عطست الصين فأصيب العالم بالزكام

نشر في 05-09-2015 | 00:03
آخر تحديث 05-09-2015 | 00:03
No Image Caption
ذعر المستثمرين طبيعي... فكل البيض بات في السلة الصينية
تمثل الخطأ الأول للحكومة الصينية في تشجيع المواطن العادي على الاستثمار في سوق أسهم صينية على غرار الكازينوهات، وكانت بذلك تعلق هيبتها على ارتفاع السوق، وعندما هدأت حمى المضاربة أخيراً تصدر رئيس الوزراء الصيني لي ونائبه الجهود الرامية إلى منع الأسعار من الهبوط.

شكل معدل نمو الصين في السنة الماضية نحو 40 في المئة من إجمالي النمو العالمي، وأنعشت شهيتها إلى المواد الأولية الأوضاع الاقتصادية في شريحة واسعة من الدول بدءاً من أستراليا ووصولاً إلى البرازيل وجنوب إفريقيا، وأسهمت قدراتها في الإنتاج في خفض أسعار الآلات الصناعية وسلع المستهلكين في شتى أنحاء العالم، لكن ذلك ترافق أيضاً مع حالة من الفوضى العارمة.

وأفضت العمليات العقارية وأنشطة الظل المصرفية إلى مضاعفة ديون الصين أربع مرات في الفترة ما بين عامي 2007 و 2014، بحسب تحليل صدر عن ماكنزي.

كما تباطأ نموها الاقتصادي وتفاقم وضع التلوث فيها وأسهمت السياسة الخارجية المتعنتة في تنفير جيرانها.

وكان المستثمرون يودون تجاهل كل تلك المعطيات بسبب ثقتهم المفرطة في الأداء التكنوقراطي الممتاز لمديري الاقتصاد في الصين، لكن تلك الثقة تبددت نتيجة تعثر أسواق الأسهم والتبادل الخارجية في هذه السنة.

ويقول آرثر كروبر وهو شريك مؤسس ورئيس قسم البحوث لدى كافيكال دراغونوميكس Gavekal Dragonomics وهي شركة بحث في بكين:» الغاية الرئيسية للزعيم الصيني زي جنبنغ سياسية وجيوستراتيجية بينما تبدو أهدافه الاقتصادية على النقيض من ذلك».

ويعطي حدوث هذا الانهيار – بشكل بطيء ومحلي في البدء ثم تحوله إلى انهيار سريع وعالمي بعد ذلك – صورة عن طبيعة الاقتصاد العالمي والأسواق في الوقت الراهن.

وليس لدى العديد من المستثمرين ثقة في تقييمات الأسهم التي يظنون أنها تضخمت عبر الأموال السهلة من البنوك المركزية، وجعلت أسعار الأسهم الأميركية تتضاعف ثلاث مرات منذ بلوغها المستوى الأدنى لها في سنة 2009، وهم على استعداد للبيع لدى أول إشارة على حدوث متاعب.

يقول برايان بيلسكي، وهو كبير استراتيجي الاستثمار لدى بي إم أو كابيتال ماركتس BMO Capital Markets « نحن نعتقد أن هذا هو سوق الأسهم الذي حظي بأكبر قدر من الشكوك والكراهية في التاريخ. وعندما برزت المتاعب في صورة وضع الصين انطلقت استراتيجيات التداول التي تتبع الاتجاه السائد وعملت على تضخيم أثر الهبوط.

قال مارك تشاندلر رئيس قسم استراتيجية العملات لدى براون برازرز هاريمان Brown Brothers Harriman: «تملي الحكمة والحذر علينا الانتظار لظهور علامة فنية على أن الزخم قد استنفذ نفسه فعلاً».  

وفي اقتصاد عالمي حقيقي تؤثر التجاوزات والتباينات في زاوية من العالم بشكل حتمي على الدول الأخرى.

(وكان آخر مثال في هذا الصدد ما حدث في فقاعة الرهونات العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة).

وتحتضن الصين واحدة من أكبر التجاوزات مع إفراط في الاستثمار يشمل كل شيء من الكيماويات إلى الشقق.

وقام الرئيس الصيني زي جيبنغ ورئيس وزرائه لي كيغيانغ بالعديد من الطرق بالشيء الصحيح - عبر محاولة إبعاد الاقتصاد عن إدمان التصدير والتصنيع والبناء والتوجه نحو إنتاج سلع وخدمات للمستهلكين في الداخل.

وتعهدا أيضاً بإعطاء السوق الحرة دوراً « حاسماً « في تحديد الأسعار ومعدلات الفائدة.

لكنهما لم يتمكنا من توفيق ذلك مع الحافز الشيوعي في التحكم بالارتفاعات المسيطرة للاقتصاد والهيمنة على التقلب الطبيعي للرأسمالية.

حمى المضاربة

وتمثل الخطأ الأول للحكومة في تشجيع المواطن الصيني العادي على الاستثمار في سوق أسهم صينية على غرار الكازينوهات وكانت بذلك تعلق هيبتها على ارتفاع السوق.

وارتفع مؤشر شنغهاي 152 في المئة هذه السنة حتى 12 يونيو الماضي.

