استهلاك الصين لا يكفي لإنقاذ الاقتصاد العالمي

نشر في 03-10-2015 | 00:01
آخر تحديث 03-10-2015 | 00:01
No Image Caption
شواهد عديدة تؤكد أن استهلاك الصين بدأ يشكل طفرة حقيقية، إذ زاد السياح الصينيون في الخارج بنسبة 19.5% السنة الماضية، ليصلوا إلى 107 ملايين، كما تظهر الدراسات أن الخدمات تشكل خمسَي إنفاق المستهلك الصيني، غير أن ذلك وغيره ليسا كافيين للتعويل عليهما في إنقاذ الاقتصاد العالمي، ولا يعنيان أن المتسوق الصيني سيمثل المحرك لهذا الاقتصاد مثل نظيره الأميركي.
في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، أصبحت قرية كويانغ الجديدة التي كانت تقع في ضواحي مدينة شنغهاي أول نموذج صيني لمستوطنات العمال الاشتراكيين الأبطال.

وقد انتقل الآلاف إليها من أجل العمل في مصانع النسيج المنتشرة هناك، وقد تحولت اليوم الى أبنية ضخمة لاستقبال المستهلكين.

ويصنف "غلوبال هاربر" بين أكبر مراكز التسوق في العالم، ويمتد الدور الأرضي فيه على مساحة تعادل حوالي 70 ملعبا لكرة القدم، ويجمع هذا المركز بين الهندسة المعمارية الأوروبية والنماذج الآسيوية المتميزة، كما يوجد تحت سقوفه الزجاجية وصوره الجدارية الزاهية مقهى يدعى "مرحباً كيتي" ونصف دستة من المطاعم ومحال المجوهرات، إضافة الى مسرح لمسابقات الرقص.

وثمة قدر قليل من المبالغة في القول إن آمال الصين الاقتصادية تقوم على أعمدة ذلك المركز مع التراجع السريع في طفرة الاستثمارات الصينية التي استمرت عقودا من الزمن – وهي في حاجة الى عمليات استهلاك من أجل تحقيق درجة جديدة من النمو.

وقد تركز الحديث حول هذا التوازن طوال سنين عديدة، ولكنه أصبح أكثر إلحاحا مع تفاقم الركود الصناعي في الصين، بينما يتناقص نشاط البناء على مستوى البلاد، وتعاني المصانع من زيادة مفرطة في السعة، كما أن حزام المستودعات الشمالي وصل الى حافة الركود.

وقد سجل في الأسبوع الماضي مؤشر التصنيع أقل المستويات الشهرية في 6 سنوات والانكماش السابع على التوالي.

وفي خضم تشاؤم شديد إزاء اقتصاد الصين في الأشهر الأخيرة يمكن الاستنتاج بأن عملية إعادة التوازن قد فشلت، ويتضح ذلك من خلال استعراض سوق السيارات الذي يعد صورة معبرة لمعدلات طلب المستهلكين، وقد هبطت مبيعات السيارات بنسبة 3.4 في المئة خلال شهر أغسطس، مقارنة مع سنة خلت، وهو الشهر الثالث من الهبوط على التوالي.

ولكن على الرغم من ذلك توجد أشكال أخرى من الاستهلاك تمضي بوتيرة متسارعة، وقد عزز التعافي في سوق العقار الطلب على الأثاث والأجهزة الإلكترونية المنزلية ومواد التجديد والتحديث، كما ارتفعت المبيعات بشكل وسطي بنسبة 17 في المئة في شهر أغسطس مقارنة مع سنة خلت، وتحسنت عمليات الشراء في الأشهر الأخيرة بالنسبة الى المجوهرات والأدوية التقليدية الصينية.

من جهة أخرى، هبطت مبيعات الهواتف الذكية من حيث الحجم، لكنها ارتفعت بشدة من حيث القيمة، وقد تعلمت الشركات التي تضررت بحملات مكافحة الفساد في عهد الرئيس الصيني زي جنبنغ كيف تزدهر على الرغم من القيود الجديدة، وحققت شركات التقطير أرباحا بعد فترة هبوط في السنة الماضية وتقدمت مدفوعة بماركات مقبولة السعر بالنسبة الى المستهلك العادي بدلا من الزجاجات العالية السعر التي كانت تستخدم في الماضي لتقديم رشاوى الى المسؤولين.

زيادة مبيعات التجزئة

وبشكل إجمالي ارتفعت مبيعات التجزئة في الصين بنسبة وصلت الى 10.5 في المئة بشكل حقيقي في هذه السنة متقدمة تماما على النمو الاقتصادي (الذي يبلغ 7 في المئة بشكل رسمي ولكنه أقرب الى 6 في المئة وفق عديد من المحللين)، وثمة شكوك، كما هي العادة، في مدى صحة المعلومات في الصين على الرغم من أنها في هذه الحالة قد تعكس أرقاما متدنية جدا في مبيعات التجزئة.

ويلاحظ نيكولاس لاردي، وهو خبير في أمور الإحصاءات الصينية في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أن أرقام التجزئة لا تشمل الخدمات، وهو إغفال كبير وبارز، نظرا لأن الدراسات تظهر أن الخدمات تشكل ما يصل الى خمسي إنفاق المستهلك الصيني.

ويشير هذا كله الى تعافي الاستهلاك بدرجة ما من التباطؤ الصناعي، ويرجع السبب الرئيس في مرونة المتسوق الصيني إلى ثبات نمو الدخل، كما أن أجور العمال الوافدين ارتفعت بنسبة 10 في المئة في الربع الثاني من هذه السنة، مقارنة مع سنة خلت، وهي نسبة أسرع من المعدل الوسطي الوطني البالغ 7 في المئة.

