لندن عاصمة الثقافة بجدارة

نشر في 05-10-2015
آخر تحديث 05-10-2015 | 00:01
 فوزية شويش السالم لا أظن أن هناك عاصمة تتفوق على لندن في كثرة أنشطتها الثقافية وفي هذه الكمية المتنوعة بمختلف أنواع الثقافات وتعددها، فلندن تعج بجميع أشكالها وأصنافها سواء ما كان متعلقاً بالتاريخ أو الجغرافيا أو الطبيعة أو التراث أو الفنون بأجمعها من موسيقى وغناء ورقص وفنون تشكيلية ومسرح وشعر ورواية، ولكل من هذه الفنون تفرعات مختلفة ومتعددة، فالموسيقى تندرج تحتها أنواع من المسميات الموسيقية المختلفة، ومثلها الفنون التشكيلية والرواية والمسرح الذي هو بحد ذاته حكاية خاصة بها، فمعظم مسارح العالم قد انكمشت عروضها أو توقفت بسبب انحسار الحركة المسرحية بشكل عام، إلا في إنكلترا فمازال المسرح فيها متوهجاً وعروضه مكتملاً عدد الحضور فيها على مدار السنة، وما ينطبق على العروض المسرحية ينطبق على العروض السينمائية، ومن الصعب الحصول على التذاكر ما لم تُحجَز مقدماً قبل العرض بوقت طويل، وأغلب هذه المسرحيات قد مرت عليها سنوات عديدة وهي مستمرة في عروضها.

ومعظم الشركات والمؤسسات تساهم في الأنشطة الثقافية عن طريق التمويل والدعم أو أن يكون لها مشاركة فعلية باحتفاليات خاصة بها، هذا إضافة إلى الشوارع بحد ذاتها والطرقات والكورنيش الطويل الممتد بمحاذاة نهر التايمز الممتلئة بعروض الفنانين الجوالين من موسيقيين أو استعراضيين أو "أكروبات" وكل من له موهبة في أي مجال بإمكانه عرضها في الشارع، سواء لغرض جمع المال أو للترفيه عن المارة واختبار موهبته.

الشوارع والحدائق والمنتزهات مسارح مفتوحة لمواهب الجميع ولممارسة جميع الأنشطة الفنية والاستعراضية، ولا توجد ممنوعات أو محظورات على طريقة استخدامها، لذا باتت متنفساً ممتعاً موفراً البهجة للجميع بلا أية تكلفة۔

الفن في لندن هدف يُحسن طريقة استخدامه ليتم عبره توصيل رسالة أو غرض أو معلومة يراد نشرها والوصول إلى تحقيق مراد مرجو منها، وهذا هو دور الفن وسر عظمته الكامنة في قدرته الهائلة على اختراق المشاعر والعقول والوجدان، والتمكن من توصيل الرسالة المرجوة منه، ولهذا السبب تدعم الشركات والمؤسسات الفنون والثقافة لتوصيل وعي بأهداف مرسومة.

ومن الرسالات الفنية التي أعجبتني جداً الدبة القطبية التي صممتها مجموعات الخضر المهتمة بالمحافظة على البيئة وكوكبنا الأرض، وصُمم شعارهم بشكل رائع وبعنوان لافت وهو: "انضم إلى الزعيق لإنقاذ القطب"، والزعيق أو الصراخ أو الزئير ناتج من شكل دبة ضخمة بحجم حافلة إنكليزية بطابقين وضعت أمام مقر شركة شل البترولية التي تحفر في القطبين لاستخراج البترول عن طريق وضع مواد مذيبة للجليد ومدمرة للبيئة النباتية والحيوانية، وهذه الدبة تعترض على تدمير الشركة لبيئتها ولحياتها فيها عن طريق تحريك رأسها والصراخ بزعيق وخوار رهيب يسمعه المارة ويتأثرون به ويحزنون وينضمون لقافلة الزعيق والرفض.

الجميل في هذا العمل الفني هو في طريقة تنفيذ جسم الدبة وهيكلها الذي تم بمواد معاد استعمالها، استخدمت بمهارة وذكاء وجمالية فنية مبهرة حتى تؤدي الغرض والهدف منها.

ومن الرسالات الأخرى التي تعكزت على الفن كي توصل أهدافها قيام "سانت نيكولاس ماركت" بدعم فنانين لتصميم مجموعة خراف يبلغ عددها 70 خروفا بالحجم الطبيعي للخروف لأجل جمع التبرعات لأطفال مستشفى بريستول الخيري، وهذه الخرفان صُممت بطريقة فنية في غاية الجمال، وكل واحد منها بحد ذاته تحفة فنية ساحرة، وإضافة إلى هدف الفرجة هناك جمع التبرعات ومن ثم سيتم بيعها وستُشترى عن بكرة أبيها من قبل البنوك والشركات والمولات والأفراد، مما سيدر مبلغاً ضخماً لدعم المستشفى عن طريق الفن الذي اخترق وجدان الجميع وعواطفهم بسرعة البرق من دون شعارات وطنطنات فارغة.

من سنتين كان هناك حملة فنية رائعة لدعم الأفيال في العالم والمحافظة عليها، وفي العام الماضي كانت حملة أخرى لدعم النمور وعدم انقراضها، وحملات لحفظ النبات أو المباني أو حماية الحقوق لمختلف الفئات والطوائف، وكلها تعتمد على الفن كأسرع وسيلة في العبور الخارق لاكتساح العواطف لتحقيق أهدافها.

تبقى لندن مدينة للنور والثقافة والفن بمتاحفها المفتوحة للنهل من المتعة المعرفية والفنية والثقافية فيها بالمجان، وربما تكون العاصمة العالمية الوحيدة التي لا تضع تعريفة دخول إلى أي متحف فيها، وهذا بحد ذاته يضعها كعاصمة أولى للثقافة.

back to top