الدهون المهدرجة ليست كلها مضرّة

نشر في 05-10-2015
آخر تحديث 05-10-2015 | 00:01
No Image Caption
تحدث الدهون المهدرجة (التقابلية) عندما يمر الزيت بعملية هدرجة، وذلك يجعل الزيت أكثر صلابة. وتُستخدم هذه الدهون كمكونات في الأطعمة المعالجة، مثل الحلوى، والبسكويت والفطائر، وللقلي.
 ومن المعروف جيداً أن المعدلات العالية من الدهون المهدرجة المنتجة اصطناعياً في الطعام تؤدي إلى ارتفاع الكولسترول، مشاكل في القلب، سكتة دماغية، والداء السكري. كذلك ترتبط هذه الدهون بالعقم، مرض ألزهايمر، وبعض أنواع السرطان. لذلك اتخذت الولايات المتحدة، مثلاً، خطوات لخفض كمية الدهون المهدرجة الاصطناعية في الطعام، فيما نشهد في أوروبا ميلاً إلى الحد من استهلاكها. لكن العلماء ما زالوا يجهلون حتى اليوم ما هي الكميات القصوى الآمنة للإنسان من هذه الدهون، وما إذا  ثمة اختلاف بين الدهون المهدرجة المنتجة اصطناعياً وتلك الطبيعية.

تركيز الدهون المهدرجة

عمل باحثون من ألمانيا بقيادة الدكتور ماركوس كليبير، باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في قسم الطب في كلية مانهايم للطب في جامعة هيدلبيرغ، على قياس مدى تركيز الدهون المهدرجة في أغشية كريات الدم الحمراء في حالة المشاركين في دراسة لودفيغشافن للمخاطر والصحة القلبية الوعائية. انضم إلى هذه الدراسة ما معدله 3316 شخصاً يعيشون في جنوب غرب ألمانيا بين عامَي 1997 و2000، بعدما دخلوا المستشفى للخضوع لتصوير الأوعية التاجية بغية التحقق مما إذا كانوا يعانون أمراضاً قلبية. وقد شملت هذه الدراسة الأخيرة 3259 منهم. وخلال فترة متباعدة تبلغ أكثر من 10 سنوات كمعدل (تمتد من أقل من سنة إلى نحو 12 سنة)، مات 975 (30%) من هؤلاء المرضى.

حلل الباحثون عينات دم من المرضى بغية تحديد مدى تركيز الدهون المهدرجة الإجمالي، فضلاً عن التمييز بين تركيز الدهون المنتجة اصطناعياً وتلك الطبيعية. ثم ربطوا هذه المعلومات بالوفاة، أسباب الوفاة، التاريخ الطبي، وعوامل أخرى من الممكن أن تؤثر في النتائج،  على غرار ما إذا كان المريض يتناول أدوية مخفضة للكولسترول، مثل الستاتينات، وعوامل خطر مثل التدخين، عدم ممارسة تمارين رياضية، مؤشر كتلة الجسم، الداء السكري، وارتفاع ضغط الدم.

يقول الدكتور كليبير: لاحظنا أن معدلات التركيز أكبر من الدهون المهدرجة في أغشية كريات الدم الحمراء لا ترتبط بارتفاع الكولسترول السيئ فحسب، بل بانخفاص مؤشر كتلة الجسم، تراجع الدهون في الدم (الدهون الثلاثية)، وتدني مقاومة الإنسولين، أيضاً، وبالتالي تراجع خطر الإصابة بالداء السكري. كذلك فوجئنا حين اكتشفنا أن الدهون المهدرجة الطبيعية ترتبط بتراجع معدل الوفيات جراء أي سبب. ويعود ذلك خصوصاً إلى تراجع خطر الموت القلبي الفجائي».

