أوروبا تحتاج إلى بضعة قادة جيدين

نشر في 13-10-2015
آخر تحديث 13-10-2015 | 00:01
أزمة اللاجئين لا تُعتبر المسألة الوحيدة التي تعرض الاتحاد الأوروبي للضغط، فهو يواجه أزمتين كبيرتين أخريين: أزمة اليورو والاعتداء الروسي، إذ هددت هذه الأزمات الثلاث في المقابل ثلاث ركائز يقوم عليها مشروع التكامل الأوروبي: منطقة اليورو، والسياسة الخارجية والأمنية المشتركة في الاتحاد الأوروبي، ومنطقة شنغنن؛ مما يستدعي وجود قادة قادرين على اتخاذ قرارات حاسمة للحل.
 ريل كلير من الممكن بسهولة الاعتقاد أن جيساب، شخصية يؤديها جاك نيكلسون في فيلم A Few Good Men عام 1992، يتحدث عن الطريقة التي يتعاطى بها الاتحاد الأوروبي مع أزمة اللاجئين، عندما يقول كلماته الشهيرة: "لا يمكنك تحمل الحقيقة! يا بنيّ، نعيش في عالم له أسوار، وتلك الأسوار يحرسها رجال يحملون أسلحة".

يعتبر الكثير من السياسيين والناخبين أن على أوروبا مواجهة الواقع وإقفال الحدود أمام طالبي اللجوء، لأن الحقيقة المرة تُظهر أن أوروبا لا تستطيع التعاطي مع دفق اللاجئين الذين يصلون إلى شواطئها. صحيح أن ميركل عارضت هذا المسألة، إلا أن أسلوبها لم يكن مقنعاً، فقد أعلنت: "لا يُعقل أن تقول أوروبا: لا يمكننا تحمل ذلك".

ومن المؤسف أن التصريحات التي تبدأ بعبارة "لا يُعقل" تشير إلى حد كبير إلى أن هذه حقيقة للأسف، وأن من الصعب بالتأكيد تغيير الوضع، رغم الغضب الأخلاقي المبرر، ففي أواخر شهر سبتمبر شهدنا أوروبا في قمتين وهي تحاول الإمساك بزمام الأمور: اجتمع في الأولى وزراء الداخلية في الاتحاد، وفي الثانية رؤساء الحكومات، كذلك أصدر رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك تحذيراً ينبئ بالسوء: "من الواضح أن هذا أكبر مد من اللاجئين والمهاجرين واجهناه حتى اليوم".

بما أن الأمم الأوروبية لا تزال منقسمة جداً بشأن طريقة التعاطي مع هذا المد، فمن المؤكد أننا سنشهد قمماً جديدة عالية التوتر قد يتضح خلالها أن أوروبا تنهار.

انقسامات خطيرة

ظهر شرخ كبير بين شرق الاتحاد الأوروبي ومعظم غربه، فمن السهل نعت الأمم الأوروبية الوسطى والشرقية بأنها تعاني رهاب الغرباء، وهذا ما يفعله بالتحديد الكثير في أوروبا الغربية، لكن الوضع أكثر تعقيداً من ذلك، وبما أن كثيرين في الغرب يخفقون في إدراك كم هو معقد، فمن المؤكد أن التوتر سيتفاقم.

كي نتمكن من فهم موقف الأوروبيين الشرقيين، علينا أن نتأمل في هذا الاقتباس الذي نقلته Politico EU عن مسؤول في الاتحاد الأوروبي أمضى سنوات في أوروبا الشرقية: "احتاجت دول مثل المملكة المتحدة إلى 40 سنة كي تتأقلم مع مجتمعها المتنوع، فكان محبو كرة القدم يرمون الموز على اللاعبين السود في سبعينيات القرن الماضي. واضطرت هذه الدول [في الشرق] للتخلي عن الشيوعية ومحاولة اللحاق بركب الغرب، وها نحن اليوم نطلب منها أن تختصر أربعين سنة من عملية التحول في مجتمعها في غضون أشهر قليلة". يشير المؤرخون أيضاً إلى الاختلافات التاريخية بين الجزأين الشرقي والغربي من الاتحاد الأوروبي، فقد عانت أمم أوروبا الشرقية عقودا من حكم السلطنة العثمانية أو أمضت قروناً وهي تقاوم غزوات التتار والعثمانيين، ولم يتحرر بعض هذه الدول من الهيمنة العثمانية إلا عشية الحرب العالمية الأولى، لكن كل هذا لا يبرر التصريحات المقلقة التي أدلى بها بعض القادة.

