الأمم المتحدة في عامها السبعين

نشر في 28-08-2015
آخر تحديث 28-08-2015 | 00:01
مع دخول الأمم المتحدة عقدها الثامن، فإنها لا تزال تشكل مصدر إلهام للبشرية، ويظل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمثل الميثاق الأخلاقي للعالم، كما تَعِد أهداف التنمية المستدامة بتوفير علامات إرشادية جديدة للتعاون الإنمائي العالمي.
 بروجيكت سنديكيت يصادف اجتماع زعماء العالم في الشهر المقبل في المقر الرئيسي للأمم المتحدة بمدينة نيويورك الذكرى السنوية السبعين لتأسيسها، ورغم أن الأمر لن يخلو من قدر وفير من الصخب الإعلامي، فمن المؤكد أنه لن يعكس قيمة الأمم المتحدة بالقدر الكافي، ليس فقط باعتبارها الإبداع السياسي الأكثر أهمية في القرن العشرين، بل بوصفها أيضاً أفضل صفقة على الإطلاق على كوكب الأرض، ولكن إذا كان للأمم المتحدة أن تواصل الاضطلاع بدورها الفريد والحيوي في القرن الحادي والعشرين، فمن الأهمية بمكان أن يتم رفع مستواها من ثلاثة جوانب أساسية.

من حسن الحظ، هناك وفرة من المحفزات لحمل زعماء العالم على القيام بكل ما يلزم، والواقع أن الأمم المتحدة حققت أكبر ثلاثة انتصارات مؤخرا، ومن المنتظر أن نشهد انتصارين آخرين قبل نهاية هذا العام.

كان الانتصار الأول الاتفاق النووي مع إيران، وهذا الاتفاق الذي يساء تفسيره أحياناً باعتباره اتفاقاً بين إيران والولايات المتحدة، هو في واقع الأمر اتفاق بين إيران والأمم المتحدة، التي مثلتها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، بالإضافة إلى ألمانيا، وفي عرضه للأسباب الكفيلة بجعل دولته تحترم الاتفاق بكل دقة تساءل أحد الدبلوماسيين الإيرانيين بوضوح: "هل تعتقدون حقاً أن إيران قد تتجرأ على غش أو خداع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي يمكنها أن تختم مصير دولتنا؟".

وكان الانتصار الكبير الثاني متمثلاً بالختام الناجح، بعد خمسة عشر عاما، للأهداف الإنمائية للألفية، والتي أسست لأكبر الجهود وأطولها وأكثرها فعالية على الإطلاق للحد من الفقر العالمي، وقد أشرف اثنان من الأمناء العامين للأمم المتحدة على الأهداف الإنمائية للألفية: كوفي أنان، الذي قدمها في عام 2000، وبان كي مون، الذي تولى منذ أتى خلفاً لكوفي أنان في بداية عام 2007، قيادة الجهود الرامية إلى تحقيق هذه الأهداف بقوة وفعالية.

وقد ولدت الأهداف الإنمائية للألفية تقدماً مبهراً في مجالات الحد من الفقر، والرعاية الصحية، والالتحاق بالمدارس، والمساواة بين الجنسين في التعليم، وغير ذلك من المجالات، فمنذ عام 1990 (التاريخ المرجعي للأهداف)، نجحت الجهود في خفض المعدل العالمي للفقر المدقع بما يتجاوز النصف كثيرا، أي أن تحقيق أول أهداف الأجندة تجاوز المستوى المرغوب.

وباستلهام نجاح الأهداف الإنمائية للألفية تعتزم البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة الشهر المقبل تبني أهداف التنمية المستدامة، التي تسعى إلى إنهاء الفقر المدقع بكل أشكاله في كل مكان، وتضييق فجوة التفاوت بين الناس، وضمان الاستدامة البيئية بحلول عام 2030، والواقع أن هذا الانتصار الثالث للأمم المتحدة في عام 2015 من الممكن أن يساعد في جلب الانتصار الرابع: التوصل إلى اتفاق عالمي بشأن التحكم في المناخ، تحت رعاية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، في باريس في شهر ديسمبر.

الواقع أن القيمة الحقيقية للسلام والحد من الفقر والتعاون البيئي، وغير ذلك من الأمور التي باتت ممكنة بفضل جهود الأمم المتحدة، لا يمكن حسابها، ولكن إذا كان لنا أن نضعها في إطار نقدي، فقد يكون بوسعنا أن نقدر قيمتها بتريليونات الدولارات سنويا، على الأقل نسبة مئوية قليلة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي الذي يبلغ 100 تريليون دولار أميركي.

وفي المقابل كان مجموع الإنفاق على أنشطة كل هيئات الأمم المتحدة- من الأمانة العامة ومجلس الأمن إلى عمليات حفظ السلام والاستجابات الطارئة للأوبئة والعمليات الإنسانية في مواجهة الكوارث الطبيعية والمجاعات وتدفقات اللاجئين- نحو 45 مليار دولار تقريباً في عام 2013، أو نحو ستة دولارات لكل شخص على كوكب الأرض، وهذه ليست مجرد صفقة؛ بل إنها تشير أيضاً إلى نقص كبير في الاستثمار، فبسبب الحاجة المتزايدة بسرعة للتعاون العالمي، لا تستطيع الأمم المتحدة ببساطة أن تكمل مسيرتها بميزانيتها الحالية.

