كيف تتعامل البنوك المركزية مع معضلة «الاستقلالية» و«الانضباط»؟

نشر في 28-08-2015
آخر تحديث 28-08-2015 | 00:04
تتمتع البنوك المركزية بدرجات مختلفة من الاستقلالية، تجعلها تعمل بطرق مختلفة، وتحدد بعض البنوك مثل «المركزي» الأوروبي المستهدف الخاص بها، في حين يمتلك بنك إنكلترا استقلالية على المدى القصير، لكنه ملزم بتحقيق مستهدف التضخم الذي تحدده الحكومة.
قال تقرير نشره موقع «بروجيكت سنديكيت» أن الدول المختلفة حول العالم منحت بنوكها المركزية استقلالية منذ صدور بحث اقتصادي في عام 1993 يشير إلى أهمية استقلال البنوك المركزية.

وقام الاقتصاديان ألبرتو أليسينا، ولاري سامرز بنشر ورقة بحثية تشير إلى أن استقلال البنوك المركزية يبقي التضخم تحت السيطرة، مع عدم وجود آثار سلبية على الأداء الاقتصادي للدول. وأشار التقرير إلى أنه من ذلك الوقت تطلق أي إشارة إلى احتمال سيطرة الحكومات سياسيا على أسعار الفائدة، كما حدث مؤخرا في الهند، حالة من التحذير في الأسواق المالية، وغضبا بين الاقتصاديين.

طرق عمل مختلفة

وتوجد درجات مختلفة من الاستقلالية لدى البنوك المركزية حول العالم، ما يجعلها تعمل بطرق مختلفة عن بعضها بعضا، حيث تحدد بعض البنوك مثل البنك المركزي الأوروبي المستهدف الخاص بها، في حين يمتلك بنك إنكلترا مثلا استقلالية على المدى القصير، لكنه ملزم بتحقيق مستهدف التضخم الذي تحدده الحكومة.

كما تختلف طريقة تنظيم البنوك المركزية حول العالم، حيث إنه في البنك المركزي في نيوزيلندا يعتبر محافظ البنك صانع القرارات الأوحد، في حين أن قرارت مجلس الاحتياطي الفدرالي تحددها اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح، والتي يتمتع أعضاؤها المكونون من 7 محافظين، و5 من رؤساء البنوك الاحتياطية الإقليمية بدرجة متفاوتة من الاستقلالية.

وبينما لا يقوم البنك المركزي الأوروبي بنشر سجلات التصويت، ويسعى للموافقة بالإجماع في اجتماعات المجلس العام، فإن لجنة السياسة النقدية في بنك إنكلترا، والمكونة من 9 أعضاء 4 منهم من خارج البنك تنشر سجلات جميع الأعضاء بشكل فردي، ولا يسمح لأحدهم بإخفاء وجهة نظره داخل الإطار المؤسسي.

وعلى جانب آخر، لا يحتفظ الاحتياطي الفدرالي بسجلات التصويت، لكنه يشير إلى «المعارضات» بشأن القرارات الأساسية في حال وجدت.

كما تتمثل الاختلافات في العلاقة بين واضعي السياسة النقدية وموظفيهم، والتي تؤثر على استقلالية البنوك المركزية، ففي مجلس الاحتياطي الأمريكي يقدم العاملون توقعاتهم الاقتصادية إلى لجنة السوق المفتوحة، دون تدخل من صناع القرارات النقدية الذين يحددون معدل الفائدة.

في حين أنه في بنك إنكلترا تعتبر لجنة السياسة النقدية هي المسؤولة عن التوقعات الرسمية، والتي تُنشر في تقارير التضخم.

مخاطر التفكير الجماعي

وأشار التقرير إلى أن التفكير الجماعي يمكن أن يمثل خطورة، خاصة إذا كان البنك المركزي هو المشرف على النظام المصرفي أيضا، وهو ما أثبتته الأزمة المالية العالمية في 2008، حيث إن معظم البنوك المركزية التي تصدر تقرير الاستقرار المالي أعلنت في عام 2006 أن النظام المصرفي في بلدانها يتمتع بحالة جيدة، من حيث رأس المال، والحوكمة، والإدارة.

ويرى تحليل «بروجيكت سنديكيت» أنه من غير المنطقي ألا يوجد محلل واحد في أحد البنوك المركزية كان قلقا بشكل بسيط من النمو الهائل في النفوذ والائتمان في ذلك الوقت، في حين كان خبراء في بنك التسوية الدولية يشيرون إلى وجود مخاطر كبيرة، إلا أن هذا لم ينتج عنه ظهور أي صوت معارض بين خبراء البنوك المركزية حول العالم.

ومع الاعتراف باستقلالية البنوك المركزية عن الحكومات، إلا أنه من الصعوبة بمكان الابتعاد عن الخط الرئيسي لسياسات الدولة.

ويوحد توازن نسبي بين الانضباط المؤسسي الضيق، والسماح للعشرات من الخبراء والمحللين العاملين في المؤسسة بإبداء آرائهم، في حين يسعى المراقبون الخارجيون لمراقبة الرسائل السياسية بين سطور أي تقرير، والتي قد لا تساعد دائما على تحقيق البنك لأهدافه.

محاولات لدعم التنوع

وتظهر محاولات واضحة للسماح بمزيد من التنوع والاختلاف بين الأفكار في البنوك المركزية، حيث يجرب بنك إنكلترا منصة تسمح بالاستماع الى مزيد من التنوع في وجهات النظر، حيث أطلق مدونة بعنوان «Bank Undergroun» ينشر فيها صغار الموظفين مشاركات تتحدى أو تدعم السياسة السائدة.

وبالفعل نجحت المدونة في إرساء نفسها كمصدر لمزيد من الأفكار المختلفة، حيث أشارت مشاركة نشرت في منتصف الشهر الجاري من خلال موظف ببنك إنكلترا يدعى توبياس نيومان إلى وجود بعض نقاط الضعف في نماذج الرأسمالية الداخلية للبنوك، والتي تمثل قلب النظام في اتفاقية «بازل 3» لمتطلبات رأس المال.

كما خرج منشور آخر عبر المدونة في شهر يوليو الماضي يتحدى وجهة النظر الرسمية في بريطانيا، والتي تشير إلى أنه مع تعافي الاقتصاد فإن من المتوقع أن تقوم الشركات غير المالية بتخفيف أرصدتها النقدية لتمويل الاستثمار.

واعتبر التقرير أن مدونة موظفي بنك إنكلترا أثبتت في الفترة القصيرة الماضية أهميتها في طرح وجهات نظر متنوعة، وهو ما قد يمهد لخروج مدونات مشابهة من بنوك مركزية عالمية أخرى.

(أرقام)

back to top