انتفاضات الفلسطينيين المغايرة!

نشر في 14-10-2015
آخر تحديث 14-10-2015 | 00:01
 طالب الرفاعي تبدو قضية الشعب الفلسطيني بسيطة جداً ومعقدة حد الأزمة. هي بسيطة في كونها واضحة المعالم بسطو اليهود على أرض فلسطين واحتلالها وتهجير أهلها، وهي معقدة لأن دول العالم الكبرى تدخلت ومازالت تتدخل بحجة نصرة الحق، ولكن وقوفاً إلى جانب المعتدي.

الشعب الفلسطيني جبّار بإرادته، وجبّار بصموده، وهو جبّار في قدرته على تحريك القضية كلما اعتقد المحتل الإسرائيلي أنه استطاع إخماد نارها. الانتفاضة الأولى أو انتفاضة الحجارة اندلعت عام 1987، ولقد أذهلت العالم في قدرة الشعب الفلسطيني بكل فئاته على أن يتصدى لآلة الموت الإسرائيلية بالحجارة. ولقد جاءت الانتفاضة الثانية عام 2000، ويبدو أننا نعيش انتفاضة ثالثة هذه الأيام.

منذ نكبة فلسطين عام 1948، والقضية الفلسطينية تشكّل وجدان الإنسان العربي. خاصة أن الأنظمة العسكرية العربية، وعلى مدى عقود أوهمت شعوبها بأنها تسخر كل مقدراتها للمجهود الحربي وللوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.

النتاج الفكري والإبداعي والفني العربي، ومنذ ما يزيد على الستين سنة، قدّم الكثير من الأعمال التي جعلت من القضية الفلسطينية محوراً أساسياً لها. حتى ان فترة العطاء الإبداعي العربي التي ازدهرت بشكل لافت بعد هزيمة 1967، جعلت من تناول القضية الفلسطينية بوصلة لكل من يريد أن يعبّر عن النضال العربي.

نعم الشعب الفلسطيني شعب الجبارين، لكن انتفاضته التي تحيا بيننا هذه الأيام تأتي في ظرف عربي مختلف، بل ربما كان واحداً من أصعب الظروف التي مرت على الوطن العربي منذ اتفاقية "سايس بيكو" عام 1916. انتفاضة اليوم تأتي وكل عربي مشغول بنفسه. تأتي وكل عربي يغنّي على ليلاه. تأتي وكل عربي يجند طاقاته لخدمة مصالحه الشخصية. تأتي وكل عربي يحارب الاستعمار على طريقته، مصطفاً في ذلك إلى جانب هذا أو ذاك!

الفلسطينيون يواجهون آلة القمع والقتل الإسرائيلية العنصرية بحجارة أرضهم وبسواعدهم وبعزيمة عجيبة تدعو للفخر والتأمل. الفلسطينيون وكما في كل مرة يهبّون بجميع فئاتهم، الأطفال والنساء والشيوخ والشباب. ومن يتفحص مواقع الإنترنت وصور شبكات الأخبار العالمية، يرى ما لا يمكن تصديقه.

الفلسطيني يواجه أحدث الأسلحة بالحجارة، الفلسطيني يواجه الجنود المدججين بأعتى الأسلحة بطعنات السكاكين. الفلسطينيات يواجهن جنود الاحتلال بعزيمة أرواحهن القوية، وبأجسادهن الطاهرة.

قد يظن البعض أن القضية الفلسطينية قد ماتت في قلوب الشعب العربي، ولكن هذا ظن خاطئ. فمازال المواطن العربي مؤمنا بالحق الفلسطيني، ومازال فلسطيني الهوى، ومازال يرى قبة الصخرة رمزاً لكل النضالات، ومازال ومازال وسيبقى.

نعم، الظرف العربي تغيّر وكذا الظرف العالمي. ونعم الإنسان أينما كان تغيّر. وهذا مجتمع يحتم على الإنسان الفلسطيني والإنسان العربي أن ينظر إلى الأمور بشكل مختلف، لسنا في عام 1948، ولا في عام 1956، ولسنا في 1967، ولا في أكتوبر 1973، لكننا اليوم نحيا عصر القرية الكونية، وعصر ثورة المعلومات، وعصر شبكات التواصل الاجتماعي. ونحن في كل هذا مازلنا نؤمن بعدالة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي عودته إلى حدود ما قبل 1967.

الواقع يقول بضرورة قبول الإسرائيليين في دولة تجاور دولة فلسطين. والواقع يقول إن الحق لابد أن يعود لأهله. وإن القدس هي عروس المدن العربية الأجمل. لذا سيبقى العربي قلباً وقالباً إلى جانب فلسطين وشعبها العظيم. وسيبقى المفكر العربي والمبدع العربي والمثقف العربي يخط مداد قلبه لرفعة وتأييد ونصرة القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني السليب. وأنا الذي صلى أبي في القدس، سأبقى أبداً يخفق قلبي كلما هزّني صوت فيروز: سنرجع يوماً إلى حينا، وسأبقى حالماً برحلة تأخذني لحواري فلسطين العتيقة.

back to top