قانون الإعلام الإلكتروني وتقييد الحريات العامة

نشر في 02-09-2015
آخر تحديث 02-09-2015 | 00:01
لا أمن حقيقياً من دون حرية، ولا إعلام حقيقياً ومهنياً من دون حرية، فإعلام الصوت الواحد، والفكر الواحد، واللون الواحد، والرأي الواحد لم يثبت التاريخ فشله فحسب، بل أثبت أيضاً كارثيته على الوطن والمجتمع والناس.
 د. بدر الديحاني أقرت الحكومة في الآونة الأخيرة ترسانة قوانين تغلق الفضاء العام أمام الناس، وتؤدي إلى تقييد الحريات العامة، وبالذات حرية الرأي والتعبير، تحت ذريعة تنظيمها، وآخر هذه القوانين قانون الإعلام الإلكتروني الذي لم يُطرَح، كما هو حال القوانين السابقة، للنقاش المجتمعي العام الذي يحصل عادة في الدول الديمقراطية قبل إقرار أي قانون عام يمس حياة الناس وله علاقة بالحريات العامة أو الشخصية.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار قدرة الحكومة دائماً على إقرار أي مشروع قانون تتقدم به لأن الوزراء أعضاء في مجلس الأمة بحكم مناصبهم ولديها مؤيدوها أيضاً، ثم أضفنا إلى ذلك طبيعة مجلس الصوت الواحد وتركيبته فإن مشروع قانون الإعلام الإلكتروني الذي تقدمت به الحكومة يعتبر مُقراً من الآن، وهو الأمر الذي يعني مزيداً من التضييق على حرية الرأي والتعبير التي تعتبر حجر الأساس لأي وسيلة إعلامية نزيهة وموضوعية.

لا أمن حقيقياً من دون حرية، ولا إعلام حقيقياً ومهنياً من دون حرية، فإعلام "الصوت الواحد"، والفكر الواحد، واللون الواحد، والرأي الواحد لم يثبت التاريخ فشله فحسب، بل أثبت أيضاً كارثيته على الوطن والمجتمع والناس، وحسبنا هنا أن نتذكر ماذا حصل في العراق وسورية وليبيا التي كان إعلام الصوت الواحد، وموت السياسة، وإغلاق المجال العام أمام الناس هو السائد فيها.

الخوف من الرأي الآخر ومحاولة قمعه لا ينتج عنهما إلا الدمار المجتمعي، فالمجتمعات المتحضرة والمتطورة هي المجتمعات التي يتنفس فيها الناس هواء نقياً، ويعملون في وضح النهار لا في "السراديب" والمجموعات السرّية، فضلاً عن أنهم لا يشعرون بالخوف فيعبرون عن آرائهم بكل حرية أثناء مناقشة مشاريع القوانين التي تُطرح للنقاش العام قبل التصويت عليها وإقرارها، وهو ما يعطي قوة للقوانين، حيث إن الحقيقة نسبية، وليس باستطاعة أي أحد ادعاء امتلاكه للحقيقة كاملة.

الحكومة تُقر القوانين العامة، مثل قانون الإعلام الإلكتروني، من دون طرحها للنقاش المجتمعي العام، والمؤسف أن جمعيات (منظمات) المجتمع المدني تغط في سباتٍ عميق، إذ باتت كأنها أجهزة حكومية غير فاعلة، فغاب الدور الذي من المفروض أن تلعبه كمنظمات مُستقلة عن الحكومة مهمتها مراقبة الأداء الحكومي، والدفاع عن حرية الفضاء العام وتمكين عامة الناس من المشاركة في صنع السياسات والقرارات العامة.

أما ما يُسمى "قوى سياسية" فإن معظمها، كما سبق وذكرنا مراراً وتكراراً، هو مجرد "يافطة" إعلامية أو لجان انتخابية لنواب ومرشحي مجلس الأمة، أو مجاميع قبلية وطائفية وعنصرية، لذلك فإن الحكومة في الآونة الأخيرة لا تلتفت إليها، فتلعب منفردة في الساحة السياسية وتتحمل وحدها مسؤولية إغلاق المجال العام أمام الناس، وإقرار حزمة قوانين تُقيّد الحريات العامة وتتناقض مع مبادئ الدستور وروحه.

back to top