لا تقتصر الانقسامات على الشرق والغرب، بل نلاحظ أيضاً توتراً واضحاً بين البلدان على المستوى الفردي، ففي عدد لا بأس به من الدول الأوروبية، تتفاقم الشعبوية المناهضة للهجرة، على سبيل المثال في الدنمارك، يهدد حزب الشعب الدنماركي بإسقاط حكومة الأقلية التي يترأسها لارس راسموسن، في حال قدمت الدولة الكثير من التنازلات في مسألة اللاجئين. وفي أمم أخرى في الاتحاد الأوروبي تحظى الأحزاب والسياسيون المناهضون للهجرة بأكبر شعبية في استطلاعات الرأي في هولندا، والنمسا، والسويد، وفرنسا.

تكوّن لدينا أخيراً الانطباع أن الاتحاد الأوروبي عاجز عن احتواء أزمة اللاجئين وإدارتها؛ لذلك يبقى الأمر الوحيد الذي تستطيع أوروبا أن تأمله هو توصل القمة التالية إلى المزيد من النتائج في التحديات الثلاثة الأهم: الأماكن الساخنة (أي الأماكن في الدول الواقعة على خط المواجهة حيث يمكن تسجيل اللاجئين)، ونقل اللاجئين إلى مواقع أخرى، والعودة، قد يكون من الصعب جداً، لا بل من المستحيل التوصل إلى حل شامل. وعلاوة على ذلك، عند نقل طالبي اللجوء إلى مواقع أخرى عبر أوروبا، فكيف تُرغم السلطات أشخاصاً على الانتقال إلى بلد لا يريدهم وهم لا يودون أن يبنوا فيه حياة لهم؟

ثلاث أزمات وثلاث ركائز

لا تُعتبر أزمة اللاجئين المسألة الوحيدة التي تعرض الاتحاد الأوروبي للضغط، فهو يواجه أزمتين كبيرتين أخريين: أزمة اليورو والاعتداء الروسي، إذ هددت هذه الأزمات الثلاث في المقابل ثلاث ركائز يقوم عليها مشروع التكامل الأوروبي: منطقة اليورو، والسياسة الخارجية والأمنية المشتركة في الاتحاد الأوروبي، ومنطقة شنغن التي لا تحتاج إلى جواز سفر، وكما ذكر باحث معهد كارنيغي كورنيليوس أديبار، تشمل هذه الثلاث جوهر الدولة-الأمة: "الضرائب، والجيش، والسكن".

لن تتمكن أوروبا من تجاهل هذه الأزمات الكبيرة قريباً. صحيح أن منطقة اليورو خرجت من أحلك المراحل وأخطرها، إلا أنها لم تبلغ بعد بر الأمان، وبالنسبة إلى تحديات السياسة الخارجية والأمنية، فقد هدأت الأوضاع نسبياً في الأجزاء الشرقية من أوكرانيا، ولكن لا يعني ذلك أن بوتين استسلم، فمن المؤكد أن الزعيم الروسي سيحاول الاستفادة من الانقسامات في أوروبا، أما بالنسبة إلى أزمة اللاجئين، فعلى أوروبا أن تستعد للمزيد منهم لأن الصراعات في الشرق الأوسط وإفريقيا لن تهدأ في المستقبل القريب.

رغم ذلك، يجب ألا نفقد الأمل في أوروبا بسرعة، إذ ستتوصل على الأرجح إلى طريقة لإدارة أزمة اللاجئين في النهاية، ولكن بحلول تلك الفترة ستكون هذه الأزمة قد أحدثت ضرراً كبيراً في العلاقات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وصعبت معالجة المسائل الأخرى، مثل تعميق التكامل في منطقة اليورو ومواجهة أعمال بوتين، وفي الختام، أعود إلى عبارة شهيرة أخرى قالها جاك نيكلسون، إنما هذه المرة من فيلم الجريمة والتشويق The Depaerted: "لا أريد أن أكون من نتاج بيئتي، أريد أن تكون بيئتي من نتاجي".

يريد الاتحاد الأوروبي بشدة أن يكون في الموقف عينه، إلا أنه ما زال بعيداً كل البعد عن بلوغ هذا الموقع الذي يُحسد عليه، وعلى أوروبا أن تقر بهذه الحقيقة وتعمل على تغييرها.

* أندي لانغينكامب

back to top