ونظراً لهذا فإن الإصلاح الأول الذي أقترحه يتمثل بزيادة التمويل، مع مساهمة البلدان ذات الدخول المرتفعة بما لا يقل عن 40 دولاراً للفرد سنويا، والبلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى بما لا يقل عن ثمانية دولارات، والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى ما لا يقل عن دولارين، والبلدان المنخفضة الدخل بما لا يقل عن دولار واحد. وبهذه المساهمات- التي تعادل نحو 0.1 في المئة من متوسط دخل الفرد في المجموعة- تحصل الأمم المتحدة على نحو 75 مليار دولار سنوياً، وتستطيع بالاستعانة بها أن تعزز من جودة البرامج الحيوية وقدرتها على الوصول إلى من يحتاجون إليها، بدءاً بتلك اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبمجرد أن يصبح العالم على مسار قوي نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فإن الحاجة إلى عمليات حفظ السلام والإغاثة في حالات الطوارئ على سبيل المثال لابد أن تنحدر مع تناقص الصراعات في العدد وتضاؤلها في الحجم، ويصبح في الإمكان منع أو توقع الكوارث الطبيعية بشكل أفضل.

وهذا يقودنا إلى المجال الرئيسي الثاني للإصلاح: ضمان صلاحية الأمم المتحدة للاستمرار في عصر التنمية المستدامة الجديد، وعلى وجه التحديد يتعين على الأمم المتحدة أن تعمل على تعزيز خبراتها في مجالات مثل صحة المحيطات، وأنظمة الطاقة المتجددة، والتصميم الحضري، ومكافحة الأمراض، والإبداع التكنولوجي، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتعان الثقافي السلمي. ولابد من دمج بعض برامج الأمم المتحدة أو إغلاقها، مع العمل على إنشاء برامج جديدة تابعة للأمم المتحدة ترتبط بأهداف التنمية المستدامة.

وتتمثل الحتمية الإصلاحية الثالثة بحوكمة الأمم المتحدة، بدءاً بمجلس الأمن الذي لم يعد تكوينه يعكس الحقائق الجيوسياسية العالمية، والواقع أن أوروبا الغربية والمجموعة الأخرى تمثل الآن ثلاثة من المقاعد الدائمة (فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة). وهذا يترك مقعداً دائماً واحداً لمجموعة أوروبا الشرقية (روسيا)، ومقعدا دائما واحدا لمجموعة آسيا والمحيط الهادئ (الصين)، ولا شيء لإفريقيا أو أميركا اللاتينية.

والواقع أن المقاعد الدورية في مجلس الأمن لا تساعد في تحقيق التوازن الإقليمي بالقدر الكافي، فحتى مع احتلال اثنين من المقاعد العشرة الدورية في مجلس الأمن، تظل منطقة آسيا والمحيط الهادئ ناقصة التمثيل بشكل كبير. ذلك أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تمثل ما يقرب من 55 في المئة من سكان العالم ونحو 44 في المئة من دخله السنوي، ولكنها تشغل 20 في المئة فقط من مقاعد مجلس الأمن (ثلاثة من أصل خمسة عشر مقعدا).

إن التمثيل المنقوص لآسيا يفرض تهديداً خطيراً على شرعية الأمم المتحدة، والتي لن تزيد إلا بتولي المنطقة الأكثر ديناميكية وسكاناً في العالم دوراً عالمياً متزايد الأهمية، وتتمثل إحدى الطرق المحتملة لحل المشكلة في إضافة أربعة مقاعد آسيوية على الأقل؛ مقعد دائم واحد للهند، ومقعد مشترك بين اليابان وكوريا الجنوبية (ربما بالتبادل عاماً بعد الآخر)، ومقعد لبلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا (لتمثيل المجموعة باعتبارها دائرة واحدة)، ومقعد رابع دوري بين الدول الآسيوية الأخرى.

مع دخول الأمم المتحدة عقدها الثامن، فإنها لا تزال تشكل مصدر إلهام للبشرية، ويظل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمثل الميثاق الأخلاقي للعالم، كما تَعِد أهداف التنمية المستدامة بتوفير علامات إرشادية جديدة للتعاون الإنمائي العالمي، بيد أن تعزيز قدرة الأمم المتحدة على الاستمرار في تحقيق إمكاناتها الهائلة في قرن جديد كثير التحديات يتطلب التزام بلدانها الأعضاء بمساندة المنظمة بالموارد، والدعم السياسي، والإصلاح الذي يحتمه هذا العصر الجديد.

* جيفري دي. ساكس | Jeffrey Sachs ، أستاذ التنمية المستدامة، وأستاذ السياسات الصحية والإدارة، ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا، والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الأهداف الإنمائية للألفية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top