التشكيلية ريهام السعدني: أسعى إلى سجن الجمهور في لوحاتي

نشر في 09-10-2015
آخر تحديث 09-10-2015 | 00:01
• رفضت تصنيف رسوماتها كفن إيروتيكي

حاضرة بين ضلوع لوحاتها، في حوار أبدي بينها وبين شخصياتها المتمردة الغامضة، يحركها شعورها بها، إذ يأتي طبيعيا كما الحياة، شلالا يمدها بالانتعاش، وبنشوة تدفعها إلى تلوين كل شيء.
بألوانهم تتلمس وجودها في الحياة، وتحاور الزمان، وتغوص في أعماق كيانها تبحث عن إجابات لأسئلة تضعها على طرف الإبداع اللامتناهي، أسئلة عن المعاناة والألم وعلاقتهما بالإبداع، عن الشيء ونقيضه أسئلة عن المرأة والرجل... عن الأقوى وعن الأذكى، وربما عن الأجمل... التقت {الجريدة} الفنانة التشكيلية المصرية ريهام السعدني في هذا لحوار.
الألوان الصارخة في لوحاتك لافتة، هل هذا دافعك لاستخدامها، وكيف ترين الفن في مواجهة الواقع؟

الحافز للرسم بسبب حبي للفن واكتشاف كل ما هو جديد، والألوان الصارخة ليست للفت الأنظار، فالفن مرآة الحياة، ويعكس ما يحدث في العالم، كذلك أرى الفن كحالة تنقل الشحنة الإبداعية من عالم اللاوعي إلى سطح الوعي، فيكون منفذاً لتخريج العواطف المخفية أو المسكوت عنها بداخل الفنان، وعن نفسي فأنا أغمض العينين وأسرح بروحي في الصمت لدقائق أو ساعات وأحياناً لأشهر منتظرة تكون الصورة، وحين أرسم أجد نفسي أغوص في بحر من الألوان والتفاصيل الصارخة التي تكمل اللوحة، وعندما تصل هذه الشحنة لتدغدغ عواطف المتلقي أعرف أنني نجحت.

هل أثرت دراستك وخلفيتك الأكاديمية على نوع الفن الذي تمارسينه؟

حصلت على الماجيستير ودكتوراه في الفنون من كلية الفنون الجميلة بجوار دراستي لعلم النفس والتاريخ المصري القديم، بالإضافة إلى دراستي وقراءاتي المتعددة في مجال فن الأداء الحركي ولغة الجسد، كذلك قرأت كثيراً للدكتور أحمد عكاشة وجمال حمدان وتحليلهما للشخصية المصرية وعلاقتها بالفن، وعبرت عن هذا في أعمالي، فيمكنك أن ترى في اللوحة الشيء ونقيضه، الجانب السيكولوجي والخلفية الثقافية، وكيف يؤثر في تفاصيل حياتنا وسلوكياتنا.

الغربة والحنين إلى الوطن... نلاحظ تأثير هذه المقولة في لوحاتك؟

أعيش خارج مصر فترات طويلة من العام، ولكن بلدي حاضرة طول الوقت. شكَّل بعدي عن وطني لديَّ رغبة لتجسيده عبر لوحاتي رغم المسافات بيني وبين أرضي وأهلي.

 وفي الحياة، تحركني مشاعر مختلفة أهمها المعاناة والألم والإحباط، فقد اكتشفت أنني أرسم بسهولة وتفيض أفكاري وأنا في مصر، ولكنها تكون شحيحة أو نادرة عندما أغادر الوطن، رغم الرفاهية والهدوء الذين يتوافران لي في الولايات المتحدة الأميركية، ناهيك عن المناظر الطبيعية الخلابة والغابات المذهلة التي تعتبر كنزاً لكل فنان ومصدراً للإلهام. ولكن بشكل أتوماتيكي أجد نفسي مشدودة إلى الضوضاء والتفاصيل المصرية الأصيلة، ودائما أعبر عن الحنين لبلدي في لوحاتي، فأرسم أشخاصاً يبكون أو حزينين، وذلك يعبر عما يجيش بداخلي من فقد.

