البارزاني والمرجعية الشيعية... والتدخل الإيراني

نشر في 05-09-2015
آخر تحديث 05-09-2015 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر قد تكون المصادفة وحدها هي التي جعلت التطورات السياسية في العراق تتجه في مسار موحد يفضي إلى تخفيف الهيمنة الإيرانية على مفاصل الحياة فيه دونما اتفاق عليها بين الفرقاء السياسيين، فالمظاهرات التي تعم مدن الجنوب وتزامنها مع الحراك السياسي الحالي في كردستان حول منصب رئاسة الإقليم تشير إلى أن الأمور في هذا البلد وصلت إلى حدود لم يعد بالإمكان السكوت عنها دون حراك.

فبعد نجاح إيران في تشتيت المكون السنّي وتحييده عن الساحة السياسية بأساليب شتى، التفتت إلى المكون الشيعي للحيلولة دون انفلاته من الفلك الإيراني من جهة، وحركت بعض الأحزاب الكردستانية المتحالفة معها لبسط سيطرتها على الوضع السياسي في الإقليم من جهة أخرى، وإذا كان تعاطي إيران مع المكونات العراقية مختلفا باختلاف المزاج السياسي لكل مكون، فإن محصلة تعاطيها واحدة، وهي السيطرة بشكل كامل على مجمل مرافق الحياة السياسية والاقتصادية فيه ناهيك عن الاجتماعية والمذهبية.

ورغم العلاقات التاريخية بين إيران والأحزاب الشيعية المشاركة في العملية السياسية منذ 2003 في العراق، فإنها ظلت متوجسة من احتمال خروج هذه الأحزاب من تحت سيطرتها بمجرد استقرار الوضع السياسي في العراق، مما يشكل هاجسا دائما لها في إمكانية منافستها على زعامة التشيع، وفقدان دورها العالمي المذهبي، لما يتمتع به العراق من عوامل تجعله مرشحا لذلك، لا سيما أن المراجع الشيعية العراقية يعارضون مبدأ ولاية الفقيه الذي تتبناه إيران منذ ثورة الخميني، لذلك تحركت منذ 2003 رغم دعمها للمكون الشيعي للسيطرة على العملية السياسية لضمان مصالحها المستقبلية على الاتجاهات التالية:

1- العمل على تشكيل التحالف الوطني الذي ضم أحزابا وشخصيات شيعية بحجة توحيد البيت الشيعي، مستغلة تعدد توجهات تلك الأحزاب لضمان سيطرة إيرانية طويلة الأمد على المكون الشيعي سياسيا، مما أدى إلى بقاء تلك الأحزاب أسيرة الأجندات الإيرانية، واحتياجها المستمر لدعم إيران إذا أرادت البقاء على المسرح السياسي.

2- بعد تحييد المكون السني تحركت إيران باتجاه تبني نوري المالكي الذي رأت فيه الشخص الطامح للتفرد بالسلطة، والذي يمكن من خلاله تحقيق أجنداتها في السيطرة على العراق من جهة، وجعله ورقة ضغط على الأحزاب الشيعية الأخرى لتطويعها متى ما دعت الحاجة من جهة أخرى.

3- العمل على تشكيل ميليشيات شيعية ترتبط بإيران سياسيا وعقائديا، تكون جناحا عسكريا للمالكي تقوي شوكته أمام منافسيه، وتحوله إلى دمية تحركها كيفما أرادت.

4- حاولت إيران استغلال دخول "داعش" لتنفيذ أهم خيوط مخططاتها في العراق وبتنسيق مباشر مع المالكي، وذلك بإنهاء أي وجود لما يمكن تسميته بالجيش العراقي والمس بسمعته من خلال انسحابات متلاحقة غير مبررة له من مدن عراقية كثيرة، وإظهار الميليشيات التابعة له كقوة مسلحة وحيدة في العراق.

أما ما يخص إقليم كردستان العراق فكان توجه إيران كما يلي:

1- منذ تسعينيات القرن الماضي وطدت علاقاتها مع بعض الأحزاب الإسلامية (الجهادية سابقا) في كردستان، كالحركة الإسلامية وتشظياتها مثل (كومه له) وجماعة علي بابير، وبتخلي هذه الأحزاب عن فكرها الجهادي ودخولها برلمان إقليم كردستان وحكومته كأحزاب سياسية أصبحت لإيران أذرع يمكن تحريكها داخل العملية السياسية في كردستان.

2- دعمت إيران وبقوة بعض الأحزاب الكردية السياسية رغم اختلافها الأيديولوجي معها كالاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير الكردية، وفرضت مقومات الجيوبولتيك على هذين الحزبين الارتماء إلى الحضن الإيراني، فتلقفتهم إيران، واستخدمتهم لبث الأزمة تلو الأزمة في الإقليم منذ 2003 حتى يومنا هذا، وما أزمة رئاسة الإقليم المستمرة حتى الآن في كردستان إلا حلقة من حلقات التدخل الإيراني في كردستان بتواطؤ واضح مع هذين الحزبين الكرديين وبعض الأحزاب الإسلامية السالفة الذكر.

في خضم هذه الأجواء يمكن لنا تمييز الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الأزمة في العراق وإقليم كردستان، فاليوم هناك طرفان على الساحة العراقية: طرف يمثل الإرادة الإيرانية ويريد إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وطرف يمثل الإرادة الوطنية المستقلة ممثلا بأغلبية الشعب العراقي المنتفض، الذي تدعمه المرجعية الشيعية في النجف وكربلاء. هذا في العراق أما في إقليم كردستان فيمثل تيار مسعود البارزاني الأغلبية الساحقة من الشارع الكردي، وبالتأكيد فإن أغلبية المكون السني العربي تؤيد هذا التوجه الوطني ضد إيران، لتشكل هذه المصدات الخمسة سدا منيعا يمكن له إيقاف التدخلات الإيرانية السافرة في الشأن العراقي سواء في المركز أو في إقليم كردستان.

 وهنا أجد من واجبنا أن ندعو ونطالب هذه الأطراف الخمسة بالتنسيق المباشر بينها لإيصال السفينة العراقية إلى مرفأ الأمان بعيداً عن الساحل الإيراني، الذي أشبع العراق فسادا وقتلا وفرقة منذ سقوط نظام البعث حتى يومنا هذا.

* كردستان العراق – دهوك

back to top