يضيف: «فوجئنا  أيضاً عندما رأينا أن ارتفاع تركيز الدهون المهدرجة الاصطناعية لم يترافق مع زيادة في نسبة الوفيات، ما يتعارض مع الملاحظات التي أجراها الباحثون في الولايات المتحدة. وقد يكون سبب ذلك أن الدهون المهدرجة في مجموعتنا من المرضى الألمان كانت أدنى بكثير، عموماً، من تلك التي لوحظت في الولايات المتحدة. فلم يبلغ أي من المشاركين في دراستنا معدلات تركيز هذه الدهون الشائعة بين مَن يعيشون في الولايات المتحدة».

تراوحت نسب الدهون المهدرجة في دم المشاركين بين 0.27% و2.40% من مجموع الدهون، ما يجعل المعدل عموماً أقل من واحد في المئة. وأشارت دراسة أخرى في الولايات المتحدة استمرت فترة مشابهة تقريباً إلى معدل فاق 2.6% من إجمالي الدهون.

معدلات متدنية

وُزع المرضى على ثلاث مجموعات: تمتع مَن امتلكوا أعلى نسب تركيز من الدهون المهدرجة الطبيعية (أعلى من 0.2%) بتراجع خطر الموت القلبي الفجائي بنحو 37%، مقارنة بمن حصلوا على أدنى نسب التركيز، وذلك بعد الأخذ في الاعتبار عوامل عدة قد تؤثر في النتائج. أما النتائج الأخرى عن أي روابط بين إجمالي الدهون المهدرجة، الدهون المهدرجة الاصطناعية، أو الدهون المهدرجة الطبيعية والموت، فجاء غير ذي أهمية من الناحية الإحصائية بعد أخذ العوامل المهمة الأخرى في الاعتبار.

يشير الدكتور كيبلير: «تُظهر نتائجنا أن المعدلات المتدنية من الدهون المهدرجة الاصطناعية التي لاحظناها في الدراسة لم تشكل أي خطر على الصحة. لذلك من الممكن اعتبارها آمنة. كذلك لاحظنا أن حمض البالميتوليك المهدرج (دهون مهدرجة طبيعية في الحليب ولحوم الحيوانات المجترة) يرتبط بتحسن معدلات السكر في الدم وتراجع حالات الوفاة جراء أي سبب، وخصوصاً الموت القلبي الفجائي».

يذكر الدكتور كليبير: {تشير أبحاث سابقة إلى أن استهلاك الدهون المهدرجة في الدول الأوروبية يختلف كثيراً. فتميل الدول المتوسطية عادةً إلى استخدام كميات أكبر من زيت الزيتون، مقارنة بالزيت النباتي المهدرج. نتيجة لذلك، يحتوي طعامها كمية أقل من الدهون المهدرجة، مقارنة بالنظام الغذائي التقليدي في بلدان الشمال الأوروبي. لكن استهلاك هذه الدهون في بعض دول أوروبا الشرقية وفي بعض الدول النامية ما زال مرتفعاً. ومن المؤسف أن للتركيز على الاستهلاك حدودا واضحة من الممكن تخطيها بالتركيز على معدلات كريات الدم الحمراء، تماماً كما فعلنا في دراستنا. نتيجة لذلك، تدعم بياناتنا مقاربة جديدة إلى التحقق من الدهون المهدرجة وتقديم الأدلة على أن الدهون المهدرجة الطبيعية تختلف عن الدهون المهدرجة غير الطبيعية}.

يتابع موضحاً أن دراسة لودفيغشافن للمخاطر والصحة القلبية الوعائية، التي قادها البروفسور وينفريد مارز، شكلت دراسة وبائية بالغة الأهمية نظراً إلى فترة المتابعة الطويلة والمعلومات المفصلة المتوافرة عن المشاركين. يقول الدكتور كليبير: {توصلنا إلى نتائجنا بالجمع بين لودفيغشافن للمخاطر والصحة القلبية الوعائية وتحليل معدلات الدهون في كريات الدم الحمر، مستخدمين طريقة خاصة حددها مختبر البروفسور كليمنز فون شاكي، وتحد من المتغييرات اليومية في العينات، فضلاً عن التفاوت في القياس. ونشعر أننا سننجح في تقديم معلومات أشمل عن الدهون وأهميتها بالنسبة إلى الصحة في المستقبل}.

back to top