الجامعات العربية والإرهاب

نشر في 07-10-2015
آخر تحديث 07-10-2015 | 00:01
 طالب الرفاعي بحسب التقرير السنوي لموقع (تايمس هاير إيديكاشن-Time Higher Education) الخاص بمجال التعليم الجامعي، والذي حوى ترتيب أفضل 800 جامعة في العالم، فقد غابت الجامعات العربية، لا عن المراكز المئة الأولى، ولا عن المئتين، بل إن أفضل الجامعات العربية جاءت ضمن الترتيب الـ600، وما أشدّ إيحاء هذه النتيجة، في تسليط الضوء على مخرجات التعليم في الدول العربية، وكيف أننا نسقط من حسابات دول العالم، لأننا نسقط أولاً في اختبارات الفكر والعلم والتعلم. وأننا في ذيل دول العالم، لأننا في ذيل التعليم.

أجد علاقة كبيرة وواضحة بين مستوى الجامعات في دول العالم، وبين فكر وممارسة الهيئات التدريسية فيها، ومناهجها، وسلوك وممارسات طلابها. الجامعات في الدول العربية، التي فيها جامعات تعمل بانتظام، هي أبعد ما تكون في أداها الأكاديمي والاجتماعي عن المستوى العالمي. فجامعات الغرب والشرق، تجعل من بحوث الأستاذ الجامعي معياراً لأهميته وترقيته ووجوده في الجامعة والمجتمع، في حين أن القسم الأعظم من الأساتذة العاملين في الجامعات العربية، إن لم يكن الجميع، مازال يمارس التدريس الجامعي بوصفه امتداداً لدور المعلم المدرسي. الدكتور في الجامعات العربية، يحضر ليقدم محاضرة مكتوبة لطلبته، يمارس دوره كملقّن، وينتهي دوره في اختبار مدى حفظ طلبته لمادته وتقييمهم على ذلك. ولا علاقة للأستاذ الجامعي العربي بالبحث وتطوير الذات، والنظر إلى إيجاد حلول لمشاكل المجتمع، عبر الأبحاث الميدانية. لذا فليس من علاقة بين الجامعات العربية وحركة المجتمع، وتالياً ليس من علاقة بين مناهج التعليم الجامعي وحركة المجتمع وقضاياه، وأخيراً فإن الطالب الجامعي العربي هو امتداد طبيعي لطالب المدرسة الثانوية، وإذا كانت جامعات العالم تخرّج طلاباً مفكرين ومبدعين، فجامعاتنا تخرّج طلاباً يلغون عقولهم ويجندون ذاكرتهم للحفظ والترديد. وهذا ما يفسر ظاهرة "جهلة المتعلمين".

ما زاد في ألمي وأنا أتفحص نتائج الترتيب السنوي للجامعات في العالم، أن دولاً عربية كثيرة لم يرد ذكرها إطلاقاً في التقرير. والكويت هي إحدى الدول التي غابت جامعاتها الرسمية والأهلية عن التقرير. وإذا ما أخذ في الحسبان أن جامعة الكويت تأسست عام 1966، أي قبل قرابة النصف قرن، في دولة غنية وصغيرة ومنفتحة على العالم، فإنه من المفترض أن تكون هذه الجامعة نموذجاً يحتذى به. ولكن، وللأسف فإن الناظر إلى أحوال جامعة الكويت، يشعر بالخيبة والحسرة، على جميع الصُّعُد، بدءاً بالمباني المتهالكة، مروراً بأداء الهيئات التدريسية، وعبوراً على طرق التدريس والمناهج، وأخيراً ممارسات الطلبة الجامعيين، التي تصل إلى حد تضاربهم واقتتالهم في الانتخابات الطلابية!

أتألم وأنا أقول: الجامعات العربية منذ عقود، وبسبب سيطرة وسطوة التيارات الدينية المتأسلمة على

عقول الناشئة، غدت ملاذاً للفكر المتعصب، والفكر المنغلق، والفكر الغيبي، والفكر الذي "يتعالق" مع كل شيء إلا نبض العصر والعقل والحداثة والتفكير الحر المبدع.

إن طالباً جامعياً يلغي عقله، ويصم أذنيه عما يدور في العالم من حوله، علماً وفكراً وإبداعاً، ويعيش يومه حاملاً لفكرة المؤامرة ومحاربة الآخر، إنما هو أبعد ما يكون عن العالم والعصر. طلبتنا في الجامعات العربية في جلهم لعبة في أيدي الأحزاب الدينية، وهم في ذلك أبعد ما يكونون عن التحصيل العقلي المنفتح، وأقرب إلى أن يكونوا خدماً لأجندات تلك الأحزاب، حتى إن عدداً مهولاً من طلبة الجامعات يتخرج من الجامعة بفكر أسوأ من الفكر الذي دخل به، ومنهم من يتخرج وقد لبس زي الإرهاب والإرهابيين.

سيصلح أمر مجتمعاتنا حين ينصلح التعليم بمختلف مراحله، وإلى أن يتحقق ذلك سنعيش إرهاباً اجتماعياً أعمى يحمله أبناؤنا ويتحركون به.

back to top