الألزهايمر... اكتشاف قلب الموازين

نشر في 28-08-2015
آخر تحديث 28-08-2015 | 00:01
No Image Caption
بينما تنفق أموال طائلة بغية اكتشاف أدوية ملائمة لعلاج أعراض مرض الألزهايمر، يبقى الباحثون الذين اكتشفوا الأسباب الفعلية وراء هذا المرض في الظل... وبينما يزداد مرضى الألزهايمر حول العالم، تبقى أسبابه مجهولة. والأسوأ أن العلاجات التي توصف اليوم تواجه الانتقاد من السلطات الصحية العليا. أما التجارب الأخيرة التي تُجرى على جزيئات جديدة، فلا تبدو واعدة البتة. وتبقى الأرقام مقلقة: 35.6 مليون شخص حول العالم يعانون الخرف، وفق منظمة الصحة العالمية. وسيتضاعف العدد بحلول عام 2030. وتبدو هذه التوقعات قاتمة لأن نسبة المصابين بمرض الألزهايمر وغيره من أنواع الخرف ازدادت 14% في غضون ثلاث سنوات. رغم ذلك، يبرز بعض الدراسات وقائع بالغة الأهمية. ومن الممكن أن باحثين اكتشفوا السبب الفعلي وراء هذا التراجع الفكري، ويجب أن تفرحنا هذه الأخبار التي يحملونها إلينا.
العامل الأول اختلاف انتشار المرض في آسيا. تشكل اليابان، خصوصاً، استثناء بين الدول الصناعية الغنية: فهذا المرض أقل بنحو 10 أضعاف، مقارنة بمعظم الدول الغنية، حيث يصل إلى نحو 2% إلى 4% من المسنين بعد سن الخامسة والستين. وهذا محير بالتأكيد. في الهند، من الواضح أن هذا المرض أقل انتشاراً في المناطق الريفية (0.51%)، مقارنة بالمناطق الصناعية. ولكن ما أوجه الاختلاف بين الريف الهندي، المناطق الصناعية في الهند، وسائر دول العالم؟

 يجيب الدكتور كلوديو سوتو، باحث ومدير مركز أبحاث الأمراض العصبية التنكسية في جامعة تكساس الطبية في هيوستن بالولايات المتحدة الأميركية، على هذا السؤال.

يعمل سوتو وفريقه بدأب على فهم مرض الألزهايمر منذ سنوات عدة، وتُعتبر تجربتهم الأخيرة ثورية. نُشرت هذه الدراسة في المجلة العلمية Molecular Psychiatry: أخذ الدكتور سوتو وفريقه نسيجاً من دماغ شخص يعاني الألزهايمر وحقنوه في فئران سليمة. وراحوا يراقبون ما يحدث، مقارنين تطور حالة هذه الحيوانات الصحية بمجموعة ضبط من الفئران. فجاءت النتائج مذهلة: طوّرت كل الفئران التي تلقت جزءاً من الدماغ المصاب صفيحات أميلويد وتبدلات ترافق عادةً مرض الألزهايمر.

 عن هذه النتائج يقول الباحثون: «يفتح اكتشافنا الباب أمام احتمال أن يعود مرض الألزهايمر إلى عملية معدية تنجم عن أمراض عصبية أخرى مثل مرض جنون البقر أو نسخته البشرية، مرض كروتزفيلد جاكوب».

يضيفون: «تشبه الآليات الكامنة وراء مرض الألزهايمر الأمراض الناجمة عن البريونات. تشمل هذه بروتيناً طبيعياً يُصاب بخلل ويصبح قادراً على إحداث خلل في بروتينات أخرى. وهكذا تتراكم البروتينات السيئة في الدماغ، مشكلة صفيحات الأميلويد التي تقتل على ما يبدو الخلايا العصبية في مرض الألزهايمر».

بكلمات أخرى، قد يكون هذا المرض مرتبطاً بنوع من العدوى العائدة إلى استهلاك اللحم. وهذا ما يبرر الاختلافات الجغرافية في هذا المجال: مقارنة بالمغرب، يُعتبر استهلاك اللحم في الهند واليابان منخفضاً جداً، ويزداد هذا الاستهلاك انخفاضاً كلما ابتعدنا عن المدن الصناعية. ولكن بدل تحديد هذا البريون في المنتجات الحيوانية، يصب الباحثون كل اهتمامهم على تدمير الصفيحات. لا عجب، إذاً، أن كل الأدوية التي طورت حتى اليوم فشلت فشلاً ذريعاً: قد تقضي على بضع صفيحات أو حتى المئات، بيد أنها لا تقتل البريون.

من الممكن ملاحظة الإشارات التي تنبه للأعراض الأولى قبل نحو 15 سنة من ظهور المرض. وتشمل هذه عموماً:

• فقدان الذاكرة.

• صعوبة في إنجاز المهام اليومية.

• مشاكل في اللغة.

• تشوش مرتبط بالوقت والمساحة.

• صعوبة في عمليات التفكير المجردة.

• فقدان الأشياء.

• تراجع القدرة على الحكم السديد.

• تقلبات في المزاج وفقدان الحماسة.

في هذه الحالة، من الضروري استشارة طبيب أعصاب أو طبيب متخصص في أمراض الشيخوخة.

