أعمال النجوم... هل تترجم تجارب خاصَّة؟

نشر في 10-10-2015
آخر تحديث 10-10-2015 | 00:01
الأغنية هي الرسالة التي يخاطب عبرها المطرب جمهوره ويتواصل مع معجبيه، وغالباً ما تحمل هذه الرسالة أوجاع المطرب وأفراحه، أو تجارب المحيطين به، وإذا كان ثمة من يفضل أن يكون الفن مرآة لذاته، يرى البعض الآخر أن يكون الفن شاملا بحيث يحاكي أكبر شريحة من الناس ولا يقف عند حالة معينة يعانيها الفنان.
{الجريدة} استطلعت آراء مطربين حول مدى تأثير شخصياتهم وطريقة تفكيرهم على اختيارهم للأغاني.
هوية المطرب وشخصيته

فادي عبدالله

خالد المسعود

«المطرب المثقف موسيقياً، هو الذي يميّز بين المقامات، ويمتلك حساً فنياً عالياً، ويتمتع بصوت وأداء ساحرين»، يؤكد المطرب الكويتي المتألق خالد المسعود ويقول: «الشخصية والتركيبة المزاجية نتاج عوامل منها الثقافة والاطلاع على كم الفنون الغنائية ونوعها التي تنعكس وتظهر على ملامح الفنان وشخصيته».

يضيف: «كلما زادت ثقافة الفنان وزاد نطاق مساحته في البحث في ثقافة الفن الغنائي، خصوصاً الأثر والمعنى، وما يشمل ذلك من مقامات غنائية وأنواعها وطريقة أدائها من رموز الفن، وتدرب على أدائها، زاد تمكنه وحضوره وثقته. وبالتالي أوصل إلى المستمع نغمات سليمة”.

يتابع: «أي بداية تنطلق من ألف باء الأشياء، فكثر أحبوا الغناء ولكن مارسوه من دون تمكن أو دراية، ثمة من يغني على نغم الوتر الواحد، أو يصعب عليه التركيز على النغمات أو اصطياد القفلات بتمكن، بينما الغناء مساحات بين الصعود والهبوط والشرح لمفردة الكلمة ليكون لها وقع في أذن المستمع».

يوضح أن ثمة «من يغني وليست لديه موهبة في العُرب أو الأداء الكرواني إن صح التعبير، ولكنه مؤدٍ ممتاز يسيطر على الركوز والتنقل بين المقامات؛ والعكس صحيح».

عبدالهادي الحمادي

يشير المطرب الكويتي عبدالهادي الحمادي إلى أنه تربى على أعمال زمن الفن الجميل والأصيل، في ستينيات وسبعينيات القرن والعشرين من تاريخ الأغنية الكويتية، وتشرب منها عبق الأصالة إضافة إلى الفنون الشعبية الثرية.

يضيف: «أرفض مقولة الجمهور عايز كده، من يسير عليها سينتهي عاجلاً أم آجلاً، وهذا ما حدث فعلاً مع فنانين كبار انجرفوا وراءها، ولم ينتبهوا لها، إذ واكبوا الموجة بتغيير مسارهم مع فن لا يمت إليهم بأي صلة، فكيف لم يعوا جيداً أن ثمة أمراً مهماً وهو أنهم فقدوا الهوية ولبسوا ثوباً آخر ليس لهم، فالأغنية يجب أن تنبع من الأصالة».

وفي تفصيل أدق يقول: «ثمة موجة دخيلة تحت مفردة (ستايلات)، ولا نعرف هويتها، فهي ليست أغنية كويتية ولا بحرينية، مجرد آلات غربية متداخلة مع كلمات خفيفة ولحن سريع».

يتابع: «عن نفسي إذا أردت أن اختار، فسأنتقي أغنية من زمن الفن الجميل الذي عايشته وطورت من خلاله ذاقتي الفنية، ورداً على البعض الذي يقول إنها أغنية قديمة لن تجد مكاناً لها من الأسماع، أقول: «الزين» يفرض نفسه، فهذه الأغاني الأصيلة لا تزال تغنى في الحفلات وتتطور، حيث الكلمة الكويتية الرزينة واللحن الجميل».

