "يلتزم"

كان التزام هيكل المطلوب من السادات، التزام بسياسة جديدة يصنعها على أساس هوية جديدة... دون موافقة على أسس هذه الهوية... دون إشراكه في صناعة هذه السياسة، والمطلوب منه أن يلتزم بترويجها والدعاية لها، فـ"هيكل في البروباغندا لا يعلى عليه" كما يقول السادات نفسه، ومطلوب منه أيضاً أن يدافع عن هذه السياسة في مواجهة معارضيها، وكان السادات يقول له: يا محمد أنا مش مهتم بشتمتين، مصر هي اللي بتتهاجم، مش عاوزك تدافع عني. عاوزك تدافع عن مصر.

وكان هيكل الذي أدمن القرب من قمة السلطة، لا يريد من ناحية أن يذهب بعيداً على الطريق إلى لدد الخصومة، ولكن قراره الذي لم يتراجع عنه أن يبقى بعيداً بمقدار... قريباً بمقدار... وبعد نشر كتابه "الطريق إلى رمضان" في لندن في شهر مايو سنة 1975، شنت الصحافة المصرية على هيكل حملة عنيفة تصفه بأنه يزيف التاريخ، وهي التهمة التي أشهرها السادات في وجه هيكل في آخر لقاء بينهما "أنت تزيف التاريخ"، واستيأس السادات من هيكل، فأطلق عليه عواصف الهجوم تنهشه من كل جانب، وانطلقت الحملة الأولى التي استهدفت هيكل توزع عليه ما تيسر من اتهامات.

الذين استخدمهم السادات في قذف الحمم على هيكل كلهم كانوا في الظل، السادات نفسه كان في الظل في الوقت الذي كان هيكل في بؤرة الضوء، حيث تعمى الأبصار التي تحاول أن تنظر، مجرد أن تنظر إلى هناك إلى حيث هيكل يقبع بعيداً عن المنافسات والمشاحنات داخل عباءة الرئيس الواسعة والتي تضم داخلها كل الصنوف والأفكار.

ولائحة اتهامات الخصوم ضد محمد حسنين هيكل شملت كل ما يمكن أن يتهم به خصم أحد ألد أعدائه، والتهم لا تنتهي عند "العمالة" وفقط، بل تتنوع الجهات (بطريقة غير منطقية) بتنوع جهات الدنيا الأربع، فتارة هو عميل لموسكو، وقت أن كانت موسكو إحدى عاصمتي القوتين الأعظم.. وتارة أخرى هو عميل لواشنطن، ويقبض من أجهزة مخابراتها مبالغ غير مبررة، أو سيق في تبريرها ما يثبت التهمة ولا ينفيها، على حد مزاعم الخصوم، وتقولاتهم، وشططهم في توزيع الاتهامات، إن لم يصب منها شيء، فقد تثير الزوابع حول الكاتب، وحول مواقفه وحول ما يكتب.

بعض الحملات ضده أثارت ضحكاً... كالبكاء

لقد كانت الحملات الدورية ضد هيكل تثير الزوابع من كل جانب، وعلى جميع الصعد، وقد كانت تبدو جميع الحملات كأن "مايسترو" يحركها من وراء ستار، وكانت الأقلام التي تشارك في جوقة الهجوم على هيكل تعرف أنه لا يملك قدرة الرد عليها، وكان بعض الحملات التي شنتها أجهزة إعلام الرئيس السادات يلصق بهيكل تهماً ما أنزل الله بها من سلطان، مثل أنه تسبب في فرض حراسات على الناس، وأنه قصد إذلال العائلات، لأنه لم يكن ابناً لإحدى العائلات الكبيرة، وكان رد هيكل على مثل هذه التهم الجزافية بسيطاً، ومقنعاً يقول: "لست أعرف ما هو المقصود بهذا الكلام، ولكني أعرف أنني الصوت الوحيد الذي ارتفع لنقد التجاوز في فرض الحراسات، أي أن موقفي العلني والمكتوب والفعلي، كان على العكس تماماً من كل ما ادعي به عليّ".

والغريب أن تهمة الصحافي الأوحد تناقلتها الأقلام، قلم، عن قلم، دون أن يبحث أحد عن الرواية الأصلية لمثل هذا الكلام، حتى أن كثيرين من المحسوبين على تيار الاستنارة في الصحافة ومهنة الكتابة الصحافية تأثروا بالحملة التي بدت مخططة ونفذت بدأب لا مثيل له، ولم يستهدف أحد في تاريخ الصحافة.

وكان بعض الحملات ضد الأستاذ هيكل يثير الضحك الذي هو كالبكاء، ومن ذلك مثلاً أن البعض نقل عن مقال له أنه قال لدبلوماسي سوفياتي أثناء حوار بينهما ما نصه "إن قوة عظمى في مثل موقفكم لا تملك ولا يليق بها أن تقف موقف المتفرج العاجز في منطقة على هذه الدرجة من الأهمية والحساسية".

وأسدلت تلك الحملات المتواصلة الستار على علاقة هيكل مع السادات، والقصة بعد ذلك معروفة التفاصيل، ويمكن الرجوع إليها في أكثر من كتاب، بعضها لهيكل نفسه، الذي حكى بعض فصول العلاقة بينه وبين السادات في حياته، وقص علينا البعض الآخر بعد اغتياله، كما يمكن الرجوع إليها في غير ما كتب هيكل من كتب ودراسات تناولت تلك العلاقة بين الرجلين، أو تناولت أحد أطرافها بالدرس والتمحيص والتأريخ.

ونهاية القصة معروفة كذلك، وكانت قد تباعدت بهما الطرق، وافترقت السبل، ثم انسدت لتلقي بمحمد حسنين هيكل سجيناً في "طرة"، وبمحمد أنور السادات قتيلاً فوق "المنصة".

back to top