وعندما هدأت حمى المضاربة أخيراً تصدر رئيس الوزراء الصيني لي ونائبه الجهود الرامية إلى منع الأسعار من الهبوط، وتم منع كبار المساهمين من البيع، وحظر عروض الاكتتاب الأولية واستخدام الأموال الحكومية لشراء الأسهم.

ونجحت هذه الطريقة لفترة من الوقت ولكن الأسواق خضعت في نهاية المطاف إلى مخاوف المستثمرين.

ولم يكن أداء الحكومة أفضل إزاء إدارة قيمة العملة – اليوان – وفي محاولة لتحقيق زعامة مالية عالمية قال زي إنه يريد أن تصبح العملة الصينية عملة احتياطية بالتساوي مع الدولار الأميركي واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني.

وتعتبر معدلات الصرف التي يحددها السوق خطوة ضرورية في هذا الاتجاه.

ولكن عندما خفضت الصين اليوان في الحادي عشر من شهر أغسطس وقالت، إنها سوف تعتمد بقدر أكبر على مبدأ العرض والطلب في تحديد معدلات عملتها راودت المتداولين شكوك بأن زي وفريقه أرادوا في الواقع يواناً أرخص بغية تشجيع الصادرات الصينية – التي هبطت بنسبة 8.3 في المئة في شهر يوليو مقارنة مع سنة خلت.

وخفض التجار اليوان إلى حد أرغم الحكومة على عكس المسار وشراء اليوان عبر فتح خزائنها من العملات الأجنبية.

واتسمت ردة فعل المستثمرين العالميين على تخبط الصين في البداية بالسخرية ثم انتابهم الذعر.

وجاء يوم الاثنين الأسود في نيويورك في أعقاب هبوط بنسبة 8 في المئة في اليوم ذاته في شنغهاي، والذي نتج عن قيام مستثمرين صينيين ببيع ما لديهم بعد أن أحجمت السلطات عن القيام بما كانوا يأملون من أجل انقاذ السوق.

ويقول تشن غانغ وهو المسؤول الرفيع عن الاستثمارات لدى هيغيتونغي أسيت مانجمنت Heqitongyi Asset Management الذي يتخذ من شنغهاي مقراً له: «هذه كارثة حقيقية ويبدو أن لا شيء يمكنه إيقافها».

وهرعت الحكومة بعد يوم واحد إلى الانقاذ عبر خفض معدلات الإقراض بربع نقطة مئوية وتحرير أموال البنوك بخفض الإيداعات التي يتعين على البنوك الاحتفاظ بها على شكل احتياط.

واستمر هبوط الإصدارات الصينية حتى 26 أغسطس، وأفضى ذلك إلى بلوغ هبوطها الأسبوعي إلى 23 في المئة .

قد تكون هذه التطورات أضعفت زي الذي كان في طريقه لأن يصبح أقوى زعيم صيني منذ زمن ماو.

وفي العشرين من أغسطس نشرت وسائل الإعلام الرسمية مقالة تقول إن حملة الاصلاح التي تقودها الحكومة – مثل محاربة الفساد وانكماش المشاريع المملوكة للدولة – قد واجهت « مقاومة شرسة لا يمكن تخيلها».

الهبوط المتأخر في سوق الأسهم الصغير النامي الصيني أحدث تداعيات جلية لأنه أيقظ مخاوف أكبر – ويقول أدير لورد تيرنر، وهو رئيس معهد التفكير الاقتصادي الجديد، إن ذلك « أبرز شيئاً كان يتعين أن يعرفه السوق وهو وجود تباطؤ كبير جداً في الصين.

وقال راشير شارما، وهو رئيس قسم الأسواق الناشئة لدى إدارة استثمارات مورغان ستانلي في شهر يوليو الماضي: «كان كل ركود رئيسي عالمي خلال الخمسين سنة الماضية بدأ في الولايات المتحدة، ولكن الركود العالمي التالي سيبدأ من الصين».

ربما سوف يكون الحال كذلك، لكن على الرغم من ذلك كان الهلع الذي اتسمت به ردة الفعل في 24 أغسطس كبيراً.

وتصرفت الأسواق كما تفعل عادة أي عدم الاستجابة الى التطورات الجديدة لفترة طويلة من الزمن – ثم تبالغ فجأة في ردة فعلها.

ويقول إريك نلسون، وهو كبير الاقتصاديين لدى UniCredit في لندن «كل خبر يبدو وكأنه كارثة تحدث».

كما يتعين أن نقلق نحن على ما يحدث الصين يتوقف على تحديد من «نحن».

والدول الأكثر عرضة للخطر هي تركيا وجنوب إفريقيا اللتين تعانيان ديوناً هائلة بالعملات الأجنبية مثل الدولار ومن تضخم مستمر واقتصاد عرضة لعجز تجاري.

وعندما يفقد المستثمرون الثقة في الأسواق الناشئة، فإن مثل تلك الدول تكون أول من يعاني.

ورغم أن أوروبا أقل صلة بالصين فإنها عرضة إلى البعض من الخطر لأن اقتصادها بالكاد ينمو مما يجعلها عرضة لتاثيرات أقل وطأة.

ولدى دول آسيوية مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة التي تبيع الكثير من المنتجات إلى الصين درجة واضحة من الانكشاف، لكنها جمعت احتياطيات ضخمة من العملة الأجنبية تحميها من المضاربة.       

back to top