أوباما مقابل بوتين: واقعية جديدة؟

نشر في 07-10-2015
آخر تحديث 07-10-2015 | 00:01
 تشارلز كروفورد في خطابين مهمين لأوباما وبوتين في الذكرى السبعين لتأسيس الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1945، تناول أوباما بلباقة كالمعتاد التناقضات العنيفة في الإسلام السياسي، وانتقد بوتين بحدة «التدخلات» الغربية في الشرق الأوسط، ساخراً من تجارب الولايات المتحدة البائسة، بما فيها النتائج السيئة لتسليح المعارضة المناهضة للأسد.

أدلى أوباما وبوتين بخطابين مهمين في الذكرى السبعين لتأسيس الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1945، ولنحدد أوجه الشبه والاختلاف بينهما:

يولد اليوم انهيار الحكام المستبدين والدول الهشة الصراع ويدفع بالرجال، والنساء، والأولاد الأبرياء عبر الحدود بأعداد هائلة... انهيار الحكام المستبدين والدول الهشة يولد! ويدفع!

يتحول الحكام المستبدون اليوم إلى شرارة الثورة غداً؟

ماذا؟ يعاني الحكام المستبدون انفجارا عفويا؟

أعتقد بكل تأكيد أن معيار القوة في عالمنا اليوم ما عاد يرتكز على السيطرة على الأراضي.

ماذا؟ ما معنى "ما عاد" هنا؟ تشمل المعايير التي يُقاس بها ضعف الدول بكل وضوح وعجزها عن السيطرة على أراضيها، ونرى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تصارع لاحتواء اللاجئين و"المهاجرين".

عمل الرئيس أوباما بلباقة كالمعتاد على تناول التناقضات العنيفة في الإسلام السياسي اليوم:

ما لم نعمل معاً لنهزم الأفكار التي تدفع بالمجتمعات المختلفة في بلد مثل العراق إلى الصراع، فإن أي نظام تسعى جيوشنا لفرضه سيبقى مؤقتاً، وأؤمن في أعماقي أن الظلم لا يستطيع أن يصهر التماسك الاجتماعي الذي تحتاج إليه الأمم لتنجح، فتستطيعُ أن تلقي بخصومك في السجن، إلا أنك تعجز عن احتجاز الأفكار.

احزم أمرك! إن كنا نستطيع هزم الأفكار، فلمَ لا يمكننا احتجازها؟ وما الأفكار التي تدفع بالطوائف الإسلامية المختلفة إلى ذبح إحداها الأخرى، كما تفعل منذ قرون؟ وما السبيل بالتحديد إلى هزمها؟

انتقد فلاديمير بوتين بحدة "التدخلات" الغربية في الشرق الأوسط، ساخراً من تجارب الولايات المتحدة البائسة، بما فيها النتائج السيئة لتسليح المعارضة المناهضة للأسد:

 بدل تعزيز الإصلاح، دمر التدخل العدائي بتهور المؤسسات الحكومية وطريقة العيش المحلية، وبدل الديمقراطية والتقدم، نرى اليوم العنف، والفقر، والكوارث الاجتماعية، والتجاهل التام لحقوق الإنسان، بما فيها حق العيش. لا بد من أن أسأل مَن ولدوا هذا الوضع: هل تدركون اليوم على الأقل ماذا اقترفتم؟ أود أن أخبر مَن شاركوا في هذا: أيها السادة، مَن تتعاطون معهم عنيفون، إلا أنهم ليسوا أغبياء. هم أذكياء بقدركم، وهنا ينشأ سؤال مهم: مَن يتلاعب بمَن؟

يتجاهل خطاب بوتين هذا بالتأكيد أن الكثير من مشاكل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأشد سوءاً نشأ من عقود من "الاشتراكية العربية" الفاشلة والفاسدة، التي زادتها تدخلات الاستخبارات السوفياتية سوءاً.

يستطيع الرئيس بوتين أن يشير بحق إلى أن عدداً من التدخلات الغربية في مختلف أرجاء الشرق الأوسط لم يكن حكيماً وفاعلاً، لكن عدم تدخل موسكو المثير للسخرية، الذي خدم مصالح أنظمة مستبدة بغيضة، أدى إلى كلفة بشرية مريعة.

