شاب هولندي يرسم خرائط المجاهدين

نشر في 28-08-2015
آخر تحديث 28-08-2015 | 00:01
سيطر تنظيم داعش على الرحاب في العراق، وبسط نفوذه على الساحل الليبي قرب سرت. وفي سورية، خسر لتوه تل أبيض أمام الأكراد، إلا أنه ينتشر في وسط تدمر. يراقب توماس فان لينغ كل تحركات هذا التنظيم. يرتدي هذا الشاب (19 سنة) قميصاً قطنياً له قبعة. ومع أنه قد تخرج لتوه في المدرسة الثانوية، يدرك أفضل من أناس كثيرين وجهة داعش، والمناطق التي يحتلها، والأراضي التي خسرها. ويعود ذلك إلى أن فان لينغ يعدّ بعض أفضل الخرائط في العالم عن مناطق الحرب الفوضوية هذه، من طاولة غرفة طفولته في أمستردام. لم يسبق له أن زار سورية، أو العراق، أو ليبيا، وعن أنه تعلم اللغة العربية عبر موقع {يوتيوب}. التفاصيل من {شبيغل}.
من أهم واضعي خرائط صراع الدولة الإسلامية (داعش) شاب في التاسعة عشرة من العمر من أمستردام. وبعدما تخرج أخيراً في المدرسة الثانوية، يتحضر ليأخذ نشاطه هذا إلى المستوى التالي.

لا يتتبع هذا الشاب الهولندي داعش و«خلافته} فحسب، بل يدرك أيضاً ما يقوم به ثوار الجيش السوري الحر، جبهة النصرة، وحزب الله اللبناني.

وفي ليبيا، يراقب كتائب الزنتان، في حين يتتبع أخبار بوكو حرام في نيجيريا. أما في شرق أوكرنيا، فيراقب الانفصاليين. يقول: {أراقب كل الأماكن التي تشهد انتفاضات}.

استخدمت خرائطه شبكة {سي إن إن}، صحيفة {نيويورك تايمز}، وحتى {شبيغل}. وهنا ينشأ السؤال: {لمَ يعرب هذا الشاب في التاسعة عشرة من عمره عن كل هذا الاهتمام بالوضع على الجبهات السورية؟

 وكيف ينجح في وصف هذه الصراعات بدقة، مقدماً تفاصيل أشمل من أي معد خرائط محترف آخر؟

لا يزال توماس فان لينغ يقيم مع أهله في منزل صغير قرب مطار شيبول، حيث تملأ أقراص أفلام {حروب النجوم} الرفوف. عندما ينظر من النافذة، يرى شجيرات البندق وزحلوقة في الباحة الأمامية. يهز كتفيه لأنه لا يملك الجواب على هذا السؤال. فان لينغ شاب عملي، يؤمن بأن على كل إنسان أن يقوم بما يحب. ولكن هل يخشى أن يخفق في أمر ما؟ يجيب بالنفي ويدّعي أنه لا يعرف هذا الشعور.

في المدرسة، شارك في أعمال مسرحية. تعلّم أيضاً حركة علم طبائع البشر المعروفة بـeurythmy. كذلك تدرب في دار للعجزة. بالإضافة إلى ذلك، جمع المال للأجناس المهددة بالانقراض وحفظ أسماء كل الطيور والثدييات في أوروبا الوسطى. ذهب أيضاً إلى {المدرسة الحرة}، أحد معاهد والدورف حيث تتبع الدروس مبادئ رودلف شتاينر. ومن أفكار هؤلاء المدرسين التقدميين أن من الضروري عدم تعليم الولد كيف يفكر ويشعر فحسب، بل كيف يرغب أيضاً... أي كيف يقوم بالأمور.

فكر حر

قبل أربع سنوات، شاهد فان لينغ ذات أمسية برنامجاً على شبكة «سي إن إن» عن الربيع العربي في مصر. فرأى الشبان الغاضبين وهم يناضلون في سبيل حريتهم في ميدان التحرير في القاهرة. والدته عالمة نفس ووالده عالم اقتصاد. وقد ربياه ليصبح فكراً حراً يرى العالم مكاناً واعداً. ويقول إنه يتمنى غالباً لو أن الناس يكونون أحراراً بقدره.

لذلك اختار الحرب الأهلية السورية لتكون موضع عمله المتخصص في المدرسة.

فبحث عن خارطة لسورية على غوغل وبدأ يرسم عليها خطوط الجبهات والمجموعات الثورية، مستخدماً ألواناً مختلفة. كذلك تواصل مع ناشطين وحصل على ثقتهم. فأرسلوا إليه في المقابل المعلومات. وهكذا تابع تعديل خارطته. وفي يناير 2014، نشرها للمرة الأولى على حسابه على موقع تويتر @arabthomness. ويحظى اليوم بأكثر من 14 ألف متابع حول العالم، فيما يعمل بانتظام على تحديث خارطته.

يتدفق فيض من المعلومات على هاتفه المحمول من {تويتر}، {فايسبوك}، و«يوتيوب}. كذلك يتحاور عبر {سكايب} مع المحاربين على الجبهة، يتواصل مع الناشطين والمؤسسات الخيرية، ويتلقى رسائل من آخرين يعملون في مجال رسم الخرائط. وهكذا تتخطى مصادره لرسم الخرائط السورية الألف ومئة، حسبما يدّعي.

بعدما أنهى فان لينغ أخيراً المدرسة الثانوية، أمضى فترة طويلة في التفكير في ما سيقوم به بعد ذلك. يقول إنه يحب العمل الحر الذي يمكنه من الخروج والسفر حول العالم. وخلال بحثه هذا، سمع قصة شابة سورية مات والداها، وبات عليها أن تعتني بشقيقتها الصغيرة. يذكر فان لينغ أنه يفكر غالباً في هاتين الفتاتين. فهو يدرك أن خرائطه لا تساعدهما. ألهمه ذلك بالتفكير في السفر إلى أحد هذه الأماكن التي لا يعرفها حتى اليوم إلا من خلال خارطته، ربما إلى المنطقة الكردية في شمال شرق العراق. ويظن أنه أمضى ما يكفي من الوقت في مراقبة الأوضاع من بعيد.

لذلك يشعر فان لينغ بأن الوقت حان ليساعد الناس في الأماكن التي تشهد معاناة فعلية.

back to top