تفادي الألزهايمر

تُعتبر فكرة أن الألزهايمر مرض معدٍ خبراً جيداً، لأن كل الإستراتيجيات التي تحسن عمل الجهاز المناعي تساهم بفاعلية في تفاديه. وهذا ما تُظهره بالتحديد الأبحاث التي أجريت حتى اليوم. على سبيل المثال، كشفت دراسة فرنسية أُجريت في تولوز وتتبعت نساء مسنات في الثمانين من العمر طوال سبع سنوات كمعدل، أن خطر الإصابة بمرض الألزهايمر تراجع بنحو 4 أضعاف بين اللواتي يستهلكن القدر الأكبر من الفيتامين D، مقارنة بالأخريات.

كذلك تراجع هذا الخطر إلى نحو النصف بين النساء اللواتي يتعرضن بانتظام للشمس خلال منتصف النهار (حين يكون تخليق الفيتامين D الأعلى في البشرة). في المقابل، لا يساهم الفيتامين D في الحد من خطر حالات الخرف الأخرى غير الناجمة عن عوامل معدية. وتتلاءم هذه النتائج مع واقع أن الفيتامين D أكثر المواد الطبيعية المعروفة محاربة للعدوى والفيروسات. علاوة على ذلك، يجب أن يقوم التدبير الوقائي الأول على الحد من استهلاك اللحوم، وخصوصاً لحوم حيوانات المزارع التجارية التي تضيف إلى العلف المضادات الحيوية، وحيث تُكدس الحيوانات إلى جانب بعضها البعض، ما يساهم في انتقال الفيروسات والبكتيريا.

في المقابل، تعرب المزارع العضوية عن احترام أكبر للحيوانات، ما يحد من إمكان حملها بريونات سامة. ولا شك في أن هذا يفرح النباتيين، شرط أن يتبعوا هذا النظام الغذائي بذكاء.

تدابير صحية وغذائية

تشمل الإستراتيجية الكاملة المضادة للأزهايمر، في المقام الأول، إيلاء النظام الغذائي أهمية كبرى. ومن الأحماض الأمينية البالغة الأهمية في البنية الدماغية DHA، أحد أحماض أوميغا- 3 الدهنية الطويلة السلسلة التي تتوافر بكميات كبيرة في الأسماك الدهنية. ولكن مع التقدم في السن، تتراجع كمية هذا الحمض في الدماغ، فيما تزداد الآفات التنكسية.

 يوضح باحثون من جامعة تافس في بوسطن بالولايات المتحدة الأميركية أن احتمال الإصابة بمرض الألزهايمر يتراجع بنحو 47% بين مَن يملكون الكمية الأكبر من حمض DHA في دمهم. وكي تزيد استهلاكك من هذا الحمض، يكفي أن تستهلك ثلاث حصص من الأسماك الدهنية أسبوعياً على أن تفضل الأسماك الصغيرة (الإسقمري، السردين، الأنشوفة...).

لكن المخاوف الغذائية الأخيرة بشأن نوعية السمك (التلوث بثنائي الفنيل المتعدد الكلور، الديوكسين، المعادن الثقيلة...) قد تدفع كثيرين إلى اللجوء إلى المكملات الغذائية المتوافرة في كبسولات.

• يشكل الفيتامين D وأحماض أوميغا-3 الدهنية الإستراتيجيتين الغذائيتين الدقيقتين الأكثر فاعلية في مواجهة هذا المرض. ولكن تؤدي عوامل أخرى دوراً مهماً أيضاً:

• تناول الخضر الخضراء: يشير باحثو الجمعية الأميركية لعلم الأعصاب إلى أن تناول الخضر الخضراء بانتظام يحافظ على الوظائف الفكرية. ويذكر البعض أن غناها بالفيتامين B9، الذي يؤدي دوراً مهماً في الدماغ، يعلل فوائدها هذه.

• عالج ارتفاع ضغط الدم: يشكل ارتفاع ضغط الدم الشرياني أحد العوامل الأبزر التي تؤدي إلى هذا المرض. فارتفاع ضغط الدم الشرياني المرتفع يزيد خطر الإصابة بستة أضعاف. في دراسة SystEur، تُظهر الدكتورة فرانسواز فوريت أن مَن يعانون ارتفاع ضغط الدم ينجحون في خفض خطر إصابتهم بالخرف بنحو 5% إن اتبعوا علاجاً مضاداً لارتفاع ضغط الدم.

• تفادَ الداء السكري: يرتفع خطر الإصابة بالخرف بنحو 65% بين مرضى الداء السكري.

• زد نشاطك الجسدي: للنشاط الجسدي تأثير يحمي الدماغ بآليات مختلفة، منها تنشيط دوران الأكسجين والطاقة، ما يسرّع عمليات التنظيف وفاعلية جهاز المناعة. بالإضافة إلى ذلك، النشاطات العضلية معقدة بالنسبة إلى الجهاز العصبي، ما يساهم في تنشيط هذا الجهاز. وهكذا يكون لنشاط مثل كرة المضرب تأثير أكثر صوناً للدماغ، مقارنة بنشاط مثل المشي.

• لا تدخن: يُضاعف التدخين خطر الإصابة بمرض الألزهايمر. وقد يرتفع هذا الخطر بنحو ثلاثة أضعاف بين مَن يفرطون في التدخين.

• حافظ على رشاقتك: لا يتحمل الدماغ الوزن الزائد والسمنة. يعاني مرضى الألزهايمر، عموماً، من وزن أكبر من المعدل العام بين فئات المجتمع الأخرى. وقد أظهرت دراسة دامت 18 عاماً أن مرضى الألزهايمر يملكون مؤشر كتلة جسمية يصل إلى 27.7، أي أعلى بكثير ممن لا يعانون هذا المرض. وعندما يرتفع مؤشر كتلة الجسم نقطة واحدة، يزداد خطر الإصابة بمرض الألزهايمر بنحو 36%.

back to top