استبعاد الصين من الشراكة عبر «الهادئ» سذاجة... وهيمنتها أمر واقع

نشر في 10-10-2015
آخر تحديث 10-10-2015 | 00:04
No Image Caption
الاعتقاد بأن الصين ستستبعد من شبكة تجارية تفضيلية سذاجة، فرغم عمليات التصحيح الراهنة في عملتها وتدهور أسواق الأسهم فيها، تخطت الصين الولايات المتحدة كدولة تجارية عالمية رائدة، وهي مصممة على أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم خلال هذا العقد.
توصل وزراء التجارة في الولايات المتحدة و11 دولة اخرى من دول المحيط الهادئ مؤخراً الى اتفاق تجاري طال انتظاره، ولكن الكثير من الأسئلة والعقبات لا تزال قائمة، وما زال الكونغرس يبحث مسألة المصادقة على هذه الشراكة.

ويقول أنصار الاتفاق، إنه سيساعد الولايات المتحدة على مواجهة نفوذ الصين في تلك المنطقة، لأن بكين ليست شريكاً فيه، وقد تبدو هذه المجادلة جيدة في «الكابيتول هيل» وفي منتديات السياسة الاخرى، ولكنها تجانب الصواب بدرجة كبيرة للعديد من الأسباب.

ويتمثل أحد تلك الأسباب في سذاجة الاعتقاد بأن الصين سوف تستبعد من شبكة تجارية تفضيلية، فعلى الرغم من عمليات التصحيح الراهنة في عملتها وتدهور أسواق الأسهم فيها، تخطت الصين الولايات المتحدة كدولة تجارية عالمية رائدة، وهي مصممة على أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم خلال هذا العقد.

الاستثمارات الصينية

بحلول نهاية سنة 2014 استثمرت الصين 870 مليار دولار حول العالم في جهد هدف الى توسيع مصادر تزويدها بالمواد الأولية والمكونات الصناعية، وعلى سبيل المثال فقد بلغت استثماراتها في بنغلادش 3.8 مليارات دولار وفي باكستان 17.8 مليار دولار، وتخطت بذلك القروض التي حصل عليها البلدان من صندوق النقد الدولي مما يعطيها دوراً أكبر في اقتصاد وسياسة الدولتين.

والأكثر من ذلك، أن الصين طالبت بحصة في احتياطيات نفط أنغولا في مقابل استثماراتها في تطوير طرقات تلك الدولة، اضافة الى استثماراتها النشيطة المعروفة في شركات التعدين في شتى أنحاء القارة الإفريقية، وتسعى بكين أيضاً الى تأسيس بنك دولي يساعد على تمويل مشاريع البنية التحتية في المحيط الهادئ في آسيا، ويتمتع ذلك البنك، بنك الاستثمارات الآسيوية في البنية التحتية، بدعم 47 دولة اقليمية و20 دولة عضو غير اقليمية بما فيها دول الشراكة عبر المحيط الهادئ مثل أستراليا وبروناي وماليزيا ونيوزيلندا وسنغافورة وفيتنام.

ومنذ سنة 2005 أقامت الصين اتفاقياتها الخاصة في التجارة الحرة مع العديد من دول الشراكة عبر المحيط الهادئ مثل بروناي وتشيلي وماليزيا ونيوزيلندا وسنغافورة وبيرو وفيتنام، وهذه نقطة جوهرية في فهم الخطأ المنطقي وراء أي ظن بأن الصين يمكن أن تستبعد من مجتمع التفضيل التجاري عبر المحيط الهادئ.