يوضح: «الفنون لدينا كثيرة، مثل فن السامري وفن الطنبورة وفن الصوت، ولم تندثر، وثمة قاعدة جماهيرية، من فئات عمرية مختلفة، تسمعها وتحبها.  نفتقد الحضور المشع للمطرب المثقف الذي يتمتع بذائقة فنية رفيعة، تجعله يعرف كيف يختار الكلمات التي سيغنيها، واللحن الذي سيرافقه. فمطرب من هذا النوع القوي، سيجعلنا ننتشي ونطرب لهذا الأداء الصافي العذب المترع بالشجن».

خالد سلطان

«الحفاظ على الهوية الخليجية أو العربية، شرط أساس لمن ينشد التطور والتجديد»، يؤكد المطرب خالد سلطان ويقول: «لا أرفض التطور والتجديد، شرط الحفاظ على الهوية المميزة للأغنية الخليجية، وعدم تغريبها، فالحفاظ عليها يرتبط بمدى إلمام العاملين على صناعتها بتاريخ الأغنية في المنطقة، ودراية كافية بالأغنية الخليجية وإيقاعاتها وأنواعها، فمن يمتلك هذه المعرفة يقدم عملاً جديداً ومتميزاً، أما من لا يمتلك خلفية كاملة فليس بمقدوره أن يصنع أغنية بمستوى جيد، ولنتذكر هذا القول المأثور ونحن نعرض حال الأغنية «من أشهر سيفاً في وجه الماضي، أطلق عليه المستقبل رصاصة».

يشدد على تعريف جيل الشباب على هذا التراث ويضيف: «يجب إقامة دورات موسيقية وإعادة صياغة بعض الألحان، بما يتناسب مع العصر، مع المحافظة على الهوية التراثية، وكذلك استقطاب مؤلفين وملحنين لإبراز أغان جديدة، وإقامة مهرجان سنوي لإحياء هذا التراث وإحياء حفلات باستمرار».

يستدعي من ذاكرته أغنية هادفة «دم يسيح» ويتابع: «هذا العمل الغنائي الاجتماعي الإنساني الذي يتحدث عن القدس، أنتجته وأديته، صاغ كلماته هذه باللغة العربية الفصحى الإعلامي السابق النائب فيصل الدويسان، وتصديت لتلحينه، وسجلته في أحد الاستوديوهات بالقاهرة، لكنه لم يدرج في ألبومي الغنائي، وحانت الفرصة لتقديمه ضمن برامج اذاعة الكويت المشاركة في «مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون» ولله الحمد حصدت الجائزة الذهبية.

تجارب ورسائل

بيروت - ربيع عواد

نقولا الأسطا

{الأغاني التي يقدمها النجوم ليس بالضرورة أن تنبع جميعها من تجارب شخصية أو مراحل عمرية عاشوها، برأي نقولا الأسطا، بل ثمة قضايا تعبر عن تجارب أناس آخرين، ويجد فيها الفنان موضعاً حساساً ومؤثراً، فيؤديها بطريقة كأنه يعيش الحالة فعلياً، لذلك تصل بسرعة ونجاح إلى المستمع. وعمّا إذا كانت الأغنية تعبّر عن هوية الفنان وطريقة تفكيره يضيف: {قد أتخلّى أحياناً عن قناعاتي لتقديم أغنية تتماهى مع السوق، مثلما حصل معي سابقاً، إنما المهم المحافظة على النعمة التي وهبنا إياها الله وعلى مسلكية معيّنة وعلى الخامة الصوتية}.

يتابع: {يجب أن تكون الأغنية ملائمة لخامة الصوت، فعندما قدّمت {حقوق الرجال”، رغم أنها مهضومة تحاكي جمهوراً معيّناً، إلا أنني مختلف عن محمد اسكندر الذي يليق به هذا النوع من الأغاني، فيما يصدّقني الناس أكثر في الأغنية التي تمسّ القلب والأقرب إلى الكلاسيكية}. يشير إلى أن الصوت هو الذي يسيّر الفنان الذي يجب أن يختار ما يليق به ليصل فنّه بصدق إلى الجمهور.