موضوع الجسد، لا سيما جسد المرأة، واضح في لوحاتك. لماذا هذا السرد أو البوح لخارطة الجسد الأنثوي؟

دائما المرأة مصدر إلهامي، وفي لوحاتي أحاول التعبير عن نفسية المرأة ومشاعرها. أراها ذكية وقوية وقادرة على تحقيق ما ترغب به، وقد منحها الله أسلحة فتاكة تستطيع بها السيطرة على من تريد بواسطة العقل وحسن التدبير وهذا سر قوتها، فأجد أهم ميزة في المرأة ذكائها، ولكنها إن فكرت بعواطفها فقط فتخسر كل شيء. راهناً، لا أحب رسم الشخصيات المقهورة الضحية. ورغم أن كثيرين يصنفون رسوماتي تحت بند الفن الإيروتيكي، فإن هدفها التعبير عن قوة وذكاء المرأة وليس الهدف البوح لخارطة جسدها إنما هي إيحاءات تجريدية لوجودها. لا أحاكي الواقع ولكنني أرسم الموازي له، والمرأة ملهمة لجميع الفنون منذ القدم.

ما سر تلك القرون التي رسمتيها لبعض بطلات لوحاتك؟

استوحيت القرون من الميثولوجيا الفرعونية القديمة التي رسمت قرونا للإله لتخلع عليه صفة القوة والشجاعة، ورسمتها لبطلات لوحاتي  في محاولة للتأكيد أن المرأة ليست هدفاً سهلاً لمجرد أنها ناعمة وجميلة، فهي كذلك بالفعل، ولكنها مفترسة وقت اللزوم.

عربي... غربي

أقمت معارض عدة في مدن عربية وغربية، كيف تجدين نظرة الإنسان الغربي إلى الفن التشكيلي مقارنة بالإنسان العربي؟

عموماً، للفن التشكيلي لدى الإنسان الغربي قيمة فعلية ونفسية وعملية، وفي المقابل الإنسان العربي ينظر إلى الفن التشكيلي كنوع من الرفاهية أو الزينة لا أكثر. يأتي هذا الفرق الشاسع بين النظرتين بسبب اختلاف نمط التربية المنزلية والمدرسية والعزل بين الروابط النفسية، والفن التشكيلي في المجتمعات العربية. على سبيل المثال، تعتبر حصة الفن في جميع مراحل الحياه الدراسية حصة لهو ولعب وليست مهمة أكاديمية ولا نفسية ولا تعتبر أساساً لتكملة الدراسة الجامعية من تجاربي الخاصة في الغرب، أرى عمق فهم أهمية الفن التشكيلي للإنسان الغربي بزيارته المعارض واهتمامه بنشاطات الفنانين التشكيليين ومعرفته بتاريخ الفن التشكيلي القديم والمعاصر وثقافته الملازمة له شخصياً على مدار حياته.

كيف يتفاعل الجمهور مع لوحاتك؟

أحرص على متابعة وجوه القادمين لمشاهدة لوحاتي، وأنتظر بشغف ردود أفعالهم، وأبتهج كثيراً عندما أرى الجمهور مبهوراً بالألوان والتكوينات الجديدة، فغالبا ما يكون موضوع اللوحة لدى الآخرين وصفاً لحالة واحدة، قد يكون الألم أو المعاناة أو السعادة فقط. أما بالنسبة إلى الوحاتي فإن جمهوري يجد الشيء ونقيضه.

 أشعر أنني في بدايات النضج الفني، وأحاول فرض الأسلوب الخاص بي على المتلقي، وسرقته من الواقع الذي ينتمي إليه، وسجنه في واقعي المتخيل عن طريق اللعب على المنظور ومحاصرته به من جميع زوايا اللوحة وأبعادها وإدماجه في الزمان والمكان .

ماذا عن التجارب والمعارض التي شاركت فيها؟

لي تجربة عزيزة جداً على قلبي وفخورة بها تتمثل في رسم وتصوير 14 بورتريها تمثل وجوها لجنسيات العالم المختلفة وحضاراتها، وتم وضعها على بوابات الخروج في مطار القاهرة الدولي، كما تم تكرار هذه التجربة في مكتبة الإسكندرية، كذلك حصلت على جوائز في أوروبا، خصوصاً في النمسا، وفي مسابقة الجمعية الأميركية للفنون حصلت على جائزة في التصوير الفوتوغرافي، كذلك تمت استضافتي في مالطا بسبب مشروع المطار لإعطاء كورسات في هذا الفن، واختاروني كقومسير للجناح المصري في بينالي أمستردام وباريس .

back to top