«جمر المستنقع» اجتماع التمرد والأمل لتطهير السلطة

نشر في 05-10-2015
آخر تحديث 05-10-2015 | 00:01
No Image Caption
واقع المجتمع اللبناني الأليم، سياسياً وأخلاقياً، وخصوصاً في الفترة الأخيرة، يصوّره لنا غسان شبارو في كتابه {جمر المستنقع} من خلال قصة تمرّد الشباب، فيثير في حنايا صدورنا مشاعر الغضب الممزوج بأمل التغيير (من منشورات الدار العربية للعلوم).
إذا أردت شرح معاناة شعب ووطن بغية التغيير، فلا توارب ولا تبحث عن التبريرات والأعذار. قل الحقيقة وابحث مع مواطنيك عن سبل العلاج، وعندما تنغلق أمامك أبواب الحوار والتفهم فما عليك سوى أساليب التمرّد والعصيان على الفساد ليستقيم الوضع من جديد وتعود الأمور إلى الصراط المستقيم.

عانى مؤلف {جمر المستنقع} سنوات من القهر، ورؤية مجتمعه ينحدر سياسياً وأخلاقياً إلى هاوية لا قعر لها، وجميع ما يملكه قلم ذو شوكة حادة، فامتشقه وخرج إلى ساحة المعركة يحارب به الآفات التي حلّت بوطنه وكادت تفككه.

صنع غسان شبارو أبطال روايته من الشباب الذي لم يعد يحتمل أجواء {المستنقع} الذي يعيش فيه، وشبهه بالجمر الذي سيطهر كل السلطات من أدرانها، وكل الإدارات من أوساخها، فهل سيتمكن هؤلاء فعلا من إصلاح ما فسد؟

أصل كل شر

يتصدّر الكتاب قول رائع يختصر كتاباً في مغزاه، إذ يقول المصلح الاجتماعي الأميركي هنري جورج: «في أصل كل شر اجتماعي خطأ سياسي كبير»، فكيف إذا تعددت الأخطاء، في كل ميدان من ميادين المجتمع، وكانت أسبابها جميعاً الفساد المستشري لدى المسؤولين وفي مختلف إدارات الدولة؟

نعم! لقد تضاعفت الشرور في لبنان، وغدا كل مواطن يشعر بوطأة الجرائم التي تقترف بحقه يومياً، فمن انقطاع في الكهرباء ما زال قائماً منذ ثلاثين عاماً إلى تقشف في المياه التي كانت تتفجّر هادرة في ينابيعها، إلى تسميم بيئة اشتهرت برائحة صنوبرها، إلى رشوات  اجتاحت الإدارات الحكومية فحللت ما كان محظوراً، إلى ألف سبب وسبب أشعلت نار الغضب والوطنية في صدر المؤلف فأوقدها في صدور أبطاله.

  صديقة  البيئة

اختار المؤلف صبيّة ثريّة مولهة بحقل البيئة، وفي الوقت عينه هي ناشطة اجتماعية مناهضة للفساد.

دينا رشيد لم تدع فرصة تمرّ من دون استغلالها لمصلحة البيئة، فالسيارة التي تقودها صديقة للبيئة من ناحية استهلاكها للوقود وحجم انبعاثاتها الكربونية المنخفض، وفي المدرسة تشجع تلامذتها على إقامة «أسبوع الغذاء الصحي»، وإعداد ملصقات تشجع أفراد المجتمع على اعتماد الطعام المناسب، وقد أعجبها أحد الملصقات الذي يحرّض على مقاطعة مطعم «أطيب برغر» المواجه لمدخل المدرسة.

من ضمن نشاط دينا كان تجمّع «دراجات البيئة» الذي أنشأته للحدّ من استخدام السيارة واستخدام هذه الرياضة في التعرّف إلى المناطق اللبنانية كافة.

فرصة للانتقام

في الوقت عينه كان الشاب العازم على الهجرة نضال كامل يتخبط في مشاكله وينتظر الفرصة للثورة على النظام، لوضع خطة انتقامية للثأر من مبنى «مصلحة الكهرباء»، وبينما كان يلتقط صور البناء وهو على دراجته استفزته دينا بتجاهلها إياه وتجاوزته دون أن تعيره أي التفاتة، فأخذ نضال القلم وخطّ على راحة يده رقم لوحة السيارة التي عرف بعدها اسم صاحبتها وعنوانها.

في المهجر

يفتح نضال خدمة سكايب ليجري حواراً مع ابن خالته جايمس المهاجر الذي أصبح أميركياً ويناشده لمساعدته في الحصول على «الجرين كارد» ولو التجأ إلى الرشوة، لكن جايمس يجيبه أن خزعبلات الرشوة في لبنان لا تسري في أميركا على المواطنين البسطاء، إنما تكمن في مستويات الإدارة العليا وبيوت المال والشركات الكبرى.

لم تمضِ على هذا الحوار مدة طويلة حتى أصابت الأزمة المالية الكارثية في أميركا جايمس شلبي ووالده عمر الذي هاجر وطنه تحقيقاً للحلم الأميركي، وإذا به يكتشف أنه سراب، فتتراكم المشاكل المالية على عائلته كما تراكمت على  الملايين من الأميركيين الذين وقعوا ضحية شبكة الأوهام التي صنعتها وول ستريت وعممتها وسائل الإعلام. لكن الشبان الأميركيين لم يسكتوا وتدفق الآلاف منهم إلى «حديقة زوكوتي» المجاورة لوول ستريت واحتلتها، وكان عمر شلبي بينهم يطلق الشعارات المعبّرة عن الظلم الذي لحق بالمواطنين الأبرياء.

الأحداث تتوالى

تتواصل الأحداث مع كلّ من أبطال القصة بأسلوب مشوّق تطيب قراءته، فالمعاناة واحدة وإن اختلفت أساليب التعبير. دينا رشيد تلاحق بإصرار كل من يتعرّض للبيئة، ونضال يحاول الانتقام من شركة الكهرباء والكتابة على الجدران منتقداً الحكومة ومحسوبياتها. أما المهاجر عمر شلبي فقد سببت له خسارة منزله جرحاً عميقاً وقد وعد زوجته بالعودة إلى الوطن، ويبقى رمزي ماهر صاحب مطعم «أطيب برغر» الذي هاجمته دينا في عقر مطعمه فأصبح عضواً في تجمّع «دراجات البيئة».

استشراف الأحداث

مادة الرواية أحداث تخيّلها المؤلف من وقائع مجتمعه واستمدها من حياة الناس الذين عاصروه، فصوّر طبائع الشباب وانتقد الفساد والذين عمموه، وشجع على احترام البيئة والدفاع عنها، وكل ذلك بأسلوب قصصي سهل لا تصنّع فيه ولا مبالغة، يتضمن مختلف المفردات التقنية الجديدة في حقل الإنترنت.

أما الأمر الذي يسترعي كامل الانتباه فهو الحراك الشبابي الذي حصل في بيروت، بعد فترة من كتابة الرواية واتخذ المسار نفسه، وكأن المؤلف قد استشرف فعلا ما سوف يحدث في وطنه، فأطلق صفارة الإنذار قبل الوقوع في الهاوية «ومن له أذنان سامعتان فليسمع».

back to top