الانتخابات والديمقراطية في الإمارات

نشر في 04-10-2015 | 00:01
آخر تحديث 04-10-2015 | 00:01
 ياسر عبد العزيز انتخابات المجلس الوطني الاتحادي ذي الصلاحيات الاستشارية من الخطوات المهمة في طريق الديمقراطية الذي تنتهجه الإمارات العربية المتحدة، ولكن يجب أن يتبعه أمور مهمة؛ مثل تطوير بعض السياسات التي من شأنها تعزيز المشاركة المجتمعية عبر توسيع حرية الإعلام، ومحاربة الفساد، وتعميق تكافؤ الفرص بين أبناء الإمارات كلها.

حين أجريت أول انتخابات من نوعها في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2006، لانتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي ذي الصلاحيات الاستشارية، كانت الحكومة أكثر إلحاحاً ورغبة في توسيع المشاركة السياسية لمواطنيها، في حين كان المواطنون أقل شغفاً بتلك الممارسة الجديدة وغير واضحة المعالم في آن.

لكن الانتخابات الثالثة من نوعها في هذا البلد الخليجي الغني، والتي جرت أمس السبت، تجيء في ظروف مختلفة نسبياً؛ إذ يبدي المواطنون شغفاً واهتماماً أكبر بالعملية الانتخابية، في ظل زيادة عدد أعضاء الناخبين.

منذ نجح القائد التاريخي الشيخ زايد آل نهيان في إقامة إحدى أهم التجارب الوحدوية وأنجحها في الوطن العربي، مؤسساً دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، تكرست شرعية النظام الحاكم في ذلك البلد، وقد رسخت وتعززت تلك الشرعية بالإدارة الحكيمة والشجاعة التي أبداها على مدى فترة حكمه التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود.

وقد جاءت عملية انتقال السلطة سلسة وناعمة بدرجة كبيرة، وأظهر الوريث الشيخ خليفة النجل الأكبر للشيخ زايد قدرة ملحوظة على المضي قدماً في تنفيذ رؤية والده، كما برزت قدرات الشيخ محمد بن زايد القيادية، في ظل التعاون والتفاهم المستقرين والمطردين مع الشيخ محمد بن راشد وبقية حكام الإمارات.

لا يبدو أن هناك أي قدر من الشكوك حول مدى رسوخ شرعية النظام الحاكم في دولة الإمارات ولا أي من الإمارات السبع التي تكوّن الاتحاد، بل إن التفاف المواطنين حول الأسر الحاكمة في ذلك البلد يبدو في ازدياد.

الأمر ذاته يمكن قوله فيما يتعلق بدرجة الرضا عن السياسات بشكل مجمل، فضلاً عن القدرة الواضحة للإمارات كدولة اتحادية، وأبو ظبي كعاصمة ورئيسة وممولة للاتحاد، على مواجهة المشكلات المالية الجذري منها والطارئ.

لقد فُرضت تحديات أمنية كبيرة على الإمارات في الفترة الأخيرة؛ بعضها يتعلق بأنشطة سياسية تستهدف نظام الحكم ذاته، وبعضها الآخر يتعلق بمشكلات أمنية ذات طبيعة إرهابية أو جنائية.

وفي غضون ذلك، كانت الإمارات أمام أسئلة مفصلية تتعلق بدورها الإقليمي، ونطاق دفاعها عن مصالحها؛ وهو الأمر الذي أخذها إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية، حيث شاركت في "عاصفة الحزم"، وبعدها "إعادة الأمل"، وأرسلت جنوداً إلى اليمن، وقد قُتل عدد منهم.

أظهر النظام حنكة ومرونة في التفاعل مع أزمة مقتل الجنود في اليمن، وأبدى المواطنون تماسكاً وتلاحماً نادرين مع الحكومة، ومرت الأزمة من دون مشكلات كبيرة.

ثمة امتحان آخر شبه يومي تتعرض له الحكومة، وهو الامتحان الذي يتعلق بمقاومة التقلبات المالية الحادة، ومعظمها مرتبط بالأزمات المالية العالمية أو أسعار النفط.

ويضاف إلى ذلك بالطبع الضغوط التي تتعلق بأعداد العاطلين، وعدم قدرة النشاط الاقتصادي المزدهر في الإمارات على توفير فرص التوظيف لكل المواطنين، في الوقت الذي تصبح فيه الدولة مقصداً لطالبي الوظائف من أكثر من 190 بلداً حول العالم.