ونظرا لأن ذوي الدخل المتدني ينفقون نسبة من رواتبهم تفوق الأغنياء، فإن ذلك يعطي دفعة قوية الى الاستهلاك.

مصادر القلق

ويتمثل أحد مصادر القلق في ما إذا كان نمو الدخل سيستمر مع تعثر الصناعة في الصين، وقد قلص البعض من المعامل الوظائف، ولكن الخدمات تشكل الحصة الأكبر في الاقتصاد وبقدر يفوق الصناعة وتوظف المزيد من العمال، ولاتزال تنمو بشكل جيد.

وتنشط العوامل البنيوية أيضا في هذا المجال، ومع انكماش عدد سكان الصين في سن العمل فقد أصبح العمل أكثر ندرة ويحصل الموظفون على أجور أعلى، كما تعد معدلات توفير العائلات التي تصل الى 30 في المئة بشكل تقريبي بين أعلى المعدلات في العالم، ولكنها بدأت بالهبوط أيضا مع تقدم السكان في السن واستنزاف المسنين لبعض مدخراتهم. وقد هبط استهلاك العائلات على شكل حصة من الناتج المحلي الإجمالي الى 35.9 في المئة في سنة 2010، وهي مستويات متدنية حتى في المقاييس الآسيوية، ولكن ذلك المستوى بدأ بعد ذلك بالتحسن والارتفاع.

وقد ساعد التحول السكاني في هذا السياق، وبالنسبة الى الصينيين الأكبر سنا كان عهد ماوتسي تونغ يحظر الإنفاق، وقد حرمهم من التصرف بموجوداتهم. وفي فترة بعد ظهر يوم الأحد في "غلوبال هاربر" كانت شريحة المتسوقين أو رواد المطاعم من الشباب في العشرينيات والثلاثينيات من العمر. وتقول لولو يو، وهي مساعدة قانونية خرجت لحضور أحد الأفلام: "والدنا حريص جدا، ولكننا نريد المزيد من التوازن في الحياة"، وتعكس هذه الفتاة صورة المستهلك الصيني الناضج تماما، وهي تتزين بشكل لافت.

والسؤال هو: هل يعني هذا أن المتسوق الصيني سيمثل المحرك بالنسبة الى الاقتصاد العالمي مثل نظيره الأميركي؟ لقد حدث هذا بطريقة ما في الأساس. وارتفع عدد السياح الصينيين الذين سافروا الى الخارج بنسبة 19.5 في المئة في السنة الماضية ليصل الى 107 ملايين شخص – والأكثر من ذلك أن السياح الصينيين ينفقون أكثر من غيرهم ويشترون السلع الأرخص ثمنا في الخارج.

ويجعل ذلك كله من الصين المصدر الأكبر لدولارات السياحة في العالم. ووفق شركة البحث كابيتال ايكونوميكس فإن الزيادة في الإنفاق من قبل السياح الصينيين في كوريا الجنوبية وتايلاند في 2011 – 2014 عوض الهبوط في الصادرات الى الصين خلال الفترة ذاتها.

ولكن حتى إذا ظل الاستهلاك الصيني في معدلات صحية جيدة، فإنه لن يشكل علاجا للنمو العالمي الضعيف. وسوف تتعرض لخسارة الدول التي اعتمدت على تصدير السلع الى الصين خلال العقد الماضي، لأنها تنتج القليل من بضائع المستهلكين التي تجتذب المشترين الصينيين.

وفي حقيقة الأمر وبالنسبة الى العالم الخارجي ككل، فإن التحول في الصين من الاستثمار الى الاستهلاك سيخفض من الطلب، نظرا لأن صنع الفولاذ ينطوي على مزيد من المستوردات وبقدر يفوق عمليات تزويد مراكز تسوق مثل "غلوبال هاربر".

وقد هبطت المكونات المستوردة للاستهلاك الصيني بنسبة 11 نقطة مئوية عما كانت عليه استثماراتها، وفق بنك غولدمان ساكس. ثم إن تحويل تريليون يوان (157 مليار دولار) من الاستثمار الى الاستهلاك سيخفض المستوردات الصينية بنسبة تقارب الـ110 مليارات يوان.

الاعتماد على الذات

ومن المرجح أن يزداد هذا الاعتماد النسبي على النفس بمرور الوقت، وقد أظهرت دراسة أجرتها شركة "بين" الاستشارية أن من بين 26 فئة من سلع المستهلكين الرخيصة فقدت الماركات الأجنبية 18 واحدة في الحصة السوقية في السنة الماضية بما في ذلك كريمات البشرة والحليب ومعاجين الأسنان.

وفي المنتجات الأكثر تطورا دخلت الشركات المحلية الميادين التي كانت الشركات الدولية تهيمن عليها، وقد شكلت ماركات السيارات الصينية 41 في المئة من المبيعات في السنة الحالية، وهي نسبة تبلغ 3.5 نقطة مئوية زيادة في الحصة السوقية.

وتؤكد الزيادة في خدمات الاستهلاك الميزة المحلية، نظرا لأن معظم الخدمات يتم توصيلها محليا – وهكذا فإن طفرة الاستهلاك في الصين حقيقية، ولكن لا يمكن التعويل عليها لإنقاذ الاقتصاد العالمي.

back to top