حصيلة الحملات الدبلوماسية

قد تتمثل نتيجة كل تلك الحملات الدبلوماسية والخطوات المضادة في ظهور كتلتين تجاريتين تحتاج كل منهما للأخرى من الناحية الاقتصادية، ولكنهما تفتقدان الثقة المتبادلة بصورة كبيرة، ثم أليس من الأفضل كثيراً العمل على زيادة الفعالية الاقتصادية وتحسين الفهم السياسي مع بكين من خلال اقامة شراكة عبر المحيط الهادئ تضم الصين مثل دولة مجازة؟

وإذا نظرنا الى سلسلة إمداد العالم سيتبين لنا بوضوح أن من المستحيل استبعاد الصين من أكبر اتفاقات التجارة الدولية، وفي ضوء استثماراتها في الدول النامية الأخرى لدى الصين امكانيات تصميم وتطوير وانتاج بضائع يمكن أن تجد طريقها بسهولة الى الأسواق الأميركية عن طريق وسطاء في الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، وبذلك تخفض التعرفة التي كان يتعين عليها دفعها.

وعلى سبيل المثال، ومن أجل تلبية شروط معينة تتعلق ببلد المنشأ التي تضمنها اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، تستطيع الصين تأمين عمليات امداد القمصان القطنية عن طريق استيراد القطن من باكستان (عبر اتفاقيتها الحالية للتجارة الحرة مع الصين) والقيام بعمليات مثل تصميم الأقمشة والحبك والصباغ في بلادها.  وفي وسع الصين شحن الأقمشة الى فيتنام (عن طريق اتفاقية التجارة الحرة الحالية مع الصين) وفي الوقت ذاته تستطيع اليابان شحن الأزرار الى فيتنام (عبر اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ)، وفي وسع فيتنام القيام بعمليات مثل (الخياطة) وشحن القمصان الجاهزة عن طريق اتفاق الشراكة العابرة للمحيط الهادئ الى أستراليا واليابان والولايات المتحدة وخفض الـ5 في المئة والـ10.9 في المئة والـ16.5 في المئة على شكل رسوم استيراد كان يتعين دفعها لو أن الصين تعاملت مباشرة مع تلك الدول.

الفرص الأخرى

وحتى إذا أخفقت الصين في اقامة اتفاقات تجارية مع الدول الخمس المتبقية في اتفاقية الشراكة تلك وظلت خارج تلك الاتفاقية فإنها تستطيع استخدام سلسلة امدادها من أجل تسهيل تجارة متعددة الجوانب مع حد أدنى من التعرفة، وفي حقيقة الأمر فإن البعض من الشركات الصينية المتوسطة الحجم مثل تكسهونغ تكستايل Texhong Textile أقامت منشآت في فيتنام توقعاً لاتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ.

ومثل الكثير من مصادر وال مارت الداخلية، 0.29 في المئة، من العمليات الصينية الى المستهلكين الأميركيين والتي تعتبر صادرات صينية الى أميركا فإن المصادر الداخلية لشركة تكسهونغ من الملابس شبه الجاهزة من الصين الى فيتنام ومن ثم الى الولايات المتحدة ستبدو مثل عمليات تجارية بين الدول الثلاث تشملها اتفاقيات التجارة الحرة.

وما هو أسوأ من كونه غير واقعي فإن استبعاد الصين من اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ سيفاقم التوترات السياسية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، وحتى اذا توصلتا الى طريقة لتجاوز تلك العقبة فإن قادة الصين لن يقدروا تماماً جهود الولايات المتحدة لاستبعادهم من المشاركة التجارية. وسيقومون بخطواتهم الخاصة من أجل الالتفاف على اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ.

أهمية الصين

إن أهمية الصين كوجهة تصنيع آسيوية وكأكبر شريك تجاري لأميركا عبر الحدود هي حقائق حياة لا يمكن احتواؤها أو ازالتها، وأيا كانت القضايا الاخرى التي تثار في خضم الجدال حول اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ في واشنطن في هذه الأيام فقد حان الوقت لإضافة قضية أساسية: ما سبب دخول أميركا في اتفاقية شراكة في المحيط الهادئ من دون السعي الى تضمين أكبر شريك لها في تلك المنطقة؟     

back to top