الأغلبية الصامتة: دائرة السخط أكبر مما تظنون

نشر في 27-08-2015
آخر تحديث 27-08-2015 | 00:04
 إبراهيم المليفي معطيات اللحظة تفيد بما هو آت: سعر البرميل يهوي وأحوال الناس تغلي، والإدارة العامة تمارس عملها خارج نطاق الزمن، بعيدا عن نبض الشارع، وما يسمى ببرلمان السنن الحميدة لا يزال يدور في فلك تفعيل أداة السؤال البرلماني وانتظار الجواب الرسمي لتحديد موقفه.

معطيات اللحظة قدمت صورة ساطعة لسخط الناس عندما جمعهم الوعي بحقيقة أنهم في مركب واحد تجره سفينة غارقة، لقد تلمسوا انسحاب أجهزة أوجدت لخدمتهم وقوانين شرعت لانتزاع حقوقهم لكنها لا تفعل، وشعروا بالتهميش، وأنهم طبقة لا ينتمي إليها من ينتظر راتبه آخر الشهر، وليس من ضمنهم من يملك خصوصية اختراق الجدران والأبواب العالية.

الإرادة الجماعية ولحظة الوعي الجماهيري تجمعت عند محطة واحدة عنوانها "مكافحة الغلاء الفاحش"، وكان الهدف مقاطعة سلعة واحدة تفشى الجشع في تراتبية صناعتها حتى وصل إلى جيب المواطن، فنظمت حملة غير مكلفة استقطبت إلكترونيا كل الحالات الفردية الساخطة على أسعار هذا الصنف أو ذاك، اكتشفوا أن نطاق الهمّ أوسع من نطاق دوائرهم الضيقة، وتحت شعار واحد ومطلب واحد تمت مقاطعة سوق السمك لمدة أسبوع، والنتيجة نجاح الحملة من يومها في تصحيح أسعار السوق بما يلائم دخول طبقة أصحاب المركب الصغير.

أعلم علم اليقين أن مثل هذه الرسائل لا تصل بالشكل المطلوب إلى أصحاب القرار من ناحية معرفة حجم دائرة السخط الشعبي، وموقعه ضمن المشهد العام لحالة التراجع في كل شيء، ولكنها، لمن يريد أن يعرف، انعكاس لمرحلة تسبق المرحلة القادمة رغما عنا، والتي فرضتها خمسة عوامل مكتملة النمو:

 أولها: وضع اقتصادي مرير قادم لا مكان فيه للهدر والفساد وتأجيل القرارات.

 ثانيا: تضخم الاحتقان السياسي على وقع أحداث السنوات الماضية، وعدم توازن العملية السياسية، الأمر الذي سيدفع عاجلا أم آجلا لرسم خريطة تحالفات وتوازنات جديدة، تعادل كفة ما هو موجود وحقيقي على الساحة العامة، وما هو موجود وحقيقي في البرلمان ومفاصل الدولة؛ بما يمهد الطريق نحو التهدئة وحصر دائرة الخلافات في أضيق حدود.

 ثالثا: ضغط الأوضاع الإقليمية وضرورة  تصليب الجبهة الداخلية لمواجهتها.

 رابعا: تطور أدوات الرقابة الشعبية ويقظتها الدائمة في خلق الرأي العام دون الحاجة إلى برلمانيين أو قوى سياسية، خامسا: انقضاء وقت التعامل مع كل ما سبق بأدوات الزمن القديم.

لقد نجح الوعي الجماعي في مقاطعة سوق السمك لأن القضية عادلة في مطالبها وعريضة في شريحة المكتوين بنارها، ولأن هذا النجاح صبّ في خانة المصلحة العامة، فأبشروا بالحملة القادمة في سوق الغنم لأن جنون الأسعار واحد والجشع واحد، وإهمال الأجهزة المعنية برقابة الأسعار في السمك واللحم أيضا واحد.

back to top