في ذكرى {أمير الشعراء}... أحمد شوقي صاحب الأوجه المتعددة

نشر في 14-10-2015
آخر تحديث 14-10-2015 | 00:01
No Image Caption
يجمع شهر أكتوبر ذكرى ميلاده، وذكرى رحيله، والفاصل بينهما سبعة أيام فقط، على اختلاف الأعوام فقد ولد أمير الشعراء أحمد شوقي في 16 أكتوبر 1868، و رحل في 23 أكتوبر عام 1932، بعدما أمضى قرابة نصف قرن، متربعا على عرش إمارة الشعر العربي.
 لا يخبو وهج الشعر رغم انزواء الذكرى، ولا يخفت على النقاد تأكيد أن شوقي أعاد التوهج للشعر، ومن قبله محمود سامي البارودي، بعد فترة إهمال، وتوارى  بسبب حرص العثمانيين على تجفيف منابع الثقافة العربية حتى جاء فارس الشعراء محمود سامي البارودي فأعاد له رونقه وبريقه ومكانته السامية، ومن منبعه الفكري نهل إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري، وأحمد شوقي الذي بويع في ما بعد أميراً للشعر العربي.

أحمد شوقي الذي التحق بكُتّاب الشيخ صالح، ليحفظ القرآن ومبادئ القراءة والكتابة، وصل في ما بعد إلى جامعة {مونبلييه - فرنسا} ليدرس القانون لعامين، ثم لجامعة باريس ليحصل على إجازة الحقوق، ثم مكث بعدها أربعة أشهر بناء على رغبته الخاصة لدراسة الأدب الفرنسي وإتقانه.

شوقي الأول

تحمل مسيرة شوقي العديد من التناقضات، لكن في جميعها كان شاعرا، فتمتد مسيرته إلى بداياته خلال عمله في قصر الخديو عباس الثاني، حيث كان يدبج له من القصائد أعظمها وأكثرها، وهو أيضا شوقي الذي هاجم وذمَّ أحمد عرابي قائد الثورة العرابية، وهجاه بقصيدة موجعة، وهو شوقي الذي لم يقدم واجب الرثاء في صديقه مصطفى كامل، إلا بعد أن استوثق من عدم إغضاب الخديو، والأغرب أن قصيدته خلت من الحديث عن زعامة مصطفى كامل وجهاده ضد الاستعمار.

ومدح السلطان عبد الحميد الثاني، داعياً المسلمين إلى الالتفات حوله، وكتب عنه مطولة عظيمة بعنوان {صدى الحرب}، وهو الذي نظم إسلامياته الرائعة في مدح الرسول.

ويوجد شوقي في المنفى على شواطئ إسبانيا الهادئة، حيث قضى وقته في قراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة، ونظم عددا من القصائد في الشوق والحنين للوطن لعل أشهرها قصيدته {الرحلة إلى الأندلس}، وجاء بها البيت ربما الأشهر له:

يا ابنةَ اليمِّ ما أبـوكِ بخـيـلٌ... ما له مولَعاً بمنعٍ وحبـسٍ

أحرامٌ عـلى بـلابـله الدَوْ... حُ حلالٌ للطير من كل جـنس عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1920م)، بعد ثورة 1919 واحتشد الآلاف لتحيته

وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير حافظ إبراهيم، فمال شوقي إلى جانب الشعب، فتناول بأشعاره قضايا الاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا وصال وجال فيها بعدما ثبت له أن الشعب هو سيد هذه البلاد وليس ساكن القصر، فرفع الشعب مقامه عالياً حتى اختير عضواً في مجلس الشيوخ، وليس هذا فحسب بل بويع أميراً للشعر العربي، حيث اجتمع الشعراء حافظ إبراهيم وأمين نخلة وخليل مطران وغيرهم من الشعراء ووفود من بعض الدول العربية، في حفل مهيب بدار الأوبرا لمبايعة أحمد شوقي بك أميرا للشعراء.

وألقى حافظ إبراهيم في هذا اليوم قصيدته الشهيرة التي قال في مطلعها:

 أمير القوافي قد أتيت مبايعا... وهذه وفود الشرق قد بايعت معي

فغن ربوع النيل واعطف بنظره.. على ساكن النهرين وأصدح وأبدع

وفاة شوقي

من الطريف أن شوقي كان يخاف الموت، وكان ينتظر طويلاً قبل أن يقرر عبور الشارع، لأنه كان يشعر أن سيارة ستصدمه في يوم من الأيام، وقد تحققت نبوءته وصدمته سيارة في لبنان وهو جالس في سيارته، ونجا من الموت بأعجوبة، كذلك كان يخاف المرض، ولا يرى صيفاً أو شتاء، إلا مرتدياً ملابسه الكاملة، بل كان يرتدي الملابس الصوفية في الشتاء والصيف على السواء.

وفي عام وفاة حافظ إبراهيم، شعر شوقي أن أجله قد قرب فاغتم وحزن، وسافر إلى الإسكندرية كأنما يهرب من المصير المحتوم، لكنه رحل في العام نفسه الذي توفي فيه حافظ إبراهيم بعد أن أثرى حياة الشعر العربي بنهر فياض من القصائد، وكان قد نظم قبل وفاته وصية جاء فيها:

ولا تلقوا الصخور على قبري

ألم يكف هما في الحياة حملته

فأحمله بعد الموت صخرا على  صخر

back to top