أدلّة جديدة عن فيروس لقاح الجدري

نشر في 05-10-2015
آخر تحديث 05-10-2015 | 00:01
No Image Caption
الجدري... هذه الكلمة وحدها كافية لتعيد إلى الذاكرة صور آلاف الأشخاص الذين عانوا ميتات فظيعة خلال التاريخ المكتوب. يُعرف هذا الفيروس علمياً باسم فيروس الجدري، وقد بلغ معدل وفياته 30%، في حين حمل الناجون ندوب الجدري على أجسامهم طوال حياتهم. على مدى آلاف السنين، كان تأثير الأطباء سلبياً أكثر منه إيجابياً. فقد جعلوا مرضى الجدري ينزفون الدم، وخزوهم بإبر من ذهب، احتجزوا في غرف درجة حرارتها عالية جداً وهم يعانون الحمى، وهكذا دواليك. وفي أفضل الأحوال كانت العلاجات مزعجة، وفي أسوأها كانت أشد فتكاً من الفيروس نفسه.
ولكن في تسعينيات القرن الثامن عشر، استخدم الطبيب الإنكليزي إدوارد جينير سائلاً من بثور جديدة على يدي سارا نيلمز، عاملة في مزرعة أصيبت بـ {جدري البقر}، نوع أقل فتكاً بكثير من هذا المرضى بغية إعداد لقاح. فحل التلقيح محل التجدير، عملية تطعيم باكرة كانت أكثر خطورة. لكن كثيرين يعتقدون ان الفيروس الذي استخدمه جينير في لقاحه لم يكن جدري البقر بل نوع قريب منه يصيب الإنسان والبقر على حد سواء، أو حتى جدري الأحصنة، الذي يُعتبر قريباً جداً من جدري البقر. وهكذا تخلصنا من الجدري في عام 1980 باستخدام سلاسل مختلفة من فيروس جدري البقر (أشكال من الفيروس تختلف قليلاً في حمضها النووي وفي طريقة تأثيرها في الإنسان والحيوان). صحيح أن كل سلاسل فيروس جدري البقر التي استُعملت في حملات التطعيم كانت فاعلة في تحصين الناس ضد الجدري، إلا أن فيروسات مستنسخة عدة اختلفت من جهة الاستمناع وتأثيراتها الجانبية. نتيجة لذلك، نصحت منظمة الصحة العالمية بأن التلقيح ما عاد ضرورياً بعد استئصال الجدري عام 1980.

فيروسان مستنسخان

لكن دراسات أخيرة اعتمدت على التسلسل التكنولوجي تؤكد أن الجيل الأول من اللقاحات شمل مجموعة هجينة جينياً من فيروس جدري البقر. في الواقع، لا يعلم أحد أصول فيروس جدري البقر أو العلاقة التي تربط نوعي الفيروسات هذين. وبغية الحصول على معلومات أوسع بشأن هذا الموضوع، تعاون باحثون من جامعة ريو دي جينيرو الفدرالية في البرازيل مع زملاء لهم من الولايات المتحدة وألمانيا، بهدف تطوير فحوص حيوانية وتحاليل جينية بشأن VACV-IOC، سلسلة لقاح الجدري التي استُخدمت للتخلص من هذا المرض في البرازيل. عمل الفريق على فيروسين مستنسخين من VACV-IOC، دُعي الأول B141 والثاني B388، وقارنوا حدتهما وردة الفعل المناعية التي يثيرانها بسلاسل أخرى من فيروس جدري البقر VACV، بما فيها لقاح الجيل الثاني الذي يُنتج حالياً في الولايات المتحدة (ACAM2000).

أظهرت الدراسة أن الفيروسين المستنسخين أديا في الفئران إلى ردة فعل مناعية حامية من عدوى فيروس الجدري المميتة، فضلاً عن أنهما كانا أقل حدة، ما يعني أن هذين الفيروسين المستنسخين لا يسببان المرض إن استُخدما في التطعيم. وقد أعرب الفيروس المستنسخ B141 خصوصاً عن حدة منخفضة، ما يعني أنه مرشح ممتاز للقاح الجيل الثاني.

عمل فريق البحث أيضاً على تحديد تسلسل الحمض النووي لكل فيروس مستنسخ بغية فهم علاقتهما التطورية مع سلاسل VACV الأخرى, فتوصلوا إلى معلومات جديدة مثيرة للاهتمام عن تاريخ فيروس جدري البقر. فبجمع بيانات تسلسل الحمض النووي مع الروايات التاريخية، تشير الدراسة إلى أن VACV-IOC يرتبط بفيروس كانتاغالو (CTGV)، سلسلة من فيروس جدري البقر أصابت المواشي والمزارعين في البرازيل. وربما تعود هاتان السلسلتان كلتاهما إلى فيروس بقري قديم واحد (يرتبط بفيروس جدري الأحصنة). تذكر كلاريسا داماسو، التي قادت الدراسة: {يشير بحثنا التاريخي إلى أن فيروس CTGV هو سلسلة متمردة من VACV هربت إلى الطبيعة من عينة حُملت من فرنسا إلى ريو دي جينيرو عام 1887، وتُعرف هذه السلسلة بسلسلة بوجنسي.عثرنا على سجلات تاريخية عن أبقار ملحقة في ريو دي جينيرو نُقلت إلى مختلف أرجاء البلد، ما سمح لهذا الفيروس على الأرجح بالهرب إلى الطبيعة. صحيح أن السجلات من مطلع القرن العشرين تفيد عن انتقال فيروس جدري البقر إلى ماشية الحليب من البقر الملقح}.

ومن اللافت أن الجمع بين بيانات الحمض النووي والتاريخ كشف أن فيروس Dryvax الذي قاد إلى تطوير الجيل التالي من لقاح الجدري في الولايات المتحدة قد يكون له الأصل ذاته كما فيروس VACV-IOC البرازيلي، الذي يأتي بدوره من سلسلة بوجينسي الفرنسية، لا من السلسلة الإنكليزية، كما ساد الاعتقاد سابقاً.

نظراً إلى الخوف من ظهور شكل ما من أشكال فيروس الجدري مجدداً بين البشر، مستخدماً كسلاح، تظل الحاجة إلى أجيال جديدة من لقاحات الجدري ملحة. نتيجة لذلك، من الأهمية بمكان فهم الترابط بين سلاسل الفيروسات المختلفة واكتشاف فيروسات مستنسخة جديدة يمكن استعمالها لتطوير لقاحات جدري جديدة.

back to top