الاقتصاد العالمي يشبه بقوة حقبة التسعينيات

نشر في 29-08-2015 | 00:01
آخر تحديث 29-08-2015 | 00:01
تعيش روسيا فوضى اقتصادية كما يتعثر اقتصاد أوروبا بفعل القرارات السياسية الألمانية والشكوك المتعلقة بالعملة المشتركة، في حين يظل الاقتصاد الأميركي قوياً نسبياً، غير أنه ابتلي بمفارقات إنتاجية بشكل لا تبدو معه ابتكارات وادي السيلكون البارزة ذات تأثير على معلومات وبيانات الاقتصاد.

هبطت أسعار النفط في وقت تواجه دول الأسواق الناشئة أزمات عملات، بينما تتعرض القوة الاقتصادية الجامحة، ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، لتباطؤ، ويبدو أن قادتها فقدوا في بعض الأحيان القدرة على التحكم.

وتعيش روسيا حالة فوضى اقتصادية كما تعثر اقتصاد أوروبا بفعل القرارات السياسية الألمانية والشكوك المتعلقة بالعملة المشتركة، ويظل الاقتصاد الأميركي قوياً بشكل نسبي، ولكنه ابتلي بمفارقات إنتاجية بشكل لا تبدو معه ابتكارات وادي السيلكون البارزة ذات تأثير على معلومات وبيانات الاقتصاد.

والسؤال هو: هل هذه السنة تشبه حقبة التسعينيات من القرن الماضي؟

لن أتطرق الى تشابهات ثقافة "البوب" أو حقيقة أن هيلاري كلينتون وجيب بوش قررا خوض سباق الرئاسة، ويقال إن آل غور يفكر في خوض ذلك السباق أيضاً، غير أنه من حيث المفهوم الاقتصادي وحده يوجد العديد من التشابه بين الوضع الراهن ووضع منتصف تسعينيات القرن الماضي بصورة خاصة.

وأنا أظن أن كل التوازيات التي أشرت اليها في بداية المقال هنا واضحة ما عدا الجانب المتعلق بالسياسة الألمانية، وللتوضيح أطرح ما يلي: قرار مستشار ألمانيا هيلموت كول في سنة 1990 بالسماح لمواطني ألمانيا الشرقية بمبادلة عملتهم العديمة القيمة الى حد كبير مقابل المارك الألماني بمعدل 1: 1 أفضى الى متاعب اقتصادية بالنسبة الى الدولة التي توحدت من جديد، استمرت سنوات عديدة وأثرت على جيرانها أيضاً، وقد عرقلت اجراءات التقشف في السنوات الأخيرة والتي فرضت على دول جنوب أوروبا من قبل رجال السياسة الألمان بشكل جزئي النمو في منطقة اليورو من جديد.

ويوجد الآن العديد من الأمور التي تحدث في هذه السنة، ويتعين ألا تذكّر أحداً بسنة 1995، والتاريخ لا يعيد نفسه، وأنا لست متأكداً حتى من إيقاعها، ولكن يبدو أن بعض القوى الاقتصادية المماثلة تعمل في هذا المسار.

ويتمثل أحد تلك الاتجاهات في هبوط أسعار السلع كما حدث في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، والعامل الآخر هو أن الاقتصاد الأميركي عاد إلى لعب دور المحرك الرئيسي في النمو العالمي، والذي جلب معه قوة كبيرة للدولار.

وثمة علاقة بين هذين العاملين، وحتى مع الانتعاش الحديث في الإنتاج المحلي للنفط لا تزال الولايات المتحدة ضمن الدولة المستوردة للسلع، وهكذا فإن هبوط الأسعار سيفضي الى تحسين النمو، وينسحب هذا أيضاً على الدول الكبرى الاخرى في أوروبا الغربية واليابان والصين، ولكن تلك الاقتصادات تواجه متاعب اقتصادية شديدة لا تتعرض الولايات المتحدة لها، ولهذا السبب تزداد حصة الولايات المتحدة من الانتاج الاقتصادي العالمي.

وكما يظهر الجدول البياني (المتعلق بنمو حصة الولايات المتحدة من اقتصاد العالم) فإن حصة الولايات المتحدة تتقلص في الأجل الطويل مع تعويض الدول الاخرى لامكاناتها في البحبوحة والثراء، ولكن كانت هناك أيضاً دورة قوية، ويبدو كما لو أن تلك الدورة قد تحولت، وإذا صح ذلك فمن المحتمل أن نشهد المزيد من السنوات التي تحقق فيها الولايات المتحدة حصة اقتصادية كما كان الحال في النصف الثاني من حقبة التسعينيات من القرن الماضي.

ومعظم هذه المكاسب سينجم ببساطة عن تعزيز قيمة الدولار الذي سيوجه الضغوط على الدول التي تربط عملاتها بالدولار كما كان الحال في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وسوف يعني ذلك المزيد من الانهيار في عملات الأسواق الناشئة، وربما يفضي إلى أزمات مالية أيضاً، وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي نشرت تلك الأزمات الخوف في نفوس المستثمرين في الولايات المتحدة وتسببت في حدوث انخفاض في أسعار الأصول بصورة مؤقتة، ولكن في نهاية المطاف كانت النتيجة على الدوام حدوث تدفق نقدي على الولايات المتحدة وبكميات أكبر من المعتاد، كما أفضى ذلك الى استمرار النمو الاقتصادي في ذلك البلد، وقد تطلب الأمر حدوث فقاعة محلية في سوق الأسهم أعقبها انهيار كبير من أجل وضع نهاية لتلك الطفرة.

وقد لعب طبعاً مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي) برئاسة آلان غريسبان دوراً في كل تلك التطورات، وحال دون تحقيق رفع معدلات الفائدة في سنة 1995 بسبب هاجس بحدوث طفرة انتاجية وشيكة (وكانت جانيت يلين يومذاك حاكمة في مجلس الاحتياط الفدرالي، وقد أيدت ذلك الأسلوب)، ثم خفضت معدلات الفائدة في أواخر عام 1998 في استجابة لتخلف روسيا عن سداد ديون، وهي خطوة أعقبها انهيار صندوق التحوط المعروف باسم لونغ – تيرم كابيتال مانجمنت.

وسيكون خفض معدلات الفائدة أكثر صعوبة في هذه المرة مع معدلات فائدة الصناديق الفدرالية الحالية عند 0.15 في المئة، ويوجد قلق واسع يقول إن مجلس الاحتياط الفدرالي لم يعد يملك الكثير من الذخيرة لاستخدامها بعد 6 سنوات من محاولة ابقاء الاقتصاد عائماً في أعقاب أزمة مالية تاريخية.

وهكذا نلحظ وجود فارق كبير عن حقبة التسعينيات من القرن الماضي، اضافة الى فارق آخر يتمثل في تباطؤ اقتصاد عملاق ضخم في شرق آسيا – الصين في هذه المرة بدلاً من اليابان – والذي يشكل حصة أكبر كثيراً من الاقتصاد العالمي، ولكنه أكثر فقراً بحسب الفرد الواحد، وهو ما قد يفضي الى مضاعفات اقتصادية وسياسية، وعلى الرغم من ذلك تجدر الاشارة الى انه بينما لاتزال الولايات المتحدة محور الاقتصاد العالمي فإن حجمها أصبح أصغر مما كان عليه في التسعينيات من القرن الماضي، وبالتالي فهي اليوم تمثل قاطرة نمو عالمي أقل تعويلاً.

وهذا وضع لايزال مألوفاً، وأجد صعوبة في تحديد ما إذا كان هذا الحال يجب أن يبعث الطمأنينة أم القلق؟

back to top