يعلن أوباما استعداده للعمل مع إيران، مع أنه في الخطاب عينه يقول إن إيران تنشر أعوانها العنيفين الذين "يؤججون الصراع الطائفي الذي يهدد المنطقة بأسرها ويعزل إيران عن وعد التجارة والتبادلات التجارية". لا تشكل هذه الدولة بالتأكيد شريكاً عالي المصداقية في الشأن السوري؟

أعلن أوباما في مناسبات عدة، بطريقة أو بأخرى، أن "على الأسد الرحيل"، فهل يتبع اليوم سياسة جديدة: على الأسد الرحيل في النهاية، كجزء من عملية مدروسة؟ تفسح هذه المقاربة في المجال أمام صفقة وسخة جديدة مع موسكو؛ لذلك ذكر بوتين:

علينا أن ننضم إلى الجهود الرامية إلى معالجة المشاكل التي نواجهها جميعنا، وأن نؤسس ائتلافاً دولياً واسعاً يتصدى للإرهاب، وعلى غرار الائتلاف المناهض لهتلر، قد يوحد مجموعةً واسعةً من الأطراف المستعدين للوقوف بثبات في وجه مَن زرعوا، على غرار النازيين، الشر وكره الإنسانية.

بكلمات أخرى، إن كنا نرغب جميعنا في سحق داعش، فعلينا العمل (أ) معاً و(ب) مع الأسد، ولكن وفق شروط موسكو، وهكذا تظهر رسالته "غير المبطنة كثيراً" بوضوح في خطابه:

أصغِ أيها الغرب! طفح الكيل! كفوا عن التعامل بتردد مع داعش والإرهاب الإسلامي الأوسع. ظهرتم بمظهر المتحلفين الأغبياء، وزدتم الطين بلة.

لنقضِ على المتطرفين معاً، لكن هذا يعني تحديد الشركاء الأساسيين لتحقيق الاستقرار في المستقبل، لنقل مثلاً الأسد والعمل عبر الأمم المتحدة كي تتمتع روسيا بسيطرة كاملة على العملية والنتائج على حد سواء، أتريد الواقعية يا سيد أوباما؟ هذا واقعي.

لهذه الصفقة أوجه مغرية بالتأكيد، فلا شك أن احتمال انقضاض طائرات روسيا الحربية وقواتها الخاصة على داعش بزخم وبلا رحمة يستهوي القادة الغربيين. وقد تكون صفقة وسخة تبقي الأسد في السلطة في الوقت الراهن أفضل من انهيار سورية بالكامل وتدفق المزيد من اللاجئين إلى الغرب، بالإضافة إلى ذلك قد يؤدي التقدم المشترك هنا إلى تقدم مشترك في المسألة الأوكرانية.

يبدو هذان الخطابان في الأمم المتحدة مناورتين حذرتين تهدفان إلى عملية إعادة إطلاق مهمة في العلاقات الأميركية-الروسية، بعد سنوات من الاتهامات المتبادلة الباردة. يدرك فلاديمير بوتين أن أوباما سيبدأ الجزء الأخيرة من عهده كرئيس ويعرض عليه صفقة تذكر بما قدمه يلتسن عند انهيار الاتحاد السوفياتي:

امنح روسيا حصة كاملة ومنصفة من هذه العملية، وسنعمل بشكل كامل ومنصف معكم للتوصل إلى نتائج منطقية.

يكمن الاختلاف اليوم في أن الغرب يبدو اليوم أكثر ضعفاً وروسيا أكثر قوة.

لذلك ينشأ السؤال: هل يستطيع الرئيس أوباما والحكومات الأوروبية اليوم الوثوق بأن الرئيس بوتين سيلتزم بالعمل المتفق عليه لبلوغ نتائج منطقية في سورية وأوكرانيا (مثلاً)، حتى لو تمكنوا من الاتفاق مع موسكو حول ماهية هذه النتائج؟

كلا على الأرجح، ولكن هل يملكون خيارات أفضل؟

* «كومنتاتور»

back to top