دومينيك حوراني

تؤكد دومينيك حوراني أن معظم أعمالها يعبّر عن شخصيتها ونظرتها إلى الحياة، ويترجم حالات عاشتها بأغانٍ حققت نجاحاً كونها نابعة من القلب ومليئة بالصدق والمشاعر الحقيقية.

تضيف أنها تحبّ تسليط الضوء على قضايا اجتماعية سمعت عنها من أصدقاء أو أقارب، فمثلا أغنية «معقول مش معقول» لفتها مضمونها الذي يتحدث عن الخيانة الزوجية، ويتضمن رسالة تحذيرية إلى كل رجل يفكّر في خيانة زوجته، كذلك يسلّط الضوء على حقوق المرأة ويدعوها إلى التمرّد على الظلم الذي تتعرض له.

تتابع أن أغانيها مستمدة من الواقع وتتجنّب المثاليات والقضايا التقليدية التي اعتادها الناس، لذا تسعى إلى كل ما هو جديد وواقعي، مشيرة إلى أنها عاشت تفاصيل أغانٍ عاطفية كثيرة أدتها، وكانت أغانٍ أخرى لمناصرة أفكار تؤمن بها.

حول أغنية «السلك ضربني» التي قدمتها أخيراً توضح: «اعتقد البعض أن عبارة «السلك ضربني» نوع من الشتيمة، لكن سرعان ما غيّر هؤلاء رأيهم بعد الاستماع إلى الأغنية. لا أحب الكلام التقليدي والأغاني المكررة في السوق، لذلك أبحث عن كل ما هو جديد ومميز ومختلف».

مادلين مطر

يحاكي معظم أغاني مادلين مطر وجع الحب، ويعتقد البعض أنها تترجم تجارب مرت بها، وهو أمر لم تنفه مطر مؤكدة أنها ضمنت أغاني أخرى قضايا استقتها من تجارب أصدقائها أو من حالات شاهدتها أو سمعت عنها. تضيف: {من يتابع أعمالي الرومنسية يلاحظ أن مواضيعها مختلفة، ففي{كلمني اسمعلك} تناجي الحبيبة الحبيب ليعود إليها، فيما في {تعباني} تعرب الحبيبة عن تعبها من الحبيب، وتطلب منه السماح لقرارها الابتعاد عنه، وتقول له: {بدي غرام يريحني}. في الحالات كافة، أتأثر بالكلام وأشعر بأنه قريب مني إلى حدّ بعيد}.

حول طريقة اختيارها للأغاني توضح: {أتأثر بالظروف التي نمر بها من جهة وبالمواسم من جهة أخرى، فمثلا طرحت أغنية {تعباني} في الشتاء الماضي لأني ضقت ذرعاً، كأي مواطن عربي، بما يجري حولي من حروب ونزاعات لا تنتهي، لذا ارتأيت طرح  عمل جديد يحاكي المشاعر والأحاسيس، فكانت الأغنية رومنسية بامتياز، وملائمة لفصل الشتاء الذي يتناغم مع الأغاني الهادئة أكثر من الإيقاعية}. حول الرسائل التي تحب إيصالها من خلال أغانيها، تشير إلى أنها لا تحب المرأة المهزومة أو الضعيفة، وتشعر بأن قضايا المرأة تخصّها، لذلك تحب إثبات أن المرأة لم تعد تخضع للرجل، وعندما تدرك أنها لم يعد باستطاعتها الاستمرار، يمكنها الانسحاب، خلافاً لما كان يحدث في الماضي، إذ كان من المعيب عليها الانفصال عن زوجها.

تحجيم التأثير الشخصي

القاهرة – بهاء عمر

ترى جنات أن المطرب تعرض عليه كلمات وألحان تختلف مستوياتها بين الجيد والسيئ، بين الفرح الحزن، بالتأكيد سيختار ما يشبهه من ناحية حرصه على الجودة وليس بالضرورة الحالة.

تضيف أن شخصية الفنان وحالته النفسية غالبا ما تظهران في خياراته، بمعنى أن المطرب الذي تغلب على تفاصيل شخصيته المعاناة والحزن لا يجوز أن يقدم أغاني من الطابع نفسه، لأن ذلك سيحصره في نوعية معينة، وسيبدو كما لو كان يغني لنفسه فحسب.

