ظاهرة غريبة داخل {زحل}!

نشر في 07-10-2015
آخر تحديث 07-10-2015 | 00:01
No Image Caption
تكشف تموجات غير عادية في حلقات زحل عن عمليات داخلية غامضة في هذا الكوكب الغازي العملاق. بدأ علماء الكواكب ومصممو النماذج يفكّون اللغز تدريجياً.
تتسابق مليارات الجزيئات حول مجموعة الحلقات الخاصة بكوكب زحل (عرضها 273600 كلم)، وهي تتألف في معظمها من جليد مائي والقليل من الصخور. تبدو الحلقات ناشطة جداً، وهي تشمل موجات ترتدّ نحو الخارج على شكل أنماط حلزونية، وتنجم هذه العملية بشكل أساسي عن جاذبية 62 قمراً تابعاً لكوكب زحل. تتجه الموجات التي تسببها الأقمار وتدور خارج نطاق الحلقات نحو الخارج دوماً.
ثم تتجه مجموعة من الموجات نحو الداخل. يعني ذلك وجود حركة في الداخل أيضاً.
يفترض معظم النماذج التي يعدّها العلماء عن كوكب زحل وغيره من الكواكب الغازية العملاقة أنّ الكوكب يكون متماثلاً: يحيط غلاف غازي كبير بنواة صغيرة وكثيفة بحجم كوكب الأرض على الأرجح. لكن من خلال دراسة موجات الحلقات، بدأ الباحثون يكتشفون أنّ ما يحصل أكثر تعقيداً بكثير.

صرّح فيليب نيكلسون، عالِم كواكب في جامعة كورنيل في نيويورك، لموقع Space.com: {ثمة أمر واحد يستطيع إنتاج هذه السلسلة من الموجات: يحصل تشويش معين داخل زحل خلال فترة تقلّ عن سبع ساعات}. لاحظ الباحثون في البداية إشارات على ذلك التشويش خلال التسعينيات، واستعمل فريق نيكلسون قياسات أكثر دقة لتوثيق بنى موجات الحلقات بالكامل كونها تعكس تأرجحات الكوكب من الداخل، بما يشبه إلى حدٍّ ما ذبذبات زحل.

في الوقت الراهن، يعطي قياس تلك التأرجحات أفضل فرصة للعلماء كي يكتشفوا ما يحدث في منطقة داخلية عميقة من الكوكب، مثل دوران زحل الداخلي أو بنيته التي تبدو أكثر تعقيداً مما كان يظن العلماء.

أوضح نيكلسون: {حتى إسقاط مسبار في الغلاف الجوي لن يكون مفيداً جداً بالضرورة لأن المسبار سيصل إلى المناطق التي يتراوح فيها الضغط بين خمسة وعشرة قبل أن يحترق أو يُسحَق. يجب أن نصل إلى منطقة أعمق بكثير لفهم ما يحصل}.

كوكب زحل ليس الجسم الفلكي الوحيد الذي يتبع حركة منتظمة. طوال سنوات، راقب الباحثون ذبذبات الشمس ونجوم أخرى. حتى كوكب الأرض يتبع إيقاعاً منتظماً ويستعمل العلماء تأرجحات الأرض كلها، نتيجة الزلازل الكبرى، لتحديد ما يحصل في الداخل.

صرّح الباحث جيم فولر من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا لموقع Space.com: {نعلم بوجود نجوم كثيرة، منها شمسنا، وهي تتأرجح بوتيرة معينة بحسب البنية الداخلية الفعلية للكوكب أو النجم}. يدرس فولر تلك التأرجحات ويطور نماذج عنها، وهي تشمل تلك الخاصة بكوكب زحل. يتكل بذلك على الأبحاث الأولية التي قام بها نيكلسون ومساعده ماثيو هيدمان الذي يعمل الآن في جامعة إيداهو.