توجد مشكلات أخرى بالطبع؛ منها الخلل الحاد في التركيبة السكانية، وشعور قطاع من السكان المحافظين بتهديد الهوية الثقافية والاجتماعية، والضغوط على منظومة القيم بسبب ارتفاع عدد الوافدين ليصبح أكثر من أربعة أضعاف المواطنين.

يتحدث البعض أيضاً، خصوصاً في عدد من الإمارات الشمالية، عن "تهميش اجتماعي وسياسي"، و"غموض في آلية اتخاذ القرار على مستوى السياسة الخارجية والأمن"، و"عدم خضوع السياسات العامة للقدر اللازم من المحاسبة أو التقييم"، و"ضيق الهوامش التي يتحرك فيها الإعلام"، و"عدم التكافؤ في حظوظ التوظيف"، وبعض التحفظ عن السياسات الخارجية والداخلية التي تبدو أحياناً أكثر جرأة من المعتاد أو المطلوب.

لكن تلك الانتقادات كلها لم توفر أي ذرائع كافية في أي وقت من الأوقات لإنتاج حالة من حالات المعارضة المنظمة أو الشكوى المستديمة، فقد ظلت عوائد النفط والأنشطة الاقتصادية الأخرى قادرة على إدراك الرخاء وسد الثغرات التي تنشأ أحياناً بسبب سوء توزيع الموارد أو هدرها. كما ظلت قدرة الحكومة على التواصل المباشر مع القوى الحية في المجتمع، والوفاء بالاستحقاقات المتعلقة بالهوية والثقافة والكفاية والإنجاز المادي، كافية للجم تلك الانتقادات وتفنيدها.

لقد سعت جماعات، مثل "الإخوان المسلمين"، إلى استثمار بعض مثل تلك الانتقادات، وبالفعل، أعلنت السلطات توقيف "شبكات" و"خلايا"، وقدمتها إلى المحاكمة في ذلك الصدد، لكن الكتلة الأكبر من المواطنين، وخصوصاً الشباب الذين يبدون ناشطين جداً على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المنتديات، تظهر قدراً كبيراً من الرضا والتفهم، وتمنح القيادة الثقة والتفويض.

ورغم ذلك، فإن رفع أسعار بعض المحروقات، أو الاتجاه لفرض أنواع من الضرائب، أو بذل بعض المواطنين الدماء في الحروب، ستقلل مظاهر "دولة الرفاه"، وستمنح المواطنين الذرائع للمطالبة بتوسيع المشاركة في اتخاذ القرار.

تقدم الإمارات حتى هذه اللحظة الأنموذج الأوضح لحكم "الجدارة الرؤوفة"؛ أي الحكم المستند إلى جدارة الإنجاز من جانب، والرأفة بالمكان والإنسان من جانب آخر، عبر سياسات تتفهم الثقافة التقليدية، وتبرز الحرص عليها، في إطار من احترام الحداثة والأصالة في آن.

لكن الحكومة مدعوة إلى موازنة الاستحقاقات والأعباء التي باتت مضطرة لفرضها على المواطنين بتوسيع تمثيلهم في المؤسسات وتفعيل مشاركتهم في عملية صنع القرار، على أن يتم ذلك بالتدريج كما هو حاصل الآن.

ولذلك، فسيمكن توقع أن تصبح عضوية الهيئة الانتخابية متاحة لكل الإماراتيين، طالما أنهم لم يرتكبوا جرائم تعوق تمتعهم بحقوقهم السياسية، كما سيمكن توقع أن يكون للمجلس الوطني الاتحادي صلاحيات تشريعية ورقابية أكثر فاعلية.

ستكون الإمارات قادرة على الاستجابة لطموحات بعض أبنائها الراغبين في توسيع المشاركة السياسية مهما قل عددهم مقارنة بمئات الآلاف من المؤيدين؛ بالنظر إلى أن الحكومة هي التي دعت للانتخابات وعمدت إلى تطويرها وتوسيعها تدريجياً، لكنها، مثل غيرها من دول الخليج العربية، ستحتاج أيضاً إلى تطوير بعض السياسات التي من شأنها تعزيز المشاركة المجتمعية عبر توسيع حرية الإعلام، ومحاربة الفساد، وتعميق تكافؤ الفرص بين أبناء الإمارات كلها، وإخضاع القرارات الحكومية لقدر من المراجعة والمساءلة والتقويم.

* كاتب مصري

back to top