تلفت إلى ضرورة التدقيق في اختيار كلمات الأغاني، ولا تجد مشكلة في أن الصبر مدة طويلة، وتؤخر إصدار ألبومها كي يخرج بأفضل جودة على مستوى الكلمات والألحان والتوزيع والترويج أيضاً.

 مهما كان بعض الأغاني التي تظهر على الساحة غير لائق من ناحية المستوى، لكن جنات على يقين بقدرة الجمهور على التمييز بين عمل غنائي تم بذل مزيد من الجهد فيه وكتبه الشاعر بكل ما يمتلك من أحاسيس ومشاعر، وبين أعمال سهلة وسطحية.

تعدد التجارب

يدعو حمادة هلال إلى مراعاة الأذواق كافة لضمان الوصول إلى شريحة أكبر من الجمهور، لافتاً إلى أن مساحة الجماهيرية مرتبطة بمدى قدرة الفنان في التعبير عن مشاعر الناس بشكل جيد.

يضيف: «تقديم كل الأذواق ليس معناه ألا يكون للفنان لون مميز، لكن يجب أن يكون متعدد التجارب داخل لونه الذي يشعر بأن الجمهور يفضله، ويلقى النجاح المناسب، مع الحرص بطبيعة الحال على التجديد منعاً للملل والتكرار.

لا يفضل فكرة أن تكون الأغاني التي يقدمها المطرب معبرة عن حياته الشخصية، موضحاً أن الأمر بالغ الضرر على الفنان على المستوى الطويل، فضلاً عن أنه ينمّ عن كسل في البحث عن أفكار جديدة وكلمات مبتكرة وألحان مميزة.

يتابع: «لا يوجد نجاح من دون تعب وبحث وشقاء، وبالتالي جودة الكلمات وتميز الألحان وطريقة تصوير الكليب، كلها منظومة يحكمها ضرورة التعامل الجاد والتمسك بالجيد فيها، وعدم الاستسهال باختيار الشائع}.

يرى أن الإصرار على الموقف والسعي لتقديم مستويات متنوعة من الأغاني يساهمان في البقاء والاستمرار للأغنية والمطرب على حد السواء.

نسخة مكررة

لا ينكر هيثم شاكر تأثير آرائه الشخصية وطريقة تفكيره على أغانيه، إلا أن مساحة ذلك في كل ألبوم غنائي يقدمه تكون محدودة قدر الإمكان، حتى لا يقدم نسخة واحدة مكررة من شخصيته في كل أغانيه.

يشير إلى ضرورة أن يكون للفنان بصمة في أعماله تعبر عن الخصوصية والتميز، وهو يستطلع آراء أصدقائه وزملائه المقربين بشأن أغنية ما، ويقرر، بناء على رأيهم، ما إذا كان سيقدمها أم لا.

لا يقدم عمرو مصطفى أغنية إلا إذا اقتنع بها بشكل شخصي، سواء على مستوى التلحين أو الغناء، مؤكداً أن إصرار الفنان على وجود شخصيته في أعماله مختلف عن تعبير الأعمال عن شخصيته، وهو ينحاز إلى المبدأ الأول، ويرفض الثاني.

يضيف أن الأغاني الوطينة، على سبيل المثال، سواء التي قدمها غناء أو تلحيناً تعبر بشكل مباشر عن أفكاره وقناعاته، كونه لا يقدم أغنية تختلف مع آرائه المعلنة.

يلفت إلى أن بعض الفنانين يطلب من المؤلفين كتابة أغنية تعبر عن حالة معينة أو تجربة ما، ورغم تأكيده أن ذلك من حق الفنان، لكنه يحذر من استخدامه إذ يكون توثيقاً للمواقف التي مر بها طوال حياته.

التجارب التي يمر بها الفنان سواء كان مطرباً أو مؤلفاً أو ملحنا، تؤثر في خياراته حتى ولو لم يشعر بذلك، أو يتعمد الأمر، في رأي آمال ماهر، وتضيف: «يجب أن يكون لشخصية الفنان تأثير في خياراته، ولا يستطيع أحد أن يمنع نفسه من اختيار ما يعبر عنه، لكن الفنان الناجح يحصر تلك الخيارات في أضيق الحدود، ويعبّر عن شريحة واسعة من هموم الناس ومشاكلهم.

back to top