يستطيع بعض الأدوات، مثل تلسكوب {كبلر} الفضائي الذي تستعمله وكالة {ناسا} لقياس درجة سطوع النجوم البعيدة تزامناً مع البحث عن الكواكب التي تدور حولها، إرسال المعلومات بشأن التغيرات في درجة السطوع، وهي تكون مفصلة بما يكفي لمشاهدة تحوّل النجوم: يُسمى هذا المجال {علم الزلازل الفلكية}. كذلك، قدّم علم الزلازل الشمسية الذي يقيس الموجات الصوتية تحت سطح الشمس صورة مفصلة للباحثين عن تدفق المواد في عمق الشمس. ويمكن أن تقيس أجهزة قياس الزلازل ذبذبات الأرض كلها بشكل مباشر عبر اللجوء إلى العملية المستعملة في علم الزلازل العادي الذي كشف للباحثين عن الظروف القائمة في عمق الأرض. لكن من الأصعب طبعاً رصد الحركات داخل الكواكب التي لا يعيش فيها البشر.

ثم برز {علم كرونوس للزلازل} الذي يدرس التأرجحات الحاصلة داخل زحل. اختار نيكلسون وهيدمان هذا الاسم لأن {كرونوس} هو المعادل اليوناني للإله الروماني الجبار {زحل} ومن المناسب أن يحمل الكوكب اسمه لأنه يتمتع بحلقات قوية. تتحرك تلك الحلقات وكأنها منفذ نادر على الحركات الناشطة في صلب الكوكب.

اليوم، تستكشف مركبة {كاسيني} الفضائية التابعة لوكالة {ناسا} كوكب زحل وأقماره، وقد قاست بحذر كمية الضوء التي تنتجها النجوم الفردية والتي تشعّ من الحلقات عبر {مطياف بصري لرسم الخرائط بالأشعة تحت الحمراء}، ويسمح هذا الجهاز للعلماء باحتساب التغيرات الحاصلة في كثافة الحلقات داخل مواقع مختلفة. يمكن أن يرصد الباحثون أنماطاً عن كثافة الحلقات، وهي تتخذ شكل موجات وتنجم عن تأرجحات الكتل داخل زحل، ثم يستعملون تلك الأنماط لمعرفة المزيد عن الكوكب، كما يحصل عند استعمال الأصوات التي يصدرها الكمان أو الطبل لتحديد شكل الآلة.

ظاهرة غريبة

حين جمع نيكلسون سلسلة من الموجات الناجمة عن حركة زحل لإعداد دراسة في عام 2013، لم يتوصل إلى نتيجة متماسكة. بدل رصد نمط منتظم من الذبذبات المتداخلة، شاهد بعض الموجات المضاعفة وموجات أخرى مفقودة.

أوضح نيكلسون: {لو كان زحل كرة كبيرة وجميلة من الهيدروجين السائل والهيليوم، السائل والغاز، يُفترض أن يتمتع بتردد موحّد يرتبط بكل واحدة من تلك النغمات الطاغية}. لكن بدت القياسات أشبه بكمان يعزف عدداً من النغمات المتنافرة عند مداعبة أحد الأوتار. يعني ذلك وجود خطب ما في الكمان!

استكمل فولر أبحاثه لمحاولة إيجاد أسباب التنافر المحتملة: {يُفترض أن يكون زحل مزوداً بطبقة داخلية تقع على عمق شديد وتكون متدرّجة بوتيرة ثابتة. لسبب معين، يبدو السائل ثابتاً جداً وهو لا يتحرك كثيراً. إنها ظاهرة جديدة لأن النماذج التقليدية من الكواكب العملاقة هي مجرد أغلفة للحمل الحراري (حيث تتحرك المواد بكل حرية لتبادل الحرارة) وهي تصل إلى النواة. لكني اكتشفتُ أن تلك النماذج البسيطة جداً لا تستطيع شرح ما نشاهده في الحلقات}.

حصر الاحتمالات

افترض فولر أن الطبقات الثابتة قد ترتبط بأسباب متعددة. من خلال تصميم كل سيناريو محتمل وقياس الموجات التي يستطيع إنتاجها، يأمل هو وغيره من الباحثين حصر الاحتمالات. يتعلق أحد التفسيرات بحسب قوله بانفصال الهيليوم عن الهيدروجين في أدنى طبقات الكوكب بسبب ارتفاع الضغط هناك، قبل أن يتركز في قطرات الهيليوم التي تسقط على مستوى أعمق. بعد ذلك، تصبح الحدود بين المنطقة التي ترتفع فيها كمية الهيليوم في الأسفل والمنطقة التي تشمل أكبر كمية من الهيدروجين في الأعلى حدوداً ثابتة بحسب قول فولر.    

قد يتعلق تفسير آخر بذوبان الجليد والصخر في النواة وتوجّههما نحو الأعلى، إلى حيث يتركز الهيدروجين والهيليوم اللذان يشكلان معظم الكوكب. ستؤدي هذه العملية أيضاً إلى نشوء طبقات ناعمة من السائل تحت الغاز المضطرب.

أضاف فولر: {في الماضي، فكّر الناس بهذه المفاهيم، لكن كان يصعب اختبارها لأننا لم نكن نستطيع رؤية زحل من الداخل. لكن بفضل علم الزلازل، بدأنا للمرة الأولى نحصل على لمحة واضحة عن تلك البنية الداخلية. لا تزال الطريقة بدائية جداً لأننا نستطيع رصد جزء صغير من عمليات زحل، لكنها كافية على الأقل للحصول على احتمالات مثيرة للاهتمام.

اكتشاف الحقيقة

ستساهم النماذج الجديدة للطبقة الداخلية من الكوكب الغازي العملاق في الكشف عن الاحتمال الذي يتماشى مع تأرجحات زحل الحقيقية. قال نيكلسون: {ننتظر ظهور تطورات نظرية}. في غضون ذلك، يتابع مسبار {كاسيني} جمع بيانات مفصلة من شأنها أن تزيد التركيز على النتائج. حين يدور ويصل إلى المدارات الأدنى مستوى، قد يكشف المزيد عن التغيرات السلسة في جاذبية الكوكب أيضاً.

يراقب الباحثون أيضاً حلقات أورانوس لمعرفة مدى قدرتهم على اكتشاف أي معلومة عن داخل الكوكب، ويمكن استكشاف حلقات كثيرة أخرى في النظام الشمسي. لكن حتى الآن، يقدم زحل أفضل لمحة عن أعماق الكواكب الغازية العملاقة ويمكن مقارنتها مع الكواكب البعيدة التي يتم رصدها حول نجوم أخرى. يتوق الباحثون المتخصصون بالكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية، من أمثال جوناثان فورتني من جامعة كاليفورنيا - سانتا كروز، إلى رصد أي مؤشر يمكن أن يكشف حقيقة الكواكب الغازية العملاقة. هو يقول إن أحد طلابه ينتظر أن يغوص مسبار {كاسيني} في كوكب زحل في عام 2017 لجمع بيانات الجاذبية الجديدة مع علم {كرونوس} للزلازل والحصول على صورة أكثر تفصيلاً. صرّح فورتني لموقع Space.com: {وفق المفهوم السائد، تكون الكواكب العملاقة أجساماً بسيطة جداً وهي تشمل نواة من الجليد والصخر، ونجد فوقها ذلك الغلاف الضخم من الهيدروجين والهيليوم. هكذا تصور معظم الناس الكواكب العملاقة طوال خمسين سنة. لكن يشير علم {كرونوس} للزلازل الآن إلى وجود منطقة غريبة وجزء غير بسيط وغير مرتبط بالحمل الحراري في أسفل الغلاف. هو يشير إلى أن زحل ليس جسماً بسيطاً بل تحصل فيه عمليات أكثر تعقيداً}.

back to top