بينما يتأرجح أوباما يعزز بوتين نقاط قوته

نشر في 27-08-2015
آخر تحديث 27-08-2015 | 00:01
الرئيس أوباما لا يريد «استفزاز» بوتين أو «تصعيد» التوتر، ولكن بالنسبة إلى رجل بمعايير بوتين الأخلاقية، لا يعني هذا إلا أمراً واحداً: أنه يملك الضوء الأخضر لممارسة القدر الأكبر من العدائية التي تحلو له.
 ذي ناشيونال لا شك أن لطغيان فلاديمير بوتين المتنامي أوجهاً سريالية، فقد أشارت صحيفة وول ستريت جورنال إلى كيفية تنافس مفتشي المواد الغذائية الروس في تطبيق أمر الكرملين بإتلاف الأطعمة المستوردة من أوروبا الغربية في رد على العقوبات الغربية التي فُرضت على روسيا عقب اعتدائها غير المبرر على أوكرانيا، فيدمّر المفتشون المتحمسون بإفراط أطناناً من الخضار والفاكهة وثمار البحر والجبن، وكل هذا في بلد يعيش فيه 15.9% من السكان أو نحو 23 مليون نسمة تحت خط الفقر، ومن المؤكد أن مضي بوتين قدماً في عملية إتلاف الطعام الماسوشية هذه يُظهر، أو بالأحرى يبرهن، أنه يؤثر وجهة نظر سياسية على خير شعبه العام.

في هذه الأثناء حُكم على المسؤول الأمني الإستوني، إستون كوفر، الذي خُطف وهو على الأراضي الإستونية وهُرّب إلى روسيا، بالأشغال الشاقة مدة 15 سنة في محاكمة صورية روسية، بعد أن وُجه إليه عدد من التهم المختلقة.

شبّه الرئيس الإستوني توماس هندريك إلفيس هذا التطور بحالات قتل الجنود السوفيات الحراس عند حدود دول البلطيق قبل الغزو السوفياتي، والاستيلاء على هذه الدول عام 1940، كذلك أعلن مسؤول في وزارة الخارجية أن هذه الحالة "تبرهن تجاهل السلطات الروسية الفادح لحكم القانون، ويثير أسئلة خطيرة حول التزام روسيا بواجباتها القانونية الدولية".

في هذه الأثناء أيضاً يتصاعد القتال في أوكرانيا، حيث يعزز المتمردون الخاضعون لروسيا، رغم وقف إطلاق النار الذي أُعلن في شهر فبراير، هجماتهم ضد الجنود الأوكرانيين، الذين يحاولون منع انتزاع المزيد من أراضي هذه الدولة من تحت سيطرة حكومتها المنتخبة ديمقراطياً، كذلك تحتج وزارة الخارجية على انتهاكات وقف إطلاق النار هذه، كما لو أن البيانات تستطيع وقف قذائف المدفعية.

يشير كل هذا إلى أن بوتين لم يقتنع، إذا جاز التعبير، بتبني مقاربة ألطف وأقل حدة إلى الحوكمة منذ فرض العقوبات الغربية، وبدلاً من ذلك عاد إلى حيله القديمة، فيحاول اقتطاع أكبر قدر ممكن من أوكرانيا، مشيراً في الوقت عينه إلى أن دول البلطيق ستكون التالية، فلا عجب إذاً أن كبار القادة العسكريين الأميركيين يعتبرون روسيا راهناً التهديد الأمني الأول الذي نواجهه.

لا تنفك المشكلة تزداد سوءاً لأن البيت الأبيض بقيادة أوباما، الذي حاول أخيراً "إعادة ضبط" العلاقات مع بوتين، ما زال لا يبذل الجهد الكافي ليمنع اعتداء مماثلاً، صحيح أن الولايات المتحدة مستعدة لتدريب الجنود الأميركيين، إلا أنها لن تزودهم بأسلحة هجومية، كذلك تبدو الولايات المتحدة مستعدة لفرض بعض العقوبات على روسيا، غير أنها ترفض إصدار الحكم بالإعدام بطرد كل الشركات الروسية من التجارات التي يسيطر عليها الدولار. حتى إن الولايات المتحدة لم توقف الاقتطاعات العسكرية التي ستجعل قريباً جيشنا صغيراً إلى حد أنه لن يعود قادراً على الوفاء بكل التزاماته.

كما تعلمون لا يريد الرئيس أوباما "استفزاز" بوتين أو "تصعيد" التوتر، ولكن بالنسبة إلى رجل بمعايير بوتين الأخلاقية، لا يعني هذا إلا أمراً واحداً: أنه يملك الضوء الأخضر لممارسة القدر الأكبر من العدائية التي تحلو له. إذاً الفرصة متاحة لاقتناصها، ولا عجب أنه يستغلها، لكن كلفة عالية يدفعها الأوكرانيون والإستونيون، وخصوصاً شعبه، في حين أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يشيحون بأنظارهم بلباقة.

 * ماكس بوت